المحرر موضوع: كامل شياع.. الذي اذّن فينا  (زيارة 608 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبدالمنعم الاعسم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 788
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كامل شياع.. الذي اذّن فينا
« في: 19:59 24/08/2009 »
كامل شياع..
الذي اذّن فينا


عبدالمنعم الاعسم

 في ذلك اليوم قبل عام، وحين سمعنا خبر سقوط كامل شياع بسلاح كاتم للصوت فتح كل منا فمه على وسعه كي يستوعب حُزمة الاوكسجين والاسئلة والخوف، ومسح الكثيرون جباهَهم في لفتة غريزية الى موضعٍ مرشح للرصاصات القادمة، قد تنطلق نحوه في أي وقت ومن أي عطفة في الطريق، فان قتلة هذا الزمان محترفون كفاية ومسددون فوهات  سلاحهم بمهارة الى موضع الموت الاكيد.
 في ذلك اليوم كنا مثل ماكنة فقدت قطعة غيارٍ نادرة، نحتاج لها، بل وفي امس الحاجة اليها، للاستقواء على الطرق الوعرة التي نقطعَها من نقطة الحيرة الشائكة الى فضاء اليقين الجميل، وكان اسمُه مثل كلمة سر  نتبادلها بمحبةٍ بين كل ظن إذ تزدحم به ايامُنا، وسوءِ ظن يَغير علينا من النوافذ.
 وإذ خرج الوطن من بدلة الانكشارية الى ما يشبه رحلة المجهول رصد صاحبُنا، من بعيد، مكانا له في العاصفة. هتف لنفسه "ياغريب اذكر هلك" وتبعناه نحن الغرباء، وفيما كانت الادغال تتسلقُ اسوارَ السلطان الجديد، وتفيض وعاءاتُنا بنصوص من غير ملح، ويعربد العنفُ في حياتنا مثل ثور هائج في معرض للخزف كان صاحبنا يتسلقُ قوس قزح، يؤذّن فينا قد قامت الكلمة النبيلة، وآن اوان الصحو، وجاء الموعد مع رغيف الخبز النظيف وغير الملوّث، وتعالوا نتأملْ قبل ان نجيب.
 لم ينكسر، صاحبنا الجميل في ذلك اليوم الفاجع باستسلام تشكيلي كما يحدث في التراجيديات الكبرى، بل انكسر كأشعة شمس على صفحات ماء جار رقراق، او مثل شجرة بالوت اعياها رذاذ مديد فحطت اغصانها على قارعة الطريق. اتذكر ذلك المساء اللندني حين داهمنا الرذاذُ، فلذنا بشجرة بالوت لنتبادلَ كلمات فراق حسبنا انه سيكون قصيرا، فكان، يا للفجيعة، فراقا ابديا:
 "انا كامل شياع. كنت اعرف ان الرصاص يلاحق خواطري الطليقة وان القتلة يحيطون بي من كل جانب لكني كنت اطلب وقتا اضافيا لاستكمال صعودٍ شاق كنت بدأته نحو ذروة سرية".
 يا كامل، انهم لا يطيقون سماع اسمِك الآن لانه يذكرهم بتواطئهم مع القاتل. اسمُك  يطاردهم من حرف الى حرف، ومن ساقية الى اخرى.. وانت الغائبُ. والحقُ انهم لا يتبينون من هو الغائب : انت ام هم؟ اشهد انهم الغائبون.
 عام مضى على رحيل صاحبِنا الجميل، ايها الاصدقاء، فيما القاتلُ لا يزال يتبختر، منتصرا، بين شارع المتنبي وسريع محمد القاسم، والشهود يتزاحمون على طول الطريق، سوى صاحب الامر الذي شاء ان يغلقَ ملفَ الجريمة على فاعل مجهول، ما يضع على عاتقنا دين الوفاء لدمِ ودفاتر الشهيد:
 افتحوا الملف. اقبضوا على القتلة. تعالوا نتحدَ وراء هذا النداء، في الفصل لكي لا نفقدَ واحدا اخر منا في طرق تزدحم بالقتلة وكواتم الصوت.. وفي الاصل لكي ينامَ فقيدنا الجميل قريرَ العين.
ـــــــــــــــــــــ
كلمة القيت في سنوية الشهيد في بغداد