المحرر موضوع: زوبعة في نهر دجلة (مزهر بن مدلول)  (زيارة 1149 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Mezher Ben Madlool

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 9
    • مشاهدة الملف الشخصي
زوبعة في نهر دجلة
 
مزهر بن مدلول



اين سحر الروح فيك
عبق يفوح، تحت عباءات النساء
تنساب في ثنايا مدينة تحتضن التاريخ والشمس
يعانقك العشاق والشعراء
فتتلون شواطئك بقبل القصائد
في زمانك السعيد ، لي ليلاي ،
واشياء جميلة ، لا ابوح بها
لم تبدو غريبا . ؟
تلك جثة متعفنة ، لرجل مات ..
تطفو ..
فتفسد رائحة الشعر
سأحكي يوما ، عن معصمي النحيف ، كيف تدمى ..
سلاحي تركته في المكان ..
فضاقت البلاد .. وهرب العباد .. فهربت
قائدنا اخرس اللسان ،
قبل ان يموت ، قال ،
ممنوع الكلام..
ممنوع التدخين ..
ممنوع اية حركة واي صوت ..
في المحطات نبتعد عن بعضنا
كانت البداية سهلة ، وكان ظلام دامس ،
ستة عشرة ليلة مظلمة
اصطففنا بانتظام ..ايدينا تمتد ، فتلامس اكتاف بعضنا ،تلك هي المسافة ،التي يجب ان تفصل بين كل اثنين
كل يرى للذي قبله ، وكل يشعر بمن بعده ، يجب ان لا ننفصل
الليل هنا ، هو المطلق الازلي
ونحن في رحلة البحث عن الشمس ،
كلكامش وحده يقاتل .. وحده يقتحم .. وحده يموت ..
كلكامش الاخرس مات شهيدا
كان نحيفا ، له ساقين طويلين ، لايمكنه التحكم بمفاصل ركبتيه ، فيسقط متعثرا ، كل بضعة امتار، ترتطم بندقيته بالصخور وتتدحرج الاحجار من الاعالي ، فيضج الوادي البعيد بصدى الاصوات ، ويصيح الجميع بحذر .. اش .. اش ...
اعترتني للحظة ، رعشة خوف ..
حين بدأنا نملأ { الجوب } بالهواء ، حيث أبى أن يمتلئ لمرات عديدة ،
فحاولت ان أسرق من الزمن ، شيئا يضئ عتمة الروح
فروحي عارية،
أزهارها فارقت الندى ،
صيفها قائض ، الا من بقايا نسمات لحلم طفولي
هكذا تسللت ، الى ليلة الوداع ،
حين إمتلأت الارض بزجاجات عرق الريان ، كنا نغني سعداء ،
فغدا ذاهبون الى القتال
ابو فهد صاحب البيت ، كان مسرورا بنا ، حزينا لفراقنا ، وكان في خصام دائم مع ام فهد ، ففي كل ليلة شجار وصراخ ..حتى ذات مرة ، خرجت ام فهد من البيت ، فرحت وعباس نبحث عنها في قرية بعيدة ..
كان طريقا موحشا ، أشبه بأن يكون محضورا .. راينا خيم الغجر ، مضاءة بالالوان الجميلة ، أمضينا ليلتنا هناك بين جميلات الغجر ونسينا أم فهد
دجلة تتلوى بين أودية التاريخ ..
مياهها تنساب هادئة ..
خائفة من جثة تعفنت ، لرجل مازال حيا ..
تطفو ،
وجموع الناس هاربة
قائدنا الاخرس ، له ذراعا كبيرة ، يستخدمها كمجداف ، أوصلنا ، حين ركبنا { الجوب } والنهر ، بسرعة ، الى الشاطئ الاخر .
إصطفاف مرة أخرى .. أيادينا تلامس أكتاف بعضنا ..
نحن ذاهبون الى القتال ،
جبهات الحرب بعيدة
المعارك صاخبة ،
وانا أحمل الرصاصات الاخيرة !!
فهيا يا رفاق .. سنقتحم سراديب الجبال .. العدو يتقهقر ، تاركا أسلحته وقتلاه !!!.
ولمسافة قصيرة ، حيث الالهة تنصت .. الالهة وحدها تدبي .. الالهة لاتموت ، حتى إنهالت الجبال ، وضاقت الوديان ، وأغرقت المياه دجلة ، وهرب المكان .
رصاص من كل صوب .. راجمات ومدرعات.. دبابات ومدافع .. شظايا القنابل والاشجار والصخور تملأ السماء .
يا إلهي ما كل هذا .
إنسحبوا أيها الرفاق .. دجلة تحترق .
والاخرس وحده يقاتل .. وحده يموت ،
زورقنا من دون مجدف ولا مجداف
من منا يدفع { الجوب }؟
لم أكن أدري بضعفي ، إكتشفته حين دخلت الماء ، كنت أدفع { الجوب } بيد  وأعوم بيدي الاخرى .. أدفع بكل قوة ، وبأقصى جهد ، حتى وصلنا الى منتصف النهر
عند ذاك توقفت عن السباحة ، وتمسكت { بالجوب }، لابد أن أستريح بين دفعة ودفعة ، فيصيح الجميع .. أدفع يارفيق ، أدفع .. أدفع  لم أقل شيئا .. لا أريد لدجلة أن يحملني الى حيث ماتت القصيدة
مازال الرصاص مستمرا ، وقذائف الدبابات ، تسقط أمامنا بكثافة
لامست قدماي قاع النهر،
قفز الجميع بسرعة
جاءتنا نجدة من ثلالة ، قالوا ، إننا قد إفتقدنا رفيقين ، أبو عامر وأبو هبة ليس معنا
طلبوا مني العودة..أين نجدكما وسط  هذا الجحيم ..
لم لا أقول لا ، تلك اللا  تشبه الموت
لكني لا أستطيع العبور سباحة
أتفقنا على الزمان والمكان .. ورحنا كل في إتجاه
كنت أقفز من نار الى نار .. حتى وجدت أبو هبة ، كان منظرا مرعبا ..
لقد أخترقت رصاصة  لعينة  فكيه ، فأمتلأ  وجهه  بالدماء .
لا أستطيع حمله ،
صرخت.. جاء الرفاق مسرعين .. حملناه الى الشاطئ .
وكان أبو عامر ، محاطا بالحرائق ، ضائعا ، لايعرف أين ينسحب .. فقرفص ينتظر .
{ لا يا هبة .. لا يا منى .. لا تردين العيون ، الليل أمس ،
بابا الجبير الجان ترس أجفوفج ورد
ماغاب من كاع البشر
لا يا منى .. شاكر أمسافر أوي أزنود الفلح } .
لست بشاكر ، وليس لي منى
لكني أحس بذلك ، أيما إحساس ..
إحساسي مصحوبا دائما بدمعة ، تقف صامتة على رصيف عيني .
في يوم القيامة .. رأيت صديقي أبو زينب الشايب ، لم يبكي من جهنم ، كان يبكي أبنه حسن ..
أويلاه حسن ،
أويلاه على أفراكك حسن ،
بعد ما أشوفك ولامرة حسن
سألني صديقي ، في ليلة جبلية ، حين كنت أروي له الحكاية ،
عن المسافة بين تفاحة آدم وتفاحة  نيوتن ..
قلت أريد قهوة عربية ،
سكب بضع قطرات منها ،
فأمتلأ الفنجان بدخانها ،
ضحك وقال ..
هذه { زوبعة في فنجان }
أنا وأنت زوبعة في كردستان
[/font] [/b]