المحرر موضوع: هويتنا القومية بين صدق النوايا وضبابية الدعوات  (زيارة 702 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل fadilrammo

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 32
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هويتنا القومية بين صدق النوايا وضبابية الدعوات
فاضل رمو
العديد من الشعوب والجماعات البشرية تعيش في دول وبلدان من دون ان تكون هوية هذه الدول والبلدان حاملة لاشارة او علاقة بهوية تلك الشعوب وخصوصياتها ، فعلى سبيل المثال هنالك شعب كوردي يعيش ضمن الدولة التركية ولكن هوية الدولة التركية بدءا باسمها وانتهاءا بلغتها الرسمية لا علاقة لهم بهوية الشعب الكوردي الذي يعيش منذ عصور بعيدة على اراض هي الان ضمن الدولة التركية ، ولا توجد اي اشارة على كون ارض الدولة التركية جزء منها ذو هوية كوردية ، ولولا الكفاح المسلح والذي تبنى مبدءا عنيفا من قبل الكورد لما ورد ذكر للكورد على ارض تركيا اوضمن الحدود الدولية لدولة تركيا ، لقد اخترت الكورد في جنوب تركيا مثالا لكون حالتهم تجسد الفكرة التي أقصدها بصورة واضحة على الرغم من وجود حالات عديدة تشابه هذه الحالة فالأقباط في مصر والعرب والكورد ايضا في ايران  لكن موضوعي لا علاقة له بالاشقاء الكورد او الاخرين الذي ذكرتهم الان وانما هو متعلق كليا بشعبنا الكلداني السرياني الاشوري وريث الحضارات العراقية البين نهرينية القديمة الذين لازالوا محتفضين بذلك الارث الحضاري مما شكل مع مرور الزمن لدينا خصوصية قومية ولغوية تميزنا عن بقية مواطني الدولة العراقية الحديثة والتي الان قد تبنت هويتين قوميتين فقط هما الهوية القومية العربية والكوردية موزعتين على منطقتين جغرافيتين .
يتضح بصورة جلية من ان فقدان اي شعب للكيان السياسي الخاص بهم يقودهم الى الذوبان ضمن البوتقة التي يعيشون ضمنها والمؤلم في الامر أن  تكون تلك البوتقة  وطنهم ووطن ابائهم واجدادهم الذي تنتشر على كل شبر من ارضه اثارهم واثار مجدهم الذي زال بزوال دولتهم فالمسألة ليست مؤلمة عندما يكونوا مغتربين في بلدان الغير فمن الطبيعي ان يذوبوا ضمن الشعوب الاجنبية الذين هاجروا ليعيشوا فيما بينهم ولكن ان يفقدوا خصوصيتهم وهويتهم القومية لصالح خصوصية وهوية الشعوب التي اصبحت تشكل اكثرية في وطنهم بعد ان نقص عددهم واصبحوا اقلية مقارنة مع هذه الشعوب التي لم يكن لها ذكر في ما مضى فهذا يشكل ظلما وجورا، فالفترة الطويلة التي مرّت على زوال الحكم الكلداني ومن قبلها الاشوري وزوال الدويلات الارامية على ارض بين النهرين ومجيء شعوب أخرى حكموا هذا البلد وتعرضه الى غزوات وحملات دمار افرز الان شعبا يحمل هوية عربية تختلف عن هوية سكانه القدامى بسبب خضوع بلاد مابين النهرين لفترة طويلة لحكم العرب القادمين من شبه الجزيرة خصوصا بعد ظهور الدين الاسلامي وتأسيس الدولة الاسلامية ذات الهوية العربية ، ان هذه الفترة الطويلة التي تقارب ال 25 قرنا من الزمان جعلت من الشعب الذي مازال يحتفظ بالخصوصية القومية لبلاد مابين النهرين اقلية قليلة غير مرغوب بها كجماعة بشرية متميزة حاملة لهوية قومية ذات علاقة مع هوية البلد الاصلية منذ زمان بعيد ، حيث نرى وبصورة واضحة عدم رغبة في توصيفنا بالكلدان الاشوريين وانما هنالك الحاح في استخدام الصفة الدينية (المسيحيين) على الرغم من اصرار شعبنا على تبني واستعمال التسمية القومية الخاصة بنا الكلدانية السريانية الاشورية وذلك لتفريغ هذا الشعب من محتواه السياسي وابقائه مجرد عدد من الناس كمواطنين لا اطار اداري او سياسي لهم .
ان هذه الامور التي ذكرتها اعلاه تشير الى ضرورة والزام ان يكون هناك كيان سياسي و اداري يتباين من شبه مستقل الى اطار مستقل ذو سيادة ذاتية لكل شعب يحمل خصوصية وهوية خاصة به تختلف وتتميز عن الاخرين حتى وان جاورهم لفترة طويلة لكي لا تطمس هويته ولا تهمش خصوصيته ويلغى وجوده ، فها نحن الكلدان السريان الاشوريين احفاد سكان بين النهرين الاوائل يعيش معنا ومنذ فترة طويلة جدا اناس يحملون هوية تختلف عن هويتنا ويتميزون عنا بالخصوصية القومية والدينية أستطاعوا ان يسيطروا على ارض الواقع جغرافيا وديمغرافيا وعسكريا واقتصاديا ، فاخضعونا لسيطرتهم فخدمناهم باخلاص وكذلك خدمنا الوطن ولكنهم  لم يقتنعوا باننا شريك لهم في الارض على الرغم من كل هذه الفترة الطويلة والتي هم جاورونا لا نحن ، فنحن هنا قبلهم وباعتراف الجميع ، وما رفض ممثلي التيارات الاسلامية والعروبية من ابناء الشعب العراقي لرغباتنا المشروعة التي تمثل الحد الادنى من حقوقنا وذلك في مسألة الكوتا وتداعياتها الا دليل على هذا الرفض وعدم القبول بنا كشريك له حق في تقرير مصير البلد وانما يرغبون بنا كأقلية فقط لا حق لها سوى الاستجداء وان طالبت تلك الاقلية بحقوقها المشروعة ورفعت صوتها فالقتل والتهجير هو مصيرها ! .
 نحن لا ننكر باننا اقلية وأن عددنا قليل ، وأن احدى الوسائل الديمقراطية هي الانتخابات والانتخابات حكمها هي صناديق الاقتراع والعدد الذي يحصله اي مرشح للانتخابات هو الحكم في نسبة تمثيله وشرعية تمثيله للشعب وتخويله لتقرير مصير البلد ورسم سياسته ، وهذا سيقود الى نتيجة اكيدة من ان الكلدان السريان الاشوريين لن يكون لهم اي دور في هذه المهمة الاساسية لكون عدد ممثليهم القليل لن يتمكن من التأثيرعلى قرارات الدولة لقلّة عددهم المتأتية من قلّة عددنا ، وبهذا سيبقى مصيرنا مرهون بعقلية السياسيين الاخرين المسيطرين على دفة البلاد والتي قد تقود البلاد الى مسار لن يخلق اجواء ملائمة لنعيش خلالها مما يؤدي بابناء شعبنا بالهجرة وترك البلد كما حدث في السنوات الماضية ومنذ اربعين سنة تقريبا والذي ادّى اى تقليل نسبتنا في هذا البلد والتي ستؤدي الى انهاء وجودنا القومي في ارضنا التأريخية     
لكي نسترسل اكثر بهذا الموضوع دعونا نعود قليلا الى بداية تأسيس الدولة لعراقية الحديثة وكيف كان للمسيحيين من سكان بلاد بين النهرين دور كبير في بناء اسس هذه الدولة الفتية ، فأوائل معلمي العراق كانوا من المسيحيين وأوائل من اسسوا النظام السياحي ايظا كانوا من ابناء شعبنا كما اننا اوائل من بدأوا بممارسة المهن والحرف المتطورة آنذاك مما ادّى الى انتشار وانتقال المسيحيين من منطقة تمركزهم في بلدات سهل نينوى ودهوك واربيل الى جميع انحاء العراق ، فالى الان ما زالت قطع واسماء الاطباء المسيحيين موجودة في اماكنها في كل مناطق العراق من جنوبه الى غربه على الرغم من مغادرتهم لتلك المناطق لاحقا ، والتي تشكل دليلا قاطعا عن حجم دورنا الكبير في بناء العراق الحديث ،أي حدثت عملية تصدير عقول بنّاءة من ابناء شعبنا في مناطق تمركزه والتي أستطاعت وبنجاح ان تضع اللبنات الاولى لدولتنا العراقية الحديثة منذ بداية القرن العشرين مما ادّى الامر الى نقصان عددنا في معقلنا (سهل نينوى والموصل ودهوك واربيل ) في مقابل زيادة اعداد الاخرين الذين يجاورونا في تلك المناطق من شبك وايزيديين وعرب وكورد ، فهنا تكمن معاناتنا ومأساتنا فلا العراق اعطانا حقنا وتم تقدير جهودنا ودورنا ولا بلداتنا تمكنت من احتواء ثقلنا الحضاري لعدم تطورها وتقدمها لتستوعب التطور الذي وصل اليه انساننا الكلداني السرياني الاشوري ، وما لهجرة عقولنا الى الخارج الا دليل على فقدان الحيلة ، ففي السابق كان نظام دكتاتوري يحكم بالحديد والنار والان تحول النظام من دكتاتوري ظالم الى نظام فاقد للنظام تحت حجج الديمقراطية العرجاء والا ما هو التعليل على تصويت كتلة كبيرة من البرلمانيين على قرار ما ، منح حق مشروع للمسيحيين في نظام الانتخابات لترجع نفس تلك الكتلة لمحاربة هذا الحق ! فهل هناك نظام يحترم نفسه يشرّع قوانين البلد ويحكمه بهذه الصورة  ؟؟ 
ان كل هذه الامور التي طرحتها في مقالي هذا ما كانت لتكون لو كان لنا اطار سياسي واداري شبه مستقل داخل العراق ليضمن وجودنا وكرامتنا ويصون حقوقنا ، فحيث أن وجود اقليم معين يحمل هوية كوردية ضمن اطار الدولة العراقية ، يصبح من البديهي تحميل هوية عربية لباقي اجزاء العراق والتي تتصارع مابينها طائفيا ، وبذلك فان أثبات وجودنا القومي يكون صعب التحقيق ضمن هذه المعطيات ، كما أن ابراز هويتنا القومية وخصويتنا الحضارية لن تكون عملية سهلة فالعقلية المحكمة في مجريات البلد ستعيقها كما ستعيق تحقيق المساواة المنشودة وكذلك طموحات وآمال شعبنا المشروعة في العيش الآمن ، فكم من العوائل الموصلية المهجرة خلال الاحداث الاخيرة طابت لها اقامتها في برطلّة وقرقوش وباقي سهل نينوى كما علمنا من مصادر موثوقة ، فلو كانت ظروف مدينة الموصل ملائمة لهم لما تركوها وفضلوا قرية او بلدة عليها ولما فضلنا عنكاوا على بغداد العاصمة !
وختاما اود ان اعود الى عنوان المقال ، فنوايانا صادقة ومطاليبنا مشروعة ومبنية على معطيات الواقع المعاش ، ولكن كل مشكلة لابد لها من تحليل منطقي لاسبابها وعللها لكي يتمكن المتلقي من فهم منطقي للحلول المطلوبة ، وكذلك لكي لا تكون دعواتنا غير مفهومة ومبهمة للشعب فلابد من ازالت التشويهات التي يعمل البعض على الصاقها على دعواتنا ، فهنالك اطراف لها مصلحة لاعاقة مسيرة الاصلاح ووضع العصي في عجلة الساعين من اجل وضع الحلول الضرورية لانقاذ امتنا من الضياع ، لكونهم يعتاشون على هذا الواقع ، فدعوتنا لاقامة الحكم الذاتي لشعبنا على ارضه التاريخية التي لا يزال يعيش عليها قبل فوات الاوان وتؤول للاخرين ، هي دعوات صادقة ومبنية على اسس واقعية وضرورة لابد منها ، فمن دون كيان سياسي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري لاوجود لكلدان او سريان او اشوريين ، فاما أن نكون عربا او كوردا مسيحيي الديانة في ظل عراق مبني على اسس قومية وطائفية اسلامية .