المحرر موضوع: يوم السيادة "العراقي" وشيء من المصارحة  (زيارة 715 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1288
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
يوم السيادة "العراقي" وشيء من المصارحة
   


عبدالحسين شعبان
 

في خطوة مهمة أقدمت القوات الأمريكية على الانسحاب من المدن العراقية، تنفيذاً للاتفاقية العراقية  الأمريكية التي تم التوقيع عليها عشية مغادرة الرئيس جورج دبليو بوش البيت الأبيض، في نوفمبر/ تشرين الثاني ،2008 ولعل هذه الخطوة هي المرحلة الأولى من الانسحاب الأمريكي من الأراضي العراقية في نهاية العام ،2011 وهو ما كان قد وعد به الرئيس أوباما في حملته الانتخابية وما أكدّه بعد وصوله إلى البيت الأبيض، مطلع العام ،2009 مع بعض التعديلات المتعلقة بالجوانب الميدانية وآراء العسكريين، حين ربط ذلك ببدء الانسحاب بعد 18 شهراً واستكماله حسب التاريخ الذي حددته الاتفاقية، بالارتباط مع بناء القدرات العسكرية العراقية وتأهيلها لمواجهة التحديات الخارجية وبخاصة الإقليمية.

يوجد الآن في العراق 136 ألف جندي أمريكي انسحبوا إلى قواعد عسكرية خارج المدن بحدود 36 قاعدة، وقد سلّمت القوات الأمريكية، القوات العراقية 86 موقعاً في بغداد ونحو 150 موقعاً خارجها، وقد تم تشكيل لجنة تنسيق مشتركة للقوات العراقية  الأمريكية، للتحرك المشترك في حالة وجود ضرورة لذلك.

ولعل إعادة انتشار القوات الأمريكية وخروجها من المدن، هو ثمرة جهد متنوع ومتعدد للاتجاهات المختلفة، وجاء استجابة لضغوط كثيرة، منها ما له علاقة بالولايات المتحدة وبخاصة لمشروع الحزب الديمقراطي بعد فشل الحزب الجمهوري وإدارة الرئيس بوش، الذي اعترف عشية انتهاء ولايته بأن المعلومات التي استند إليها لغزو العراق كانت خاطئة ومضللة، وهو الأمر المتعلق بادعاء وجود أسلحة الدمار الشامل لدى العراق وعلاقة النظام السابق بالإرهاب الدولي، وبغض النظر عن هذا الاعتراف الذي هو سيّد الأدلة كما يقال، فإن مسؤوليات جزائية ومدنية يمكن أن تترتب عليه لو توفرت إرادة عراقية، ولو بقيت هذه القضية مفتوحة ولم تغلق في الاتفاقية العراقية  الأمريكية التي أنهت مطالبة العراق للولايات المتحدة بالتعويضات، فضلاً عن تحديد المسؤولية الجنائية فيما حصل للعراق من احتلال وتدمير للدولة العراقية وتمزيق للنسيج المجتمعي.

أما عراقياً فلم يكن بمقدور أية جهة سواء شاركت في العملية السياسية أو عارضتها، أو جاءت مع الاحتلال أو وقفت ضده إلا أن يُعبّر عن رأيها بدولة الانسحاب باستثناءات محدودة، الأمر الذي عزز من المطالبة بإنهاء الاحتلال بجميع الوسائل السلمية والعنفية. وتساوقت هذه الرغبة مع الفشل الأمريكي، لينسجم مع وعود الرئيس أوباما وخطابه الشهير الذي دعا فيه لاعتبار العراق للعراقيين.

يضاف إلى ذلك الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها الولايات المتحدة مادياً ومعنوياً، ولاسيما بشرياً كان وراء ملاحقة الرأي العام الأمريكي والدولي ومطالبته بالانسحاب من العراق، الذي لم يعد أولوية أولى بالنسبة لسياسة واشنطن، لاسيما بعد الأزمة العالمية المالية والاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة، الأمر الذي دفع الرئيس أوباما للتأكيد أن الانسحاب من العراق سيتم وفقاً للجداول المقترحة.

ولعل وجود ممانعة ومقاومة شرسة كانت قد أوقعت المشروع الامبراطوري الأمريكي في حرج كبير، لاسيما بعد أن صوّر لها البعض أن احتلال العراق هو أقرب إلى “نزهة” أو مهرجان احتفالي، توزّع فيه الحلوى وتنثر الورود، لاسيما وأن العراقيين ذاقوا ذرعاً بنظام دكتاتوري ويريدون من يخلصهم منه، لكن هذا شيء وبقاء قوات احتلال أمريكية دون معرفة ودون رغبة من العراقيين وغالبيتهم الساحقة شيء آخر، وهو ما عبّر عنه بتبرم بول بريمر في كتابه “عام قضيته في العراق”.

وإذا كانت خطوة انسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية مسألة إيجابية وانجازاً عراقياً، إلا أن بينها وبين السيادة مسافة طويلة ومضنية، ولعل هذا يذكرنا بمن احتفل في العام 2004 في أواخر يونيو/ حزيران باستعادة السيادة بصدور القرار 1546 في 8 يونيو/ حزيران بعد كتابة “قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية” في 8 مارس/ آذار 2004.

رغم مرور خمس سنوات على الحديث عن استعادة السيادة العام ،2004 فالسيادة العراقية لا تزال منقوصة وغير كاملة، بل هي سيادة معوّمة ومجروحة، فحتى العام 2009 ورغم توقيع العراق على الاتفاقية العراقية  الأمريكية، فلم يستطع الانفكاك من شرنقة الفصل السابع، وما زال سيف العقوبات يهدده رغم أنه لم يخرق القانون الدولي، لاسيما بعد تغيير الأوضاع (وسقوط النظام السابق) ولا تزال القوات الأمريكية موجودة على الأراضي العراقية، وهي المتحكم الاساسي بسياساته على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو علاقاته الدولية، وهذا الأمر يحتاج إلى مكاشفة ومصارحة ومعرفة خارج نطاق الشعارات العاطفية السياسية أو التعبوية، فالسيادة لن تتحقق إلا باستعادة القرار السياسي  السيادي العراقي بعيداً عن الاملاءات أو التدخلات أو الجيوش الأجنبية، سواءً بحجة مكافحة الإرهاب الدولي أو تأمين سيادة العراق من التهديدات الإقليمية أو للحفاظ على العملية السياسية “الديمقراطية” أو لمبررات وذرائع أخرى.

ومع كل ذلك فالعبرة لا بدّ من أخذها في ما إذا انسحبت القوات الأمريكية من العراق بمواعيد الاتفاقية العراقية  الأمريكية، بحيث لا يضطر العراق إلى التوقيع على اتفاقيات أخرى مماثلة، عند ذلك سيكون يوم السيادة العراقي، يوماً وطنياً وعربياً ودولياً.

باحث ومفكر عربي

صحيفة الخليج الاماراتية الاربعاء 8/7/2009