المحرر موضوع: رحلة إلى كوستامونو  (زيارة 1011 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سمير القس يونان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 140
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رحلة إلى كوستامونو
« في: 00:32 23/03/2009 »
رحلة إلى كوستامونو
بقلم.. سمير قس يونان

كوستامونو مدينة تركية تقع في وسط الشمال وتبتعد عن البحر الأسود بحوالي 100 كيلو متر وعن العاصمــــة انقرة
حوالي 400 كيلومتر أيضا..وهي مدينة جميلة جدا تحيط بها الجبال من جهاتها الأربعة والطريق إليها وعر جدا وعلى
المسافر أن لا ينظر إلى الخارج لكي لا يصاب بالدوران والعبرة بذلك الإنسان الذي قهر تلك القسوة الطبيعية وسخرها
لخدمته بفتح ممرات وانفاق للوصول إلى ابعد نقطة..المدينة بحد ذاتها نظيفة جدا يتخللها وادي جميل للغاية حيث رص
مؤخرا بالقرميد وزرعت جنباته وأضفى على المدينة مسحة جمالية أخرى وفيها من المحال والمتاجر والمعارض مــــا
يعجز عن وصفه والهدوء الغريب الذي يخيم المدينة قلما يسمع صفير السيارات والعجلات وفيها كل شئ مرتب ومنظم
أما عن آثارها فقلعتها الجميلة ترى من بعيد لضخامتها وارتفاعها وهي شاخصة شخوص العشرة قرون الماضية وهي
مبنية على رابية عالية مسيطرة تماما على الوادي الموجودة فيه هذه المدينة.. أما ساعتها القديمة التي ترن كل ساعة
منبهة سامعيها بان الحياة ماضية وسائرة فلا تتركوا الزمن يمضي دون معنى وتحيط بها مدرجات جميلة وتكثر فيهـــا
المقاعد والمصاطب والتي تعج بالزائرين والعشاق دائما وفي الليل نظرة واحدة تكفي لتسرق وتخلب روح الناظر لمـــا
لها من جمال وبهاء وكأنها لؤلؤة تسبح في أديم السماء ولهذه المدينة معالم أخرى لسنا بصددها فـــــي هذه السطور..
وصلتها عند الساعة الخامسة فجرا وكان آخي المقيم في هذه المدينة منذ الستة اشهر ينتظرنـــــــي واستقبلني بحرارة
وشوق كبيرين إلى درجة أزعج سائق الباص لطول العناق والحقائب لا زالت في العربة.. حملنا الحقائـــــــب والأكياس
وتوجهنا نحو شقته وبدانا بمراثون الدرج حيث كان يقطن في الطابق الرابع وهكذا وبمشقة وعنــــــــــاء وصلنا شقته
الباردة الخالية من الحياة سوى تلك القلوب البائسة الحزينة ... ولم استطع أن انبس ببنت شفـــــــة إلا بعد أن استردت
أنفاسي أما آخي فكان كالغزال حيث كسر شوكة هذه الطوابق لصعودها ونزولها عشرات المرات يوميا وكانت أسرته
المكونة من ستة أفراد تنتظرنا عند الباب وقد تلفحوا بالبطانيات من شدة البرد وكان فرحهم عظيمـــا لا يوصف وكانت
الدموع تنهمر من الجميع سوى الصغير منهم دموع لاناس حائرين لا تفسير لديهم لما هم فيه ولماذا هم هنا فـــــــــي
كوستامونو التي لا يعرفها اغلب سكان تركيا حيث خلال رحلتي عبر انطــــــــاكيا – عثمانية- ادنة- بيزنطة – ثم انقرة
قليل جدا من عرفها... كانت شقته بسيطة جدا لا تتعدى أثاثها على تلفزيون قديم وطباخ بسيط وفراش على قد الحـــــال
وعدد من الكراسي وعدد من الطبلات وهكذا هي حال جميع العراقيين هناك والذين زرتهم لاحقا حيث لا أريــــــــكة ولا
 سرير فأخذنا نحتسي الشاي ونخرج ما بجعبتنا من أخبار وحكايات تراكمت خلال هذه الشهور الســتة الماضيــة وفيها
المحزن والمفرح والثاني أكثرها والمأساة التي يعيشونها يوميا حيث الغلاء واستغلالهم بدفع مبالغ طائلـــــة كغرامات
إقامة والبرد الشديد والمحروقات الباهضة مما يضطرون إلى شراء الحطب وإشعاله في مدا فئ قديمة كنا نستخدمــــها
قبل ثلاثون سنة... ثم خلدنا إلى النوم بعد أن غلب النعاس أعيننا ولكن من شدة فرحي لرؤية أخي وأسرته لم استطــع
النوم إلا أن انبلج الصباح حيث لا خيوط الشمس الذهبية ولا الفجر الذي اعتدناه بسبب الضباب ونهضت من فراشــي
الوتير الذي أعده أخي لي وتوجهت إلى الشباك لارى جانبا من المدينة ولكن البخار المتكاثف على الزجاج حــال دون
رؤيتي لأي شئ وهكذا يمكنهم الاستغناء عن الستائر وتلك إحدى حسنات كوستامونو الوحيدة .. ثم رغبت بإيقاظ أخي
للخروج ورؤية المدينة فرايته مع عائلته قد اصبحوا جسما واحدا للحفاظ على الدفء وان لا يتركوا أي فراغ يمكـــن
للهواء البارد النفاذ منه وهذه صورة حزينة أخرى وأيقظت أخي ثم نهض الجميع وتناولنا الفطور وارتدينا ثيــــابــــا
تصارع الثلج والبرد وهممنا بالخروج لملاقاة الإخوان الذين على شاكلة أخي وربما على شاكلتي بعد سنين من يـدري
من مناطق مختلفة من العراق.. خرجنا وأخذني أخي إلى الكازينو الذي يرتادونه كما الفناه في الأردن وسوريا و و و
وولجنا المقهى وإذا بالجالسين الأعزاء لم يصدقوا انهم راو أحدا قادما من حلمهم من طفولتهم من عرين حبهــم من
من العراق القريب البعيد من الوطن اللاوطن من الحبيب المسلوب وهموا بالنهوض لملاقاتي وتصافحنـــــا وحضــنا
بعضنا البعض الآخر والقبلات والدموع التي تتجمد حال ملامستها الخدود الباردة وهم من بيئات ومناطق مختلفة
من العراق من كركوك وبغداد وموصل ومن مانكيش وتلسقف وبرطلة وداؤدية وارادن وغيرها ثم جلسنا نحتسي
الشاي والمشروبات الساخنة وألقيت نظرة خاطفة إلى المقهى فلم يكن هناك غير العراقيين وبداوبالحديــــث حول
أوضاعهم وبدون أي جهد ممكن ملاحظة الحيرة والقلق والخوف من المستقبل على وجوههم لربما اكثر من الذي
كان على وجوههم عندما كانوا في العراق وهنا تتلاشى الأسماء والمراكز الاجتماعية ومسقط الرأس ومن أين أنت
ويحل محلها نحن إخوان من منطقة حدة ولا فرق بيننا ويواجهنا عدو واحد هو الوحدة وهاجس الخوف والشـــــك
من مصيرنا الذي ربط بيد اليو إن ثم بيد منظمة icmc ... وتجاذبنا الحديث بأمور كثيرة حيث تطرقنــــا إلى أحوال
القوش وعموم جلدتنا حالها ومصيرها وهم بدون راعي أمين يجسد حلمهم وطموحهم بالعيش السعيد الآمـن الحر
كباقي المكونات وكان عددنا اكثر من خمسة عشرة شخصا لم يقل أحدهم أن سبب قبعي في هذه المدينة النائية في
هذه الظلمة الحالكة في هذا الصمت المخيف المطبق في هذا الوادي العميق بالقرب من قلعة كوستامونو الجميلـــة
التي ضربها الزلزال سنة 1943 هو بسبب البطالة أو بسبب العمل والحاجة والجوع والفقر أبدا بل العكس من ذلك
أن اغلب الحاضرين من المتمكنين ماديا بل الجميع أكدوا أن السبب هو من الغد الضبابي المخيــف من التقلبــــات
السياسية الدينية الطائفية المقيتة من الشلل الفكري الذي نعيشه من التخبط في وحل المصالــــح والمناصـــب من
الصراعات بين الأخوان بين هابيل وقابيل لاجل ماذا لا أحد يعرف... عندها أضفت أن الأحزاب والجمعيات والمنابر
والمجالس المسيحية جاءت لتجسد تاريخنا وتوثق مآثرنا وتمهد لنا الطريق نحو آفاق واسعة رحبــة وتجعـــل منا
ركن مهم من أركان العراق المتعددة ولكن لم تلقى مداخلتي رضا واعجاب الحاضرين بل بدت بعــــض علامـــــات
الامتعاض والريبة وحينها أدركت أن اليأس قد أصاب ما أصابهم ومن الأجدر إعطائهم الزخم المعنــــوي وحثهـم
على الصمود والمضي قدما نحو المجهول فهم الذين اختاروه ... إنها حالة يرثى لها أن نرى أكبادنا وافذاذنا فــي
كل مكان حتى في بنما وجزر فيجي ونيكاراكوا يبحثون عن أمل فقدوه في مهدهم في حديقــــة بيتهــــم في مختار
محلتهم في دفتر مذكراتهم ذهبوا هناك ليفتحوا لنا سفارات وممثليات ليعرف الجميع باسماءنا وتراثنــا واعيادنـا
وبيضنا الملون ويسمع بمأساتنا وبحلمنا الذي سرق وحقنا الذي استلب وبعد أن مل الجميع من هذه المواضيــــع
العقيمة بدأو بالانسحاب ليلعبوا الورق والبليارد والطاولة فان ضالتهم هنا في اللهو.. وبعدها خرجنا من الكازينــو
واقترح أخي بالذهاب إلى القلعة الشاهقة التي بناها البيزنطينيون في القرن الثاني عشر وهكذا بدأنا بالصعود عبر
الممرات والمحال القديمة ويبدو أن المدينة الأصلية كانت هنا حيث المنازل من الخشب وشوارعها قد تم رصهـــا
بالبازلت الأسود وفيها دكاكين كثيرة للانتيكات والأثريات وبعد جهد لا يستهان به وصلنا القلعة المهيبة المريعــــة
الكبيرة كبر عمرها وقرونها يا لعجب إنسان عندما يعمل ويكد فهنا تكمن معان كثيرة للإنسان الذي يشبه انساننــا
الحالي الذي يخاف من شكل القلعة ليس من بناءها وهو يمتلك التكنولوجيا الحالية... كانت جولــة ممتعــة انستني
تعب وهول الطريق وفي المساء ذهبنا ثانية إلى الكازينو وكانت هنالك وجوه جديدة أخري وتعارفنا وتصافحنـــــا
وقال لي أحدهم بعد أن أجري المقابلة الأخيرة انهم يوقعونه على أماكن كثيرة وقلت له انـــك بعـــــت كل شئ وان
الكرماء جعلوك توقع الكثير وكل توقيع يمثل حق من حقوقك وعاجلا ام آجلا سيضحـون الوريـــث الحقيقــــي لك
في بلدك والويل لمن كان السبب................