المحرر موضوع: الشيوعيون العراقيون ، ومحبة الحسين !!  (زيارة 1257 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل falh hason al daraji

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 53
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الشيوعيون العراقيون ، ومحبة الحسين !!
فالح حسون الدراجي
كالفورنيا
falehaldaragi@yahoo.com

يختلف العلمانيون عموماً ، والشيوعيون خصوصاً ، مع المتدينين المسلمين، وغير االمسلمين ، بقضايا كثيرة ، قضايا ربما لها أول ، وليس لها آخر، بدءاً بقضايا الخلق ، وأصل الأنسان ، ونشوء الحياة ، وتكوين المجتمعات ، وكذلك أسرار الطبيعة ، وقوانين التطور، ونظرة كل منهما الى الأديان والرسالات ، ونظرتهما المختلفة الى الفناء والموت واليوم الآخر، ناهيك عن أختلافهما الجذري، حول قضايا الأقتصاد ، والأدارة ، والحقوق ، والموقف من المرأة ، والحريات ، والميراث، والتعليم ، والفنون، وغيرها من القضايا التي لايسع المجال لذكرها جميعاً .
ويقيناً أن هذه السلسلة الطويلة من الأختلافات ، تضم بين حلقاتها موضوعة الأختلاف في زوايا النظر الى الرموز الدينية والتأريخية البارزة.
فما هو مبجَّل ، يصل في تبجيله لحد التقديس لدى المتدينين الأسلاميين أو المسيحيين، قد لا يكون كذلك لدى العلمانيين ، اوالشيوعيين ، والعكس صحيح أيضاً.
ولعمري فأن هذه الأختلافات - رغم أتساعها ، وتعددها - لم تقف يوماً حائلاً في طريق الألتقاء بين المعسكرين، بخاصة في ما يتعلق بقضايا الوطن والوطنية.
 ولنا في معارك الشعب العراقي التحررية ، بوثباته وأنتفاضاته الوطنية التأريخية ، التي سال فيها الدم الشيوعي مع الدم الأسلامي، والمسيحي ، وكل مكونات الشعب العراقي الدينية، سوية على مذبح الحرية والأستقلال، أنموذجاً متقدماً للتأكيد على الألتقاء والتآخي.
وما وثبة كانون المجيدة ، ضد معاهدة بورتسموت الجائرة ، وأنتفاضة آذار- شعبان العظيمة ضد النظام الصدامي الفاشي ، الاَّ وثيقة وطنية دامغة ، من وثائق التلاحم المصيري بين الأسلاميين والعلمانيين وكل طوائف المجتمع العراقي ، فالوثبة التي قادها الشيوعيون عام 1948 ، والتي - أعدم بسببها الشهيد فهد ورفيقاه - كان رجال الدين ، وشيوخ العشائر، وطلبة الحوزة الدينية ،أبرز  عناصرها المتصدرة .
وكذلك الحال في أنتفاضة آذار - شعبان عام 1991 تلك الأنتفاضة التي تصدى الأسلاميون لقيادتها بكل بسالة ، والتي شارك فيها العلمانيون ، وخاصة الشيوعيين بشجاعة منقطعة النظير ، حتى أن الشهيد الشيوعي - أبو صدى - أحد قادة الأنتفاضة في الناصرية ، رفض الأنسحاب أمام قوات الحرس الجمهوري الصدامي ، التي دخلت المدينة بعد أنسحاب الثوار، فقاتل حتى الرصاصة الأخيرة ، بل وحتى النفس الأخير، وهو يصيح بأعلى صوته صيحته الشهيرة ، والتي حفظها كل من كان معه من الثوار : ( روحي فداء للعراق ، روحي فداء للحسين) !!
وعلى هذا المثال، يمكننا مقايسة ومعاينة آلاف الأمثلة البطولية ، التي جمعت الأسلاميين، والعلمانيين بأختلاف ألوانهم، وأنتماءاتهم، تحت خيمة النضال والجهاد الوطني المشترك .
واليوم ، أذ يتعرض عراقنا الحبيب الى عدوان خطير، هو برأيي اخطر، وأشد فتكاً من كل عدوان مضى، يجدر بنا أن نتلاحم ونتعاضد، ونعيد تجربة الوثبة المجيدة، والأنتفاضة الباسلة، ونعيد تلك الرفقة المصيرية النبيلة، التي جمعت المناضلين من هذين المعسكرين يوماً، في معتقلات صدام الفاشية، وسجونه المظلمة ، أوتلك التي جمعتهما معاً في جبهات المعارضة الوطنية المتصدية للدكتاتورية الصدامية البغيضة .
نريدها اليوم كما كانت بالأمس، ولكن بصورة قد تختلف بعض الشيء عن تلك الصورة السابقة ، فصورة التلاحم التي نريدها في هذه المرحلة ،تتأطر بأطر التصدي الجمعي لقيادة التجربة الوطنية الجديدة ، وأنجاح المشروع الوطني التحرري ، وغلق كل المنافذ التي يحاول الأعداء أستغلالها ، أو النفاذ من خلالها ، وتمتين وحدتنا الوطنية الشاملة.
فما أحوجنا اليوم الى تلك الرفقة النبيلة ، والى ذلك الأصطفاف الشريف لكل القوى الوطنية الشريفة ، وما أحوجنا اليوم الى أن ننسى كل أختلافاتنا ، وخلافاتنا مهما كان حجمها.
فقضايا مثل أصل الأنسان ، وأستحقاقات ما بعد الحياة ، والموقف من فائض القيمة ، وأجدرية المادة أم الروح - على الرغم من أهميتها - ليست أهم من حياة العراقيين التي تباد كل يوم على يد الأنجاس ، وهي حتماً ليست أهم من سلامة العراق ، الذي يسعى الأشرار لذبحه من الوريد الى الوريد ، وهي أيضاً ليست أهم من نجاح التجربة الديمقراطية الوليدة، تلك التجربة التي تتوجه أنظار العالم صوبها ، بأعتبار أن نجاح ، او فشل هذه التجربة - لاسمح الله - هو المحك الحاسم ، لقدرة العراقيين على تحقيق الديمقراطية، وقبول الآخر، وهوأيضاً المحك على قدرة العراقيين على صياغة مستقبلهم الديمقراطي المستقل ، دون وصاية ، او رعاية - أبوية -متسلطة، لاسيما بعد نجاحنا - مجتمعين - في أخطر أمتحانين أنتخابيين ديمقراطيين.
وللحق فأن الذي شجعني على كتابة هذا المقال، ما لمسته هذه الأيام من ألتفاف، وأتفاق ، وتناسق، يصل لحد التطابق في مشاعر مختلف العراقيين ، تجاه قضية أستشهاد الحسين عليه السلام، فهذه المشاعر الجمعية ، لم تكن وليدة اليوم ، وهي قطعاً ليست نتيجة لظرف سياسي، او حالة طارئة ، أنما هو مبدأ ، وشعور، ونتاج قناعة حقيقية راسخة ، بقضية سيد الشهداء، وثورته التحررية، وبمصيبته الفاجعة أيضاً ، تلك المصيبة التي اصبحت مصيبة العراقيين جميعاً.
ومن المؤكد أن هذه المشاعر الجمعية النبيلة، لم تنشأ هذه الأيام، كما انها لم تلد نتيجة الظروف السياسية أو الدينية الحالية، بل ولدت في صدورالعراقيين، منذ ولادة الجرح الكربلائي الشريف ، فهذا الشعور، لم يكن شعوراً مشتركاً بين المتدينين والعلمانيين المسلمين فحسب، بل هو شعور موصول، ومتصل أيضاً بين المتدينين المسلميين ،والمسيحيين ، والصابئة ، مع عموم العلمانيين العراقيين .
ويقيناً أن في قلب كل واحد منَّا عشرات الأمثلة القديمة والحديثة على توحد هذه المشاعر وتطابقها حول هذه القضية المقدسة.
ففي كالفورنيا حيث أقيم، أعرف الكثير من الأصدقاء العلمانيين والتقدميين العراقيين، بعضهم من المسيحيين والصابئة، وبعضهم من مختلف المسلمين ، ولم يكن صعباً عليَّ أن ألمس مشاعرهم تجاه فاجعة الحسين ، بخاصة وأننا نلتقي يومياً تقريباً ، وأقسم أني وجدت بعض المسيحيين حزيناً ومفجوعاً بمصيبة الحسين أكثرمن بعض المسلمين.
فهم يرون أن الدم الحسيني الشريف، الذي سُفحَ على أرض كربلاء ، قد روى شجرة الحرية والعدالة والمساواة بسخاء ، ولولا هذا الدم الطاهر ، لما كان أمام المضحين والباذلين من بعده، قدوة وأنموذجاً مضحياً مثل هذا النموذج الباهر.
فهم يرون أن أستشهاد الحسين عليه السلام، وقبله، صلب سيدنا المسيح عليه السلام، أمران أرادهما الله لأحقاق الحق، وأزهاق الباطل ، فبهذه الدماء المقدسة ، جعل الله للفداء معنى ، وللتضحية سمَّواً ،
وللحرية قيمة .
ومن اللافت هنا، ان الشيوعيين الذين يختلفون مع الأسلاميين في ألف أختلاف وأختلاف، يتوحدون معهم في محبة الحسين، وتقديس جرحه الطاهر، وفي التراث العاشورائي ، ثمة عدد غير قليل من القرَّاء الحسينيين المعروفين ، وأصحاب المواكب الحسينية، من ينتمي للحزب الشيوعي العراقي.
وفي ذاكرتي الكثير من شيوعيي مدينة الثورة والصدر، ومدن الكاظمية ، والكفاح ، والحرية ، وعدد من مناطق بغداد الشعبية ، من كان يعد الطعام، ويطبخ (الهريسة) ويوزع الماء البارد، والشرابت في أيام عاشوراء، وخاصة في أربعينية الحسين ، أعتزازاً بموقف أبي الأحرار في يوم الطف العظيم.
وأذا كان البعض من الناس يعتقد بأن الشيوعيين ملحدون وزنادقة وكفار، فلأن هذا البعض ، لم يكن يعرف جيداً ، علاقة الشيوعيين العراقيين الحميمية بالأمام الحسين .
وأن لهذا البعض كل الحق، بخاصة وهو يرى بعض المتطفلين، والمدعين ، والمنتحلين لأسم الشيوعية ظلماً وبهتاناً، يهزأ ببعض مفردات الهِّم الكربلائي، أو يسخر بجهل ببعض مفاصل الرواية الكربلائية المتوارثة ، وأذا كان البعض القليل من الشيوعيين ملحداً فعلاً، فأن ثمة الكثير من الملحدين والمشككين من هم خارج الفكر الشيوعي، بل ومن المناهضين للشيوعية.
وعلى الرغم من مغادرتي لتنظيمات الحزب الشيوعي ، منذ ربع قرن تقريباً ، الاَّ اني أعرف تماماً بأن الشيوعي الحقيقي ، هو الذي يضع الحسين قدوة وأنموذجاً له في نضاله التحرري .
وعكسه فلا يستحق هذا الشيوعي أية صفة حرَّة ، وكذلك لايستحق أي احترام ، أذ كيف يكون المرء حراً ، ومحترماً ايضاً ، وهو لا يؤمن بمباديء سيد الحرية ، ولا تدمع عينه لمصيبة قائد مواكب الأحرار؟!
لذلك تجد الشيوعيين العراقيين ، بصغيرهم وكبيرهم ، ينظرون لقضية الحسين نظرة خاصة ، ويتفاعلون مع ذكرى الحسين تفاعلاً خاصاً.
قد يختلف الشيوعيون مع غيرهم في زاوية النظر الى الرموز الدينية العظيمة ألأخرى ، لكنهم يتفقون تماماً مع غيرهم في قضية الحسين ، وفي محبة شخص الحسين ، وتقديس جرحه الشريف ، لذلك فأني اجزم بأن ليس هناك شاعر شيوعي واحد في العراق ، لم يكتب قصيدة ما في حب الحسين.
بل ان أحلى القصائد الحسينية كتبت بأقلام الشعراء الشيوعيين ، بما فيها بعض الردات الحسينية المعروفة.
وهذه نقطة كبيرة تسجل لصالح تأثرهم بقضية الحسين ، ناهيك عن أشتراك قسم من الشيوعيين في مختلف مدن العراق ، في التشابيه الحسينية ( أيام زمان ) حيث كانوا يمثلون مختلف الشخصيات المشاركة في معركة الطف.
وفي هذا الصدد، أذكر أن شقيقي الشهيد (أبوسلام) قد مثَّل دورالشهيد القاسم بن الحسن عليهما السلام لسنوات عديدة ، رغم أنتمائه وقتها للحزب الشيوعي العراقي.
صحيح أن حب الحسين، هو قضية مشاعة وليست حكراً على طائفة ، أو دين معين ، لأنه ملك للجميع ، أي مثل الشمس، والهواء، ومثل أي شيء مشاع آخر.
لكنني أظن أنها بالنسبة للشيوعيين قضية مختلفة تماماً ، ليس لأن الشيوعيين يختلفون مع الكثير في الموروثات ، والمشاعات الراسخة في الأذهان فحسب ، وليس لأنهم ينظرون للدين من زوايا قد تختلف مع الكثير فحسب أيضاً ، بل لأنهم يرون أن الحسين لوحده قضية محرِّضة على الثورة ، ودافعة على الفداء أبداً. وأن دمه الذي أنتصر على سيوف الطغاة ، هو مشعل أزلي لأنارة طريق المناضلين في دروب الحرية ، والعدالة ، والمساواة ، وأن مجرد ذكر أسمه الحبيب ، يجعل المرء محباً للجمال ، والخير ، والمثل العليا، فهو شعاع النور الذي ينير الظلمة أمام البشرية ، وهو الأسم الذي يعشقه المسلم الشيعي، ويحبه السني المخلص لأسلامه ، ويمجده المسيحي المفجوع بصليبه ، ويفخر به كل أنسان عراقي ، وغير عراقي حر، فهو بنظرهم حصة الأحرار في العالم قبل غيرهم.
لذلك أحبَّ الشيوعيون الحسين حباً جماً ، مثلما أحبه غيرهم من العراقيين الأحرار، وتفاعلوا مع مبادئه الثورية العادلة ، كما يتفاعل الأحرارفي العالم مع مبادئه ومثله المنيرة ، خاصة من محبي أهل البيت عليهم السلام ، فهم يرون أن جرح الحسين ، هو جرح للأنسانية بمختلف مللهِّا ، وأديانها ، وأيديولوجياتها.
لذا فليس غريباً وأنا العلماني( والشيوعي ألسابق ) أن أقيم كل عام في بيتي ( في أمريكا ) مجلس عزاء ( قراية ) في الأيام العشرة الأولى لعاشوراء ، تعميقاً لتقاليدنا الجعفرية النبيلة، بخاصة في عقول وقلوب ابنائي الصغار، وتخليداً لذكرى أستشهاد الأمام الحسين عليه السلام ، الذي علمنا جميعاً حب الحرية والموت من اجلها ، وأستذكاراً مجيداً لأعظم جرح في ضمير البشرية ، ذلك الجرح الحسيني الذي نبقى نأن عليه ، وننوح له ، حتى آخر أنَّة في الروح ، وآخر ما في القلب من صرخة !![/b][/size][/font]