المحرر موضوع: عن الاستفتاء والإصلاح في العراق  (زيارة 614 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1288
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عن الاستفتاء والإصلاح في العراق
   

عبدالحسين شعبان
 

في أعقاب الجدل والأخذ والرد حول توقيع الاتفاقية العراقية- الامريكية ، توافقت الأطراف الحاكمة على مسألتين أساسيتين وإن كانت لهما علاقة بامرار الاتفاقية، ولكنهما ليسا من صلبها، الأولى تتعلق بخطة للاصلاح السياسي والثانية اجراء استفتاء يُفترض أن يكون في تموز/يوليو 2009 بعد التوقيع والتصديق على الاتفاقية المذكورة في نهاية عهد الرئيس بوش وعشيّة تسلّم الرئيس أوباما للسلطة.

أما وثيقة الاصلاح، فحتى الآن لم يردْ لها ذكرٌ في الواقع العملي، بل إن الاحتدامات والاحتكاكات زادت بين القوى السياسية بعد الاتفاق عليها، لدرجة أن رئيس الوزراء نوري المالكي طرح ثلاث مسائل جديدة وجديرة بالمناقشة والتوقف عندها فيما إذا أصرّ على المضي فيها من الناحية السياسية والدستورية، الأولى ضرورة تعديل الدستور، لاسيما  ما يتعلق بصلاحيات الاقاليم ودور الحكومة الاتحادية المركزية، والثانية دعوته الى النظام الرئاسي، والثالثة تتعلق بإلغاء ما سمّي بالديمقراطية التوافقية، وهو ما ثارت حوله الدوائر، إذ شعرت بعض الفرق والتكتلات السياسية ان مواقعها يمكن أن تتصدّع، منتقدة تصريحات رئيس الوزراء، الذي قد يكون شعر بالقوة بعد بعض النجاحات التي حققها، فيما يتعلق بتصديه للميليشيات وتحسّن الوضع الأمني خلال العام المنصرم، ونجاحه في انتخابات المحافظات، ودعوته لدولة القانون ومحاولة تقديم أطروحة أقل تشبثاً بالطائفية قياساً لمجايليه من الحاكمين، لا سيما من كتلة الائتلاف الوطني العراقي (الشيعي). ولعل أكثر المنتقدين كان رئيس الجمهورية جلال الطالباني (كتلة التحالف الكردستاني) ونائبه طارق الهاشمي من كتلة التوافق (السنيّة).

أما موضوع الاستفتاء على الاتفاقية العراقية-الامريكية فهل سيجرى في وقته المحدد، كما أخبرتنا التوافقات السياسية في حينها، أم أنها ستكون تحصيل حاصل بعد إمرارها، مثلما حصل بشأن تعديل الدستور خلال اقراره عام 2005؟ ونحن الآن في عام 2009 ولم يتم تعديله رغم أن الاتفاق كان يقتضي انجاز ذلك بعد أربعة أشهر من مباشرة البرلمان لعمله. ورغم تشكيل لجنة للنظر في التعديلات الدستورية لذلك، الاّ أنها لم تستطع حصر نقاط الخلاف التي لا تزال مستمرة، بل متفاقمة.

وبغض النظر فيما إذا أجري أو لم يجر الاستفتاء، فإنه لا يعني شيئاً فالاتفاقية تم التوقيع عليها ودخلت حيّز التنفيذ، ولا يوجد ما ينص على اجراء الاستفتاء في متنها، وهو أمر لا يعني الطرف الثاني (الولايات المتحدة) بل يهم الطرف الأضعف “العراق” الذي لن يكون بامكانه بسهولة التنصل من اتفاقية مفروضة، وتتعارض مع قواعد القانون الدولي المعاصر واتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات عام ،1969 والاّ لماذا تم التوقيع لكي يتم الاستفتاء عليها إذا كانت تتضمن عنصر الاكراه، وهو أحد عيوب الرضا، ناهيكم عن كونها بين طرفين غير متكافئين، وكان الأجدر القيام بالاستفتاء كاجراء قانوني وشرعي، قبل التصديق عليها، حسبما تذهب الى ذلك اتفاقية فيينا، وليس بعد دخولها حيّز التنفيذ.

ولكن إذا تجاوزنا هذا الأمر واعتبرنا الاتفاقية حسبما نص عليه “تنسجم” مع قواعد القانون الدولي، فما قيمة الاستفتاء اللاحق وما هي الاجراءات العملية، لو افترضنا ان الشعب العراقي سيرفض الاتفاقية؟

حسب الاتفاقية سيكون للطرف المبادر بإلغائها، ابلاغ الطرف الثاني تحلله من الالتزامات الواردة فيها، طالما رفضها، وعلى الطرف الثاني بعد مرور سنة واحدة، الشروع بالغاء الترتيبات القانونية المستحقة بموجب الاتفاقية، وحتى الآن مرّت أكثر من ثمانية أشهر على التوقيع، وإذا احتسبنا عاماً جديداً، فكل ما يتبقى من الاتفاقية هو عام وأربعة أشهر، سيكون حسب الجداول المفترضة للانسحاب، استكمال ما جاءت به الاتفاقية، إذا افترضنا أن الاجراءات تمت في حينها، وإلاّ فإن المتبقي من الاتفاقية قد تأكله الاجراءات والمراسلات البيروقراطية والأوضاع الامنية والفراغ الذي يمكن أن يحدث!

ولا شك ان الاتفاقية التي نقلت الاحتلال العسكري الى احتلال تعاقدي، ومن الخشونة والقوة الى اللين والسياسة، ستترك تأثيراتها الجيوسياسية المستقبلية على عموم دول وشعوب المنطقة، حتى لو تم الانسحاب لأنها ستكون في إطار وجود قواعد لنحو 30-50 ألف من الجنود الامريكان للتدريب والتأهيل ومواجهة التحديات، كما صرّح المسؤولون العسكريون الامريكان، وكما افترض الرئيس اوباما من دراسة واقع الانسحاب المنظم على الارض!

ولعل الاتفاقية كافأت الاحتلال بإطفاء المطالبة بالتعويض عما لحق بالعراق من غبن واضرار طيلة السنوات الماضية، عندما وقعت معه اتفاقية سياسية وأمنية ومنحته صفة الدولة الاكثر رعاية، رغم الكارثة التي حلّت به وهو ما اعترف به الرئيس جورج دبليو بوش عشية مغادرته البيت الأبيض، حين صرّح ان معلوماته كانت مضللة ومخطوءة عند غزوه للعراق، وبعكس ذلك ما كان سيقدم على الأمر، والاعتراف سيّد الأدلة كما يقال، وهو ما يرتّب مسؤوليات قانونية، جنائية ومدنية، على الادارة الامريكية والجهات التي ساهمت في احتلال العراق وتبديد ثرواته وموارده ونهب ممتلكاته لاسيما آثاره التاريخية  التي لا تقدّر بثمن.

لعل مناسبة الحديث هذا كانت محور نقاش ثقافي ومعرفي- حقوقي وسياسي لنخبة من الباحثين العراقيين والعرب في بيروت، أداره مركز العراق للدراسات بالتعاون مع مركز “باحث” الفلسطيني ومركز الدراسات السياسية (جامعة بغداد)، وهو حلقة أولى يتم استكمالها بحوار حول الاستفتاء وسيناريوهات الانسحاب ونتائجه.

باحث ومفكر عربي