المحرر موضوع: المحكمة الدولية والأنظمة الشمولية  (زيارة 625 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كفاح محمود كريـم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 665
    • مشاهدة الملف الشخصي
المحكمة الدولية والأنظمة الشمولية

                                                                                      كفاح محمود كريم
 
     بصرف النظر عن مدى جدية مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير والآلية التي سيتم تنفيذها لاحقا، إلا إنني أرى تطورا نوعيا في تعامل المجتمع الدولي ومؤسساته مع الأنظمة الشمولية منذ تدخل الأمم المتحدة ومؤسساتها في معالجة أوضاع بقايا دولة الماريشال جوزيف تيتو التي غرقت في جرائم الإبادة الجماعية للسكان على طريقة حزب البعث وقادته في إبادة سكان حلبجة بالأسلحة الكيماوية، وحتى إن كان هذا التعامل مجرد قرارات أو بيانات تدين سلوكيات هذه الأنظمة وتدعو إلى الكشف عنها أو إيقافها أو كما حصل مؤخرا الدعوة إلى تقديم رئيس إحدى تلك الأنظمة إلى العدالة.
    بلا أدنى شك فان طبيعة النظام الحالي في السودان طبيعة  شمولية رغم محاولات تجميله من بعض الأطراف  كونه يمتلك نموذج برلماني من نوع البرلمانات  الاحتفالية والتمثيلية على شاكلة المجلس الوطني العراقي أيام النظام السابق، وعلى خلفية الحل السلمي لقضية الجنوب السوداني وهو يشبه بذلك نظام بغداد أبان السبعينات من القرن الماضي وعمليات التجميل في ما سمي وقتذاك بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية التي استخدمها النظام لإبادة المؤتلفين فيها أو استنساخهم كما فعل لاحقا البشير بحليفه الترابي في السودان. 
     لقد أكدت الأحداث منذ استحواذ هذا الجنرال ومجموعته على رئاسة الدولة السودانية نزعته القبلية والانفرادية في إدارة النظام السياسي، وما حصل ويحصل في السودان وأقاليمه ما هو إلا نتيجة هذا النمط من السلوك الانفرادي والشمولي في السلطة والإدارة ونتاج العقلية الدكتاتورية المستبدة، وهو بالتأكيد يتحمل مسؤولية ما حدث ويحدث من فضائع في إقليم دارفور وغيره، سواء على يد ميليشياته أو من خلال سياساته العنصرية والدكتاتورية تجاه الآخرين من سكان المنطقة.
     وتبقى مذكرة الاعتقال إشارة إلى تغير نوعي في الأداء الميداني للمؤسسات الأممية ذات العلاقة بالتعاطي بين الحكومات والأهالي، ويبقى السؤال أيضا إلى أي مدى يمكن تطبيق تلك المذكرة وما هي آلية التنفيذ وأداتها، خصوصا وان التجربة الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق لا تشجع تماما على تكليف الشرطي الأمريكي بتنفيذ الاعتقال، لما آلت إليه الأمور من خسائر وتدمير يفوق الغاية التي من أجلها دخلت الولايات المتحدة مستنقع التحرير في كل من العراق وأفغانستان.
     وعلى ذات الخلفية هل ستطال هذه المحكمة شخصيات أمريكية وعراقية كان لها دور مماثل لرئيس السودان في جرائم الإبادة والفساد المالي الذي لا يقل عن إبادة السكان بعد احتلال العراق وتحديدا على ما اقترفه الحاكم الأمريكي المدني بول برايمر ومجموعته التي أسست لتفكيك وتدمير الدولة وسرقة عشرات المليارات من الدولارات  حسب ما نشرته وسائل الإعلام الأمريكية!؟.     
     اعتقد تماما بأن مؤسسات مهمة في العالم بإمكانها أن تفعل الكثير من أجل إيقاف النظم الشمولية ومكافحتها لتدعم ما تذهب إليه المحكمة الدولية سواء مع اعتقال البشير أو العشرات من أمثاله حول العالم وليس حصرا في منطقتنا التي تتميز دوما بهذه الأنماط المستبدة، فهناك الكثير من الدول الديمقراطية التي اقترفت قواتها أو من ينوب عنها خارج بلدانها افضع الجرائم بحق الإنسانية بالتعاون مع أنظمة دكتاتورية كما حصل في التعاون الأمريكي والأوربي مع النظام العراقي السابق ومع كثير من الأنظمة الشبيهة به حتى يومنا هذا، أو من خلال الممارسات اليومية والميدانية التي تقع تحت طائلة التنفيذ المفرط للسلطة أو العنف  بذريعة مكافحة الإرهاب والذي يذهب ضحيته الكثير من الأبرياء والمعتقلين لمجرد الاشتباه بهم.