المحرر موضوع: لا فض فوك يا مطران كركوك  (زيارة 1900 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ليون برخو

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2141
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لا فض فوك يا مطران كركوك
« في: 18:33 06/07/2009 »
لا فض فوك يا مطران كركوك
   
عندما يتكلم العلماء غالبا ما يصغي الأخرون الى ما يقولونه. فعندنا في السويد مثلا قلما تصدر الحكومة او البرلمان قرارت ذات شأن إن لم تدرس بدقة من قبل مراكز البحث في الجامعات  التي يقودها العلماء.

والشعوب والحضارات تدخل طور الإنقراض لا بل تندثر عندما تهمل ما يقول به العلماء وتتشبث بالقال والقيل الذي أصبح اليوم, ومع ألأسف الشديد, الواجهة التي يهيمن بواسطتها غير العلماء على مقدرات شعبنا المسيحي بتسمياته المختلفة في العراق والشتات.

  هل إنتهت عندنا الطاقة الخلاقة لدرجة اننا اصبحنا تحت رحمة اصحاب "القال والقيل" حتى لو كان الأمر يتعلق بمصير شعب كان يوما رائد الحضارة والثقافة في الشرق وأوصل رسالته ومسيحيته وتراثه وحضارته الى الهند والصين؟

كنت على شفا اليأس من مصير شعبنا بيد ان المقال الذي كتبه عالمنا البارز المطران لويس ساكو ادخل بعض الأمل في قلبي وجعلني أثق ان الطاقة الخلاقة عندنا ليست في طريقها الى الزوال.

امران مهمان إستوقفاني في مقاله الذي يظهر فيه نيافته سعة اطلاع ومقدرة نادرة وعلم غفير. ومن له أذنان فليسمع:

"التسميات الكنسية الحالية حديثة نسبيا: الكنيسة الكلدانية والكنيسة الأشورية"

هذا التصريح من واحد من ابرز علماء الكنيسة الشرقية وفي هذا الوقت بالذات يضعنا نحن المثقفين امام مسؤوليات كبيرة تجاه شعبنا الذي أدخل غير العلماء في عقله إننا احفاد اشور ونبوخذنصر  حيث أخذ الكثير منا بالقفز فوق وعلى التاريخ والإرث السرياني والأرامي الذي يجمعنا وأسقطونا في احضان شعوب لم تتكلم لغتنا ولم يكترث اجدادنا بهم ابدا.

وكلغوي أقول  لم تكن السريانية (الأرامية) لغة أم لدى الأشوريين القدامى. ولم تكن ايضا لغة أم لدى الكلدانيين (البابليين) القدامى. ولكن كان على الإمبراطوريتين ان يستخدما مترجمين وكتاب اراميين في بلاطيهما, لاسيما في الالف الأول قبل الميلاد لأن الأرامية, كما يقول اسقفنا العالم, كانت لغة التجارة والإتصال والسياسة كما هو حال الإنكليزية اليوم.

لو كان هولاء القوم يتكلمون الأرامية لما احتاج علماء الأشوريات الى عشرات السنين من البحث والتنقيب والتأليف والتمحيص لفك رموز اللغة الأشورية, لكنا نحن من قام لهم بذلك. وما زال   علماء الأشوريات لحد هذا اليوم, على حد علمي, لم يفحلوا في وضع قاموس شامل لمفردات هذه اللغة. لماذا لم يستخدموا قواميسنا؟

لو كان هولاء القوم يتكلمون الأرامية, لكان بمستطاع اشقائنا في معلولة في سوريا فك طلاسم اللغة الأشورية بسهولة ولكان المتعلمون بينهم يتبؤون الأن كراسي الأستاذية في الأشوريات في ارقى جامعات العالم.

هذا ليس رأيي الشخصي, بل يشاركني فيه علماء كبار. وتراودني خاطرة حدثت لي شخصيا عندما كنت اتحدث في معهد الإستشراق في جامعة زوريخ في سويسرا في قاعة كبيرة مكتظة بالأساتذة والطلبة عن التعصب لدى العرب والمسلمين ومقارنته بالتعصب لدى الأوربيين المسيحيين.

وحالما انتهيت من الحديث إنبرى احد الأساتذة من الحاضرين, لا أتذكر اسمه لكنه قال انه يدرّس الإستشراق في سوربون, قائلا: "لماذا لم تذكر التعصب عند بني قومك المسيحيين ... إنكم تتقاتلون على اشور ونبوخذنصر ... ووتتعصبون للأشورية والكلدانية  القديمة حد الأقتتال  والممات وليس هناك دليل لغوي وعلمي انكم احفادهم."

وعليه اقول اولا لإخواني الكلدانيين, وانا واحد منهم, ان يكفوا عن ذكر الكلدانيين القدامى وحكامهم وملوكهم وتاريخهم للدلالة على القومية الكلدانية. انا ككلداني لا يشرفني ان يكون هولاء اجدادي. ولكن لي كل الشرف ان انسب الى افرام ونرسي وشمعون برصباعي ويعقو وبهنام وهرمز وحنين وسركيس ...

وللكتاب الكلدانيين اقول اتركوا ساحة التاريخ والقومية والحضارة واللغة لأصحاب الشأن. كنيستنا الشرقية الكلدانية فيها من العلماء والمؤرخين واللغويين لهم من المؤلفات ما يجعلهم في صدارة التاريخ كعلم. وكتبهم هي الأن من امهات المصادر في تاريخ ونشاة كنيستنا وشعبنا ولغتنا. وأذكر هنا البطريك الكلي الطوبى عمانوئيل دلي وأطروحته التي نال بها شهادة الدكتوراة والتي تعد الأن اهم مصدر في هذا المجال. وكذلك يجب الا ننس القس البير ابونا, الذي صارت كتبه (اكثر من 60 كتابا حتى ألأن) مصدرا ليس لتاريخ شعبنا وكنيستنا بمختلف اسمائهما بل للعراق أجمع.

ولإخواني الأشوريين اقول علينا جميعا ان نحكم للعقل والحجة وان لا نقفز فوق تاريخ ولغة وإرث شعبنا وننسب انفسنا لأناس لم يتحدثوا بلغتنا ولم يذكرهم إرثنا السرياني (الأرامي) المكتوب كونهم اجدادنا.

واذكرهم, لاننا شعب واحد, ان يكفوا عن الإستشهاد بالحجارة والكتابات الطينية والمنحوتات في المتحف البريطاني. بالطبع إن المعوروضات الأشورية ذات اهمية تاريخية بالغة, ولكننا مهما حاولنا لا نستطيع قراءة وفهم سطر من الكتابات التي عليها لأنها كتبت في لغة غير لغتنا كما بينا اعلاه.

وأذكرهم ايضا انه علينا ترك الساحة للعلماء من امثال اسقف كركوك كي نتعلم منهم. علينا ان نأتي الحجة بالحجة. التعصب لا يسعفنا ولا يفيدنا ابدا والقول ان البروفسور الفلاني او العالم الفلاني لا يفهم لأننا تعلمنا من حليب امنا اننا كذا وهكذا سنكون قول غير حكيم.

اما النقطة الثانية التي استرعت انتباهي في المقال تخص الفكر الراقي والمتنور الذي يبديه اسقف كركوك في قبول الطرف الأخر. لقد وجدت في هذه النقطة طريق الخلاص الوحيد لشعبنا. ففيها يقدم اسقفنا الجليل موقفا ناضجا بامكانه, لو طبقناه, ان ينتصر على موجات التعصب التي هبت علينا ومزقت شملنا.  لنقرأه مرة أخرى:

"... لا يزال أمامنا مجال لتوحيد التسمية بعيدا عن كل التأثيرات الخارجية ... بالامكان تبني مثلا تسمية موحدة  كالاراميين أو سورايي، أو كلدانيين  أو اشوريين أو السريان. ما نحتاجه هو التوافق وهذا قرار بيدنا ... اتفاق معقول للتسمية وبشكل جماعي وليس فردي او فئيوي"

هذا هو القبول الحقيقي للأخر. هذا ما يمنحنا اياه اسقفنا ومثقفنا الكبير وعالمنا الشهير لويس ساكو. ويبقى سؤال أخير:

هل يستطيع الطرف الأخر اعتماد خطاب اسقف كركوك. انني لم أفاجا بمضمون مقاله. أنا شخصيا اعرف نيافة المطران منذ الصبا. والطريقة التي يقبل فيها الأخر لا تصدر الا عن رجل دين استوعب تعاليم ربه يسوع المسيح وحمل الام شعبه باسمائه المختلفة.

الكرة الأن في ملعب الطرف الأخر. هل سنسمع او نقرأ خطاب مماثل يصدر من رجل دين نظير لساكو؟


ليون برخو
Leon.barkho@ihh.ih.se
أستاذ اللغة والإعلام
جامعة يونشوبنك
السويد