المحرر موضوع: تازة خورماتو ، لجرحك النازف سلام الفجيعة  (زيارة 1119 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حسين ابو سعيد

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 257
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تازة خورماتو ، لجرحك النازف سلام الفجيعة
حسين ابو سعود


 
بالرغم من ان جراحات التركمان بعد مجازر آمرلي وتلعفر وداقوق وطوز لم تندمل ، لكنهم فجعوا بحادثة  تازة خورماتو ، تلك المدينة الوادعة الوديعة  حيث نفذ الجناة القساة جريمتهم المروعة فسقط المئات من الاطفال والنساء والشباب ما بين قتيل وجريح ، وهم يعرفون تماما  خلو هذه المدينة الصغيرة من المنشآت الحيوية والثكنات العسكرية والقواعد الجوية.
قيل ان الضحايا دفنوا باشلائهم المقطعة المخضبة بالدماء في مقبرة جماعية، وشتان بينها وبين المقابر الجماعية في زمن النظام البائد.
كأني بالامهات الثواكل  يجتمعن كل يوم  لتسلية بعضهن بالنواح والرثاء والبكاء:
وثواكل بالنوح تسعد بعضها     أ رأيت ذا ثكل يكون سعيدا
ولعل احداهن ما زالت تنتظر ان يأتي ولدها من المسجد المهدم، فتصب له طعاما شهيا حتى اذا يئست من مجيئه رفعت الطعام لتلقي نظرة على فراشه وتكوي له ملابسه وتنظر الى احذيته الصغيرة  تمسح عنها الاتربة والغبار ، تلمعها بطرف ثوبها، تعيد ترتيب كتبه ودفاتره واقلامه في حقيبته الصغيرة ، من يدري قد تضع فيها ( لفة بيض) او قطعة من الكيك او الحلوى .
تطيل النظر في لعبه واشياءه ، انها أم جنت في حب وليدها الذي غاب كما يغيب القمر في الليلة الظلماء فيفتقد ،وكأني بها  تنوح على الغصون الطرية الشابة التي ذبلت قبل الاوان، تنوح على ولدها وسندها وعقد جمانها المنضود الذي انفرط كجنبد لم يتفتح بعد وتستحضر قول الشاعر :
راحل انت والليالي نزول     ومضر بك البقاء الطويل
غاية الناس في الزمان بقاء   وكذا غاية الغصون الذبول
بي نزاع يطغى اليك وشوق  وغرام وزفرة وعويل
مطر ناعم وريح شمال      ونسيم غض  وظل ظليل
لقد مارس الاوباش هذه المرة كل انواع الخسة والدناءة والشراسة في استهدافهم البيوت الامنة الواهنة واثبتوا للانسانية بانهم اناس اقل ما يقال عنهم ( مرفوضون ، شذاذ الافاق ،وحوش جفاة ، قتلة قساة ، مجرمون عتاة ، ظلمة فسقة ) والا من يجرؤ على قتل اطفال مناظرهم تسر الناظرين وروائحهم عطور تُشم ، ولله در الشاعر عندما قال:
قد عذلت الجزوع وهو صبور  وعذلت الصبور وهو جزوع
آه على تلك الربوع التي اصبحت قبورا تُسقى بالعبرات ، ورعى الله عرصات كانت يوما مرتعا للعب الاطفال وضحك الكبار وسامر الامهات .
سقى الله  تلك الربوع التي اقفرت من اهلها وعشعشعت حولها العصافير والرياحين وغُلفت بالنسيم البارد.
بالامس كانوا اقمارا بأرجل يملأون الارض فرحا ومرحا فصاروا اشلاء ممزقة لا حراك فيها.
فيا ايتها الريح خذي سلاما الى خدود بلون التفاح افترشت التراب .
سلاما مصحوبا بحرقة الدموع
 خذي سلاما وتحايا لأناس رحلوا لا يُرجى منهم عود ولا رجوع
سلاما لتلك الربوع
سلاما للارض الشاحبة والسماء الحزينة والاشجار التي طأطأت هاماتها كمدا 
سلاما لتازة وهي ربيع
ياناشد الربيع في الربوع اهبط ( تازة) وسل سهلها عن نجوم ساطعات غيبهن التراب وعن ازهار قطفت قبل اوانها ومازالت قطرات الندى ندية على صفحاتها
حقا لقد بكّر الناعي في رثائهم ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل.
aabbcde@msn.com