المحرر موضوع: السريانية ـ العربية .. جذور وامتداد  (زيارة 3451 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل philiphardo

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 34
    • مشاهدة الملف الشخصي

السريانية ـ العربية .. جذور وامتداد
نقلاً عن صحيفة تشرين السورية 23/3/2004


من جبال طوروس شمالاً وحتى رفح والعقبة جنوباً ومن الجزيرة والفرات وبادية الشام شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً .. كل هذه الرقعة الجغرافية كانت تنطق بالآرامية – السريانية شقيقة اللغة العربية الفصحى من الرحم اللغوي السامي الذي يضم طيفاً من أعرق لغات وأبجديات العالم القديم : البابلية – الآكادية – الآشورية – الكنعانية – الفينيقية - النبطية – السبئية والحميرية – العبرية وسواها .كتاب الباحث سمير عبده يتقصى جذور السريانية – العربية وامتدادها التاريخي والجغرافي في كتابه هذا مبيناً إن الآرامية والسريانية لهجتان توأمان ، ففي القرن الخامس ق.م اندمج الآراميون في الآشوريين – الآثوريين ، وأصبحوا أمة واحدة وبسطوا سلطانهم على سورية الداخلية التي تشمل سورية الحالية وما بين النهرين وفلسطين ولبنان . عرف لفظ (( سوري )) بمعنى سورية منذ عهد نبوخذ نصر في القرن السادس ق.م ، وهو لفظ معدول عن (( آشور – آسور )) كما ان لفظ (( آرامي )) منسوب إلى آرام شقيق آثور .وقد ذكر المسعودي في مروج الذهب : ان أول الملوك ملوك السريانيين بعد الطوفان وقد تتوزع فيهم وفي النبط فمن الناس من رأى السريان هم النبط ومنهم من رأى إنهم أخوة لولد ماس بن نبيط . وإذا .. فإن السريانية هي من أقدم اللغات التي لا زالت متداولة فهي امتداد للآرامية التي عرفت في سورية منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة وبها .. تكلم السيد المسيح وأقام السوريون حضارتهم في كنفها ولا زالت كلماتها متداولة في حياة السوريين اليومية كما في أسماء القرى والمدن ومن خلال اللغة العربية الفصحى وقد ظلت محكية في لبنان حتى أوائل القرن الثامن عشر ولا تزال ثلاث قرى في سورية تنطق بالآرامية الغربية الحديثة شمال شرق دمشق وهي : معلولا – بخعا – جبعدين .
تنتمي الآرامية السريانية إلى أسرة اللغات السامية التي سادت الهلال الخصيب والجزيرة العربية واقتبست الابجدية الفينيقية في القرن الحادي عشر ق.م وبدأت نقوشها تظهر متأثرة بالآكادية والكنعانية وصارت في القرن التاسع ق.م اللغة الرسمية وانتشرت كتاباتها في أصقاع الامبراطورية فبلغت اقاصي آسيا الصغرى واليونان وافغانستان وفي عهد السلوقيين منذ القرن الرابع ق.م صارت لغة سائدة كلياً في سورية وما بين النهرين وبلاد الكلدان والعراق وجزيرة العرب وكتب بها الأرمن قبل إنجاز أبجديتهم في القرن الرابع الميلادي وامتدت حتى الصين والهند ولم تجارها اليونانية في الاتساع .
تعلم الآراميون من الكنعانيين – الفينيقيين فن الكتابة الأبجدية ، والآرامية .. ثلاث لهجات هي :
- الغربية : لهجة سورية وفلسطين وما بين النهرين العليا وطور سيناء .
- الشرقية : لهجة العراق وفارس .
- الفلسطينية : التي تكلم بها السيد المسيح .
وتبنت الامبراطورية الفارسية اللغة الآرامية رسمياً ولم يستطع السلوقيون ورثة الاسكندر الاكبر اقصاءها وكتب أحبار اليهود وكذلك مؤرخهم يوسف الاشقر بالارامية الفلسطينية لغة جيله : السريانية ، بالخط البابلي المربع ، حتى ان اسماء يشقع اليهود : الفريسيين – الصدوقيين اسماء آرامية سريانية وكذلك اسماء : توما – برنابا – برثلمي – برابا – قيافا– مرتا – سالومي – شفيرة – طبيتا وغيرها كثيرة وقد استعملها المسيحيون الاوائل في فلسطين وكذلك مسيحيو مصر الناطقون بالآرامية .
ولا تزال السريانية تسمع وتقرأ في الكنائس بشقيها الارثوذكسي – الكاثوليكي ، كما .. عند السريان والموارنة والآشوريين والكلدان والنساطرة . حيث تم تقعيد السريانية وضبطها بقواعد وأصول ومعاجم على علماء وأدباء منهم : يوسف الاهوازي – يعقوب الرهاوي – انطون التكريتي – الحسن بن بهلول – يوحنا ابن زوعبي النحوي

تتألف الأبجدية السريانية من 22 حرفاً يزدوج لفظ ستة منها ويعرف باللفظ اللين والقاسي كمثل حرف الباء الذي يلفظ باء وفاء ( 7) كما تلفظ الدال : ذالا والتاء : تاء والكاف : خاء . وتبدأ السريانية بالتسكين – خلافاً للعربية الفصحى – لكنها تسكن نون الوقاية بين الفعل والضمير والنون المختصة بالنسبة دخلت العربية من السريانية كقولنا : روحاني – نصراني- رهباني – رباني ..الخ . اشتغل السريان بالعلوم : الرياضيات – الفلك وعلم الهيئة وترجموا كتباً كثيرة من الإغريقية واللاتينية والفارسية فكانوا ... في عهد الدولة العربية الإسلامية أول من ترجم هذه المعارف إلى العربية الفصحى وكانوا أول من أعانوا الجيش العربي المسلم بقيادة خالد بن الوليد لفتح دمشق وسائر الأرض السورية ولقب الخليفة عمر بن الخطاب : الفاروق يعني في السريانية المنقذ والمحرر من ظلم الروم البيزنطيين وبقيت مساهمة السريان ممتدة حتى العصر العباسي حيث يذكر الكندي في إحدى رسائله : ( كان السريان لنا سبيلا وآلات مؤدية إلى علم كثير فإنهم لو لم يكونوا لم يجتمع لنا هذه الأوائل الحقية ) .
ويقول الفارابي : السريان هم من علم المسلمين الفلسفة اولاً وهم الذين ترجموها ثانياً ويضيف الجاحظ : كان الأطباء السريان كالمحتكرين للطب ومنهم كتاب السلاطين وأطباء الأشراف والعطارين والصيارفة . ويذكر ابن جلجل في كتابه طبقات الأطباء والحكماء – إن هارون الرشيد قلد يوحنا بن ما سويه السرياني ترجمة الكتب القديمة مما وجد في أنقرة وعمورية وسائر الروم التي فتحها المسلمون فوضعه أمينا على الترجمة وجعل له كتاباً يكتبون عنه وقد خدم يوحنا السرياني هارون والأمين والمأمون وعاش إلى زمن المتوكل . يشير الباحث سمير عبده إلى أن الارومة المشتركة للعرب وللسريان ومخالطة عرب الحجاز ونجد للسريان من طور سيناء وحتى طوروس ...حيث لم تكن ثمة حدود بين القبائل ثم المعاملة الطيبة من قبل العرب المسلمين لسكان فلسطين وبلاد الشام من الآراميين – السريان هي التي جعلت السريانية – الآرامية تتنحى لأول مرة في تاريخها لمصلحة العربية الفصحى بعد أن تركت في العربية كثيراً من الألفاظ والكلمات التي دخلت المعاجم بوصفها كلمات معربة إضافة إلى مفردات كثيرة في لهجات ما بين النهرين وبلاد الشام كما اقتبس العرب الارقام الهندية من السريان وكذلك فن الكتابة والخط الكوفي المشتق من الخط السطر نجيلي أي : خط النساطرة المعروف عند العامة بالخط الكلداني – النبطي . أما ترتيب الحروف السريانية الاثنتين والعشرين فهي على النحو التالي : ( ابجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ) التي اتخذ العرب صورها وترتيبها هذا من السريان ويشار إلى أن ابا الاسود الدؤلي كان قد ذهب إلى الكوفة وتعلم فيها السريانية الفصحى واتصل بعلماء السريان واقتبس النقاط السريانية التي تميز الكلمات ثم حركات الفتح والضم والجر والسكون التي استنبطها العلامة يعقوب الرهاوي . يفرد المؤلف فصلا وجداول خاصة بالكلمات السريانية التي دخلت في العربية سواء أكانت اسماء قرى ومدن لا تزال تلفظ كما هي في السريانية أم مفردات كمثل : بركة – براني : خارجي – طاسة : وعاء – نكش : حفر – طرطش : رش الماء – ناطور : حارس البستان- شوب : الحر الشديد – لسه : الساعة - كراس : الجزء من الكتاب ...الخ.
ويطابق الفعل في السريانية فاعله في الإفراد والجمع : راحوا أخوتي ، بدلاً من : راح أخوتي- بالعربية وسمى نحات العرب من نطق بهذا من عرب الحيرة وشمالي الحجاز بلغة: اكلوني البراغيث من غير ان يشيروا إلى اصولها في قواعد النحو السرياني – الآرامي .
ومن الكلمات السريانية التي اندمجت في العربية وتعتبر مستعربة- معربة : المؤمن – النبي- قرية – دير آمن – صلى – فاروق – مقاليد – حج – قدوس – قيوم – مسيح – روح القدس – نصراني – جسماني – روحاني – ناسوت – ملكوت – جبروت – كهنوت- حانوت ، واسماء شجر ونبات من مثل : رمان – زيتون – زعرور – كمون – بطيخ ..الخ.
كما يفرد المؤلف فصلاً للموسيقى السريانية التي ورثت الموسيقى السومرية البابلية وكانت آلتها الاساسية : القيثارة السومرية ذات الاوتار السبعة حتى قدر الفارابي مجموع الالحان السريانية بثلاثة آلاف لحن ومقاماتها الاساسية باثني عشر لحناً ، ثم اختصرت إلى ثمانية مقامات هي : " Baya” البيات : وتعني في السريانية : عزى – سلى – سرور – فرج الهم ." Hawasono " الحسيني : والكلمة مشتقة من الرأفة والحنان والرحمة .
"ur-ak" عراق : وهو اسم مدينة مغمورة الآن في بلاد الرافدين وكانت عاصمة الدولة في العهدين السومري والآكادي .
"Razd " الرصد وحوره الأتراك إلى ( راست ) التي تعني في التركية : المستقيم لكن معناه في السريانية هو : مكن – اصلح – ثبت – قدر .
" ugo " اوج ومعناه : الزهور – الريحان – الميس – وهي نباتات عطرية .
" Agam " عجم وقد طغى معناه التركي : الغريب – الغشيم ، لكنه في السريانية : رجوع- هبوط وهو ما يمثل المحتوى الموسيقي لهذا المقام الذي يبدأ من الأعلى هبوطا إلى قراره .
" sba" الصبا : وتعني بالعربية : النسيم الشمالي الرقيق الذي يهب عادة على نجد والحجاز من بلاد الشام والكلمة في السريانية تعني : سرور – صفاء وكانوا ينشدونه في مراسيم موت الشهداء والكهنة لكونه لحنا ً حزيناً ذا خصوصية .
" حاجو Hajo " الحجاز وهو اسم بلاد السعودية القديم في السريانية "Haj " وأضيف حرف الزاي إليه في العهد العثماني .
يؤكد المؤلف سمير عبده في كل فصول كتابه على الروابط الحضارية – اللغوية بين السريان والعرب الذين يتحدرون من أرومة واحدة وارتبطوا طول تاريخهم الطويل بالمصير المشترك على أرض الأجداد الأوائل