المحرر موضوع: مفترق الطرق  (زيارة 750 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Salem Ateek

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 67
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مفترق الطرق
« في: 11:08 14/07/2009 »
مفترق الطرق

القيادات النزيهة الملتزمة، هي تلك الصادقة مع نفسها قبل أن تكون كذلك مع الآخرين.  هي تلك التي تتبني الموضوعية المنطقية بأمانة في كل أقوالها وأفعالها.  هي تلك التي تعتمد في توجهاتها الربحية والنفعية على النوعية والمعنوية، وليس على حسابها.  هي من يهمها الوفاء والأخلاص لأخلاق شرف مهنتها، أكثر من حبها لعقيدتها ومبادئها وبقية مصالحها. 
ومن هذه هي حقيقتهم، مؤكد يكتسبون في طريقهم وباستمرار مصداقية جديدة ومتجددة.  مصداقية تقودهم مع الأيام الى حصاد المزيد من النجاح والشهرة، وأكثر وأهم من كل ذلك، يفوزون براحة الضمير، وليس راحة البال.  فأمثال هكذا قيادات كثّر الله مغيّر الأحوال منها، لا يهدأ لها بال ووطنها وامتها والأنسانية تعاني، فهي تحمل على أكتافها ثقل همومها المشرّف.
هذا ما نرجوه، بل ويفترض أن يكون عليه واقع حال جميع القيادات على اختلاف أنواعها وأماكنها، وقيادة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليست استثناء، وانما عليها أن تكون بمثابة مثال وقدوة للآخرين بحكم موقعها الريادي العالمي.  ومن هم كذلك، على عواتقهم يقع ثقل المسؤولية الأساسية في الحضور والمبادرة والتحرك المناسب كما ونوعا، فلا مكان لمزيد من الشكوك والتردد والأنتظار، ففي ذلك مضيعة للوقت، وهذا سبق وأن بددت منه قياداتنا الكثير بسبب طغيان المنطق المادي المصلحي الأناني لديها على ما سواه.
فلم ولن تكن هناك في الأفق أبدا خيارات فاعلة بديلة أخرى أفضل من خيار الواحد الأحد، خيار قلب المعادلة السلبية القائمة الى أخرى ايجابية، وذلك عبر وضع مجمل حق القوة المادية، في خدمة قوة الحق والحقيقة المعنوية، وليس على حسابها كما جرت العادة الرأسمالية السيئة.  فلا يعقل أن يستمر الأنسان عبدا لرأس المال، وانما على هذا الأخير أن يكون أبدا في خدمة الأول، كون رأس المال ثمرة جهود وأتعاب وعرق الأنسان، وليس العكس.
فالأنسانية قلما كانت بحاجة الى مثل قوة هذا المنطق المعنوي، منطق الحق والحقيقة، للأشراف على كافة معالم القوة المادية مثلما هي عليه الآن.  فهذه تتواجد مجددا على مفترق طرق في غاية الحساسية والأهمية والخطورة أيضا، فأما الندم والتوبة والأستغفار للكريم الحليم الرحيم ليأخذ بيدها وينير لها طريق النجاة، وأما مواصلة الغطرسة والفساد والانحراف التي تدفع قسرا الى الأنهيار في نهاية المطاف.
مفترق الطرق اليوم ليس كذلك المفترق الذي واكبناه في أواخر الثمانينات، فعندها كانت تقود منطق القيادات الرأسمالية الجشعة خاصة في واشنطن نشوة الأنتصار الكاذب في الحرب الباردة، فركبها الغرور وكان اختيارها في حينه للطريق الأسهل الذي كانت متعودة بل ومدمنة عليه لتحقيق انتصارات زائفة أخرى.  فكان اختيارها  لطريق ومنطق حق القوة لتخويف وترهيب وترويع العالم عبر محاولات تصفية ما تستطيع عليه من بقايا جيوب الخصوم.  ليس طبعا الجيوب الكبيرة القوية كما في حالة روسيا والصين، فمثل هكذا عمل طاغي يحتاج الى حماقة معتوهة، وهذه غير واردة في القاموس السياسي البراغماتي خاصة الأمريكي مهما تصهين.  وانما فقط تصفية الجيوب الصغيرة الضعيفة، كالشيوعي في يوغوسلافيا، والقومي في العراق، والاصولي في أفغانستان، التي ما كانت تحتاج لأكثر من شجاعة جبانة، وهذه يعج بها القاموس المذكور.
ناهيك الى اعلان هذه القيادات المغرضة الحرب على ما يسمى بالأرهاب، ليس فقط لضرب حركات المقاومة التحررية العربية والأسلامية دعما لأسرائيل وخدمة للمشروع الصهيوني، وانما أكثر لمواصلة ضرب أيّة مشاريع نهضوية تنموية عربية اسلامية ووئدها وهي في مهدها، منعا لأية أحتمالات تنافسية مستقبلية على أسواق المنطقة النفطية الغنية الاستهلاكية التي تسيطر عليها، بل وتحتكرها لنفسها بعض كبار الدول المتقدمة، وعلى رأسها طبعا الولايات المتحدة الأمريكية.
منطق فوقاني استعلائي استحواذي كهذا، على الرغم من أنه حقق أهدافه الأجرامية في تدمير بلدان ممانعة للهيمنة الأستعمارية كالعراق وقبله مصر على سبيل المثال لا الحصر.  هو نفسه (المنطق الفوقاني الاستعلائي الاستحواذي) الذي عمل كذلك على ترويع وتفقير شعوبنا، واستنزاف خيرات ومصداقية بلادنا بجوره وباطله وتجاوزاته الداخلية والخارجية، خاصة على يد الرئيس السابق جورج دبليو بوش، الأكثر استهتارا وطغيانا واجراما في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.  ومع ذلك، لا زال طليقا ولكن ليس حرّا، فهو وأمثاله تستعبدهم شرور أعمالهم.
أجل، مفترق الطرق الذي تمر به بلادنا العزيزة الآن مصيري ومتآتي عن ضيق ومعانات وانكسار وحاجة ملحة الى التغيير الجذري.  ولكي يكون أختيار القيادات الحالية للاتجاه المناسب موفقا وصائبا، عليها القبول بالأمر الواقع والتعامل معه والانطلاق منه بنكران ذات وجدية شجاعة بحثا عن العلاج اللازم، وليس طبعا مواصلة المهاترات والمزايدات والتبريرات الأستكبارية، فهذه تصعب الحلول وتعاظم حجم الخسائر، وفي النهاية لا تنجو بدورها من العقاب.
نرجوا أن تكون قياداتنا خاصة السياسية قد تعلمت من تجاربها الذاتية المختلفة الدرس الكافي لأختيار الطريق الصحيح.  طريق الرجاء والصلاح والأصلاح.  طريق السلام والأمان والأستقرار.  طريق العطاء والتضامن والتآخي.  طريق البناء والأزدهار والسعادة.  طريق قوة الحق الأقوى طبعا بقواه الشرعية الأنسانية والمادية والمعنوية.  الطريق السوي.  طريق السلامة. 
ولنبدأ هذه المسيرة الجليلة على طريق الخلاص بتذكير بل ولفت أنظار خاصة الحركة الصهيونية التي بيدها الكثير من خيوط الحل والربط للعبة الصراع العربي الأسرائيلي التي أكثر ما أذتنا وأستنزفتنا، الى أنها لم تصل الى ما هي عليه الآن من نفوذ في العالم وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية عبر التكشير والغباء والتهور والحمق والأرتجال والعنف واذكاء النعرات الطائفية والدينية والمذهبية والعرقية الوطنية كما لا زالت تفعل مع البلدان الأخرى الغير السائرة في ركابها، وانما عبر الأبتسامة والذكاء والدهاء والحيلة والصبر والتخطيط والحوار والأقناع وشحذ المشاعر الوطنية لجانبها.  فما بالها لا تزال عاجزة أمام توجيه دولتها اسرائيل لفعل ذات الشيئ لكسب اهتمام وتفهم وتعاطف سكان منطقة الشرق الأوسط؟!  أم أنها تتوقع اغتصاب التطبيع مع شعوب المنطقة، خاصة العربية، بعد استحواذها بطريقة وأخرى على ارادة غالبية قياداتها الدكتاتورية؟!  هكذا ستنتظر طوييييييييييييييييييييلا.   
هناك أسباب عديدة أخرى مشجعة لمثل هذا التقصير الصهيوني منها: تواصل الدعم الأمريكي الأعمى لأسرائيل، وامتلاك هذه الأخيرة لقدرات عسكرية هائلة غير تقليدية، وطبعا ضعف وجبن وتخاذل القيادات العربية، ولكن أهم الأسباب على الأطلاق يبقى افتقار الحركة الصهيونية الى الحد الأدنى الكافي من الأيمان.  أجل، الايمان بالكلام المنزل عبر ذات نبي الله وكليمه موسى عليه السلام للشعب اليهودي، وما يمكن أن يحمله هذا الايمان العظيم من رجاء في نهاية سعيدة للأحداث، حتى وان كان واقع الأمور يشير بغير ذلك، كما في حالة ذات الصراع المذكور.  هذا الصراع المجنون الذي ستكون له عواقب استثنائية وخيمة جدا، اذا ما امتد ليشمل بلدان أخرى خارج المنطقة العربية، واحتمال حدوث ذلك أكثر من وارد، بل ومؤكد في حالة قيام اسرائيل بالعدوان العسكري على ايران.
تذكروا بأن المنطق الغابوي عمره قصير مهما طال، ولم ولن يكون له مكانا أبدا على خارطة التحضّر.  والمنطق المتحضّر يفرض على الجميع، خاصة الأقوياء والأثرياء، نبذ التعالي والغرور والتعامل والتعاطي مع الآخرين الأضعف والأفقر بتواضع وأحترام، ففي ذلك اعطاء المثل والقدوة الحسنة.  شكرا.

 
سالم عتيق/كاليفورنيا
     salemateek@yahoo.com