المحرر موضوع: القلق والخوف في حياتنا اليومية  (زيارة 941 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
القلق والخوف في حياتنا اليومية



شمعون كوسا
كلامنا هنا عن اضطراب شديد ، يعترينا عند تعرّضنا  للخطر او التهديد او الحيرة والترقّب ، او عند التفكير بها . انها ظاهرة تحتل حيّزا كبيرا في حياتنا اليومية .

لا انوي هنا الخوض في دراسة تحليلية تبوّب هذه المشاعر بفصول واقسام ، ولكني ساتحدث عمّا مررتُ به من حالات ، عمّا سمعته من الغير ، عمّا رأيته ، عن بعض ملاحظاتي وحلولي الشخصية .

حياتنا مليئة بلحظات قلق وخوف ،  تتكرر على مدار الساعة ، ففي كل يوم  تبدأ الكثير من جملنا بِـ : اخشى ان لا امرض ، اخاف ان لا يأتي ، اخشى ألاّ يعجبهم كلامي او عملي ، اخشى ان يفصلوني ، اني قلق على نتائج اولادي ، اخاف من الجمهور ، اهابُ الشرطة وقس على ذلك من آلاف الحالات التي هي بعدد الاعمال والمبادرات التي نتناولها يوميا . فانّ الافعال أخاف وأقلق ينصرفان بكافة ازمانها وصيغها، خفت ، أخاف ، نخاف ، لماذا  يقلقون ، لا تقلق ، من حقهم ان يترددوا …

 وهذا شئ طبيعي ،  لسبب بسيط  وهو ان الانسان ضعيف ، ووجوده اليومي مرتبط  بظروف تخضع في كثير من جوانبها  لهوامش من الشك وتمرّ ببعض زوايا دائمة التغيير . بعض خصائص هذا النطام العام لا تسير دوما وفق المسار المرسوم لها وتدخل منطقة مبهمة ، منطقة الحيرة والتردّد والترقّب .
 
 حتىعناصر الطبيعة التي وُضعت لخدمة الانسان تتحول احيانا الى ظواهر مرعبة فتنقلب وبالاً  ، فالماء مخيفة عند ثورانها في البحار وطوفانها في الانهر ، والنار مخيفة عند انتشار مساحتها واحراقها للمادة والبشر ، والريح مخيفة عندما تصبح عاصفة فتكسر وتكنس كلّ ما  يعترض طريقها ، هذه ظواهر لا حيلة لنا فيها ولا حكم لنا عليها ، لانها تدحل في نطاق القوة القاهرة .

لا يوجد هناك انسان لا يخاف ، وحتى اشجع الشجعان لا يستطيع القول او الادّعاء بانه لا يخاف . ولكن الخوف نسبيّ ويختلف من شخص لآخر ، وفي كثير من الاحيان تكون للوراثة حصة في رباطة جأش الوريث ، وفي قوّه اعصابه او ضعفها .

الخوف الذي لا يُعتبر طبيعيا ، هو القلق مما سيحدث في الغد  أوالتاريخ الذي نجهله . الخوف من عواقب مخاطرة معينة او نتائج مبادرة ، الخوف من المشاكل والخوف من القدر . 
هناك بعض اسباب الخوف والقلق ناجمة من ترقّب قد يطول او يقصر ، حالة عدم استقرار يرافقها تفكير يقلب الامور ويثنيها ، ويتكرّر التفكير مراراً  كي  يطبع في الذهن صورة مخيفة غير حقيقية تراود صاحبهاعند اول تفكير وفي كلّ يقضة .  تتحول الى احساس مزعج  لا سبيل لمحوه  .
كم مرة امضينا اياما وليالي على هذه الحالة ، نفكر ونفكر بموضوع عويص او مشكلة معينة دون الاهتداء الى حل . نتململ على الفراش وتتململ معنا الافكار ونذهب من خوف الى خوف  ومن سيناريو الى سيناريو ، وعند وصولنا الى اليوم المشهود او اللحظة الحاسمة التي كنّا نخشاها ونتّـقـيها ، نرى ان الامور وجدت حلاّ لنفسها ، ونكتشف حينذاك بان الامر كان بسيطا جدا ، غير أنّ القلق لم يترك اي مجال للوصول اليه .

يقول مثل عام : لا يجب التفكير بعبور الجسر قبل الوصول اليه . على الاقل سنوفّر لنفسنا بعض لحظات ، ساعات ، او ايام قبل الوصول الى الجسر او الى المشكلة .
ويقول مثل آخر : لا يجب استباق  الموسيقى ، اي يجب السير حسب الايقاع وعدم استعجال الامور . علينا السير بتوءَدة ونظام ، وهذا يقينا شرّ كثيرِ من اسباب القلق .

من البديهي ان الامور ليست بالسهولة التي نتصورها او نتكلم عنها ، ولكن اعادة المبادئ الى الاذهان وتكرار الحقائق لا يمكن الا ان يكون مفيدا ، يساهم هذا  التكرار في تهدئة الامور على الاقل ،  اِن لم يكن حلا في بعض الاحيان .

باعتقادي الشخصي ، هناك بعض الحلول ، من شأنها  التخفيف من وطأة الخوف والقلق ونتائجهما التي تفضي بنا احيانا الى حالات مرضية .
الحلّ الاول ، بالنسبة لي ، هو الاحتكام الى كلام المسيح الذي قال : (يكفي كلَّ يوم شرُّه) . انه شعار ذهبي ، وضعتُه منذ سنوات على شاشة حاسوبي . يقول ، اكتفِ بمشاكل يومك الحاضر ولا تفكر بالغد ، لان المشاكل كثيرة ويومك مُحَمّل بما يكفيك او اكثر . حدّد تفكيرك في يومك ، اما عن الغد ، فهو مجهول لا تستطيع التحكّم فيه ، والغد ايضا سيصبح يوما جديدا وسوف يخضع لنفس الشعار ، ولكن فلننتظرولادته  لانه ليس موجودا .
هذا الكلام صحيح ، لان الحياة مكوّنة من مجموعة ايام ، غير أنّ  ما  أعرفه اليومَ هو اليومُ الذي اعيش فيه والذي امسكه بيدي ، اما الغد ، قد يأتي او لا يأتي ، مصيري اعرفة ليومي هذا ، فلماذا اخاف واقلق لزمن لم ابلغه بعد ؟ انها حكمة عميقة جدا ، والتوصُل الى وضعها موضع التنفيذ يمنح النفس راحة وطمأنينة .

الحلّ الثاني ، في نظري أنا دوما ، يكمن في التصرف على النحو التالي :
عند التعرض لمشكلة او عند الخشية من أمر من شأنه اِدخال القلق الى النفس  الى حدّ التخبط وفقد الاعصاب ، يجب الجلوس بهدوء لدراسة الموضوع واحتساب الحلول والاحتمالات بصورة منطقية . فاذا لم يناسبنا أيّ حل او احتمال ، نذهب الى آخر الاحتمالات وأسوئها، اعني نقبل باسوأ الاحتمالات ، وعند القبول بهذا الحلّ الاخير ، نبدأ الشعور بالهدوء والسكينة وهكذا نريح تفكيرنا من القلق والتخيلات ، لاننا قبلنا باسوأ الاحتمالات ، بما فيها الفشل ، وهو الشئ الذي  يخيفنا دائماً .
هذا حلّ نلجأ اليه في الحالات التي نقع في صراع ، فتجد أنفسنا عرضة لافكار تتلاطم دون انتظام ودون انقطاع . فاذا انتهت الامور بصورة سلبية ، لا نتفاجأ ولا نندهش لاننا كنا قد احتطنا للامر ، واذا انتهت الامور بنتائج ايجابية ، فسيكون هذا سببا آخر لمضاعفة  سعادتنا ، وتأكدوا بان الحل الثاني يكون في اغلب الاحيان من نصيب الانسان المتفائل .

اما الخوف من ركوب بعض المخاطر او الخشية من تولّي بعض المبادرات المفيدة ، باعتقادي يتوجب على الانسان  ،في هذه الحالات ،  ان ان يزرع  داخل قلبه  بعض الهمّة والثقة بالنفس  ، يجب تبنّي مثل هذه المبادرات بالرغم من الشكوك والمخاوف ، والا سنتقاعس عن القيام باي شئ ، فتكون حالتنا الطبيعية كسلا وجمودا .
 ان الفشل هو الذي يخيفنا هنا ، ولكن الفشل هو امر طبيعي في حياة الانسان ، الفشل يرافق الانسان   .وانا اقول دوما بان حياة الانسان الناجح مبينية على كثير من الفشل . والعبرة في من استطاع ان ينهض من كبوته وييد المحاولة من جديد دون كلل او ملل وبنفس الهمة  ، لان الفشل ليس نهاية العالم .

ان الخوف الشديد او الفزع يقودان احيانا الى كوارث . يُروى عن احدهم اعتراه خوف شديد  بات يعذبه ليل نهار ولا يفارقة ولو للحظة ، ففكر بالابتعاد عن بيئته والهجرة الى بلاد اخرى . وصل صاحبنا مكانه الجديد ولكنه بقي مجترّاً لفكره المشوش الذي لم يهدأ ابدا ، لا بل اشتد سوءً ، هل كان خوفه مبررا موضوعيا ام وهما ، لا نعرف . لم يطل صاحبنا الاقامة هناك لكي يجد نفسه ضحية حادث لم يمهل روحه الا بضع دقائق ، فاستمراره في القلق والخوف اوصلاه الى نهايته المحتومة .

في هذه الحالات ، لا يجب اطالة التفكير ، لان ذلك من شأنه تعقيد الامور . يجب التوصل الى قرار يضع حدّاً للتفكير وتصوراته . يجب الخروج من سجن افكارنا ، وترك مخدعنا نحو الهواء الطلق ، يجب ان نجول بافكارنا نحو الافق البعيد اللامتناهي ، واثناء سبر غور هذا البعد الذي ينتهي بتماس مع السماء الزرقاء ، نلتفت قليلا ذات اليمين وذات الشمال لنعبّئ عيوننا من الوان الزهور وجمال الطبيعة ونستجيب لرغبة انوفنا في شمّ الروائح الزكية ، ولا ننسى ان نفتح آذانا صاغية لتغريد البلابل وسماع صوتها الساحر، ونقف هكذا لفترة صغيرة اخرى لاستنشاق الهواء العليل ومداعبته لبشرتنا ، عند ذلك سنرى ان افكارنا القديمة المتوترة قد غادرت واضمحلت ، وامتلآ الحيّز الذي فرغ بكلّ ما هو جميل وتكوّن في داخله عش يضمّ فقط ما جمعته احاسيسنا الجديدة ، وبهذه الطريقة يكون قد ارتاح فكرنا .
لعلّ بعضكم يقول ان العمّ شمعون اصطحبنا بقاربه في جولة شعرية وخيالية ليُلهيَنا وكانّه يسخر من سذاجتنا ، ولكني انا اجيبكم بان هذا ليس صحيحا لان المبدأ الفيزياوي الطبيعي يقول بانه ليس هناك فراغ في الحياة الا واحتله الهواء ، وهذا ما يحدث مع الافكار ، حال تخلّص الانسان من الافكار السوداء، يستبدل تلك الافكار بما نهلنه احاسيسه من الطبيعة  .  يجب اذن رفع الانظار الى الاعلى ، نحو كل ما يريح العيون ويملا النفس فرحة وسعادة .

يجب ان نحتكم لتجارب من سبقونا والذين بعد وصولهم الى سنّ متقدمة ، مليئة بالتجارب ، يقولون لنا :
ماذا جنيننا من قلقنا وخوفنا ، لقد مررنا بالاف حالات مماثلة ، لم يفدنا القلق بشئ لان ما يجب ان يحدث سوف يحدث ، سيحدث ذلك وفق نظام العلة والمعلول وقد يفوق معرفتنا الحالية . . ألا يقول الشاعر ايليا ابو ماضي بهذا الخصوص في قصيدته ، كم تشتكي وتقول انك معدم ، الا يقول : ان كنت تُشفِق من حلول مصيبة ، هيهات يمنع ان تحلّ تجهم .
لم تنعدم الحياة يوما لاننا كنا نخشى امرا معينا او نتيجة مهمة جدا ، فبالرغم من خوفنا الشديد ، استمرت الدنيا وتعاقبت الفصول واشرقت الشمس واستمرت العصافير بالزقزقة ،  وبقينا  نحن الخائفين ، احياء نرزق بكامل عافيتنا

اذا اطلقنا العنان لقلمنا في هذا الموضوع سوف لن نعرف كيف نتوقف ، لان التجارب كثيرة وكلّ منّا له تجاربه والكلّ باعتقادي قد توصل الى النتيجة بان الكثير من خوفنا  وهمُ، والبعض احتمالات والقليل القليل حقيقة . يجب تسليم الامور الى الله والانتهاء بالقول : فلتكن مشيئتك ، وصاحب الايمان القوي يعرف بان الله لا يريد لنا الا الخير .