نشيد المطر
سدير ساكو
في تلك القرية الصغيرة المرتمية في احضان السكينة ومن شرفة محل القهوة القديم، جلستُ ملتفاً معطفي ارتشف قهوتي ممتّعاً نظري بسحر المطر المنهمر على هذهِ التلول والوديان والغابة المكتظة بالاشجار، مالئاً سمعي بأزيزه. مندهشاً لروعتهِ وجماله قائلاً في افكاري الشاردة بين خفايا الطبيعة المبتلة، "آه ايها المطر
الحبيب ليتك كنت خِلاّ تجالسني وتشاركني قدح قهوة وتحدثني عنك لترويَ نفسي الظامئة إلى المعرفة."
ومن بين وشوشة تساقطه وخرير السواقي سمعت صوتاً كصوت جريان المياه بين الصخور يقول لي:
-انا الروح المنطلقة صوب السماء حين تعانق الشمس البحار.
انا قوافل السُحب البيضاء المبحرة بحرية في اجواء الفضاء.
انا في الفجر ضبابَُ كوشاح يكتنفُ رهبة الجبال .
انا رجاء الفلاح، وحلمُ الارض وغفران السماء.
انا بذرة الربيع المزروعة في فصل الحياة المرتوية اسرار الوجود.
-انا رسالة تهبط من بقاع النور تبتهج لها نفوس البشر ولكن لايفقه
كنهها إلا البذور الهاجعة بسكون في قلب الارض.
انا الظَّلُ المتموج في الصحارى والهضاب والوديان،
المنعكس على صفاء أديم البحيرات.
-اقرع على بلور النوافذ بنغمة تطرب لها قلوب الموسيقيين وتلهبُ ارواح
الشعراء وتداعب اخيلة الكتاب وتحرك اصابع الفنانين.
-ازيل عن الارض الجفاف وانشر عبقها حين تلامسها اولى قطرات اللقاء.
انا شوقُ نهايتهُ حياةُ للارض وكل ما يرضع من الارض، اما مذكراتي فيجدها
العشاق متبلورة في قطرات الندى على تويجات الازهار
تلمع حين تلمسها اهداب السَحَر الحمراء.
هكذا امضي ايامي هائماً في الهواء حتى تاتي ساعتي لافارق السماء واهبط
لاعانق الارض والاشجار والاعشاب ثم تحملني السواقي والجداول والانهار
إلى البحر حيث ولدني يوماً من قبلة الشمس بوضح النهار.
-اجل هذا هو انا المطر، ولادتي حياةٌ وموتي حياةُ، وان رأى البعض ظلاماً
في غيومي الداكنات لاسرعتُ منادياً الشمس لتنفذ من بين ثناياي
فتكشف الواني وتعلن للارض عطيتي وسلامي.
فكن مثل المطر ايها الانسان ودع النور ينفذ من بين الاحشاء
ليحول فيك الظلمة إلى الوان القزح الحسناء.
***
وانقطع الصوت ولم يبق غير أزيز المطر وخرير السواقي، وعطر القهوة الريحان.