المحرر موضوع: (عودة أكيتو)*  (زيارة 1680 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل روند بولص

  • اداري منتديات
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 319
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
(عودة أكيتو)*
« في: 16:22 08/04/2006 »
(عودة أكيتو)*
روند بولص

تمر بنا هذه الايام مناسبة تاريخية عريقة تعرف بعيد (أكيتو). اذ كان البابليون والاشوريون ومن قبلهم السومريين في العراق القديم، يحتفلون بهذه المناسبة كل عام  في الاول من شهر نيسان وذلك لحلول عيد راس السنة الجديدة ( أكيتو )، وكان العيد يقع بين الاول والحادي عشر من نيسان.
وكانت الاحتفالات تتواصل طيلة هذه الايام وكل يوم من الاحتفال كان له طقوسه وفعالياته الخاصة به، وكانت الاحتفالات تتم في أجواء يسودها الفرح والبهجة والمهابة، وهي احتفالات جماهيرية و دينية وملكية في ان واحد، يشارك فيها عامة الشعب و كبار رجال الدين وكهنة المعابد، و الملك وحاشيته، وتشتمل الاحتفالات رفع الدعوات والتراتيل وعزف الموسيقى و ممارسة طقوس الطهارة من قبل رئيس الكهنة و تقديم الذبائح والقرابين وطقوس دينية عديدة تتم في المعابد. 
اضافة الى طقوس الزواج المقدس الذي يبعث الخصب في الطبيعة والبشر والحيوانات، واستعراضات درامية لبعض الاساطير، وفي اليوم الخامس من الاحتفال يدخل الملك الى معبد ويتعرض لصفعة في وجه و جر عنيف لاذنيه من قبل رئيس الكهنة ، ومن ثم يتخلى عن كافة شارات حكمه ويركع بخشوع امام الاله مردوخ، ليتلو ذنوبه ويعترف بها ويحاول ان يعلن براءته من الاحداث السيئة والمصائب التي حلت بالبلاد في العام المنصرم من حكمه، وقطع العهد مجددا اما الاله مردوخ بتادية واجباته الدينية والوطنية على اكمل وجه. وبعد ذلك يسمح للملك بحمل شاراته الملكية. وبعد اداء مجموعة أخرى من الطقوس الدينية والدرامية، يلمس الملك يد الاله مردوخ ويرجوه النهوض، وبهذا المشهد يتم اقرار بشرعية الملك في حكمه. 
عند ئذ يقوم الملك بقيادة عربة الإله مردوخ تتبعها عربات بقية الآلهة لتطوف بموكب مهيب  شارع الموكب عبر بوابة عشتار... متوجهة الى بيت أكيتو** القاطن خارج اسوار بابل  ويقوم الملك بنفسه ادخال تمثال الأله مردوخ الى داخل بيت الأكيتو وسط موسيقى و تراتيل واناشيد طقسية.

 ونحن نعيش هذه الايام عبق هذه  الذكرى العريقة والعزيزة على قلوبنا، عبر احتفالات جميلة تقام في قرانا الاشورية، الكلدانية، السريانية في عراقنا الحبيب وخاصة في  (اقليم كوردستان)، ونشر لافتات أنيقة و معبرة عن هذه المناسبة ومكتوبة باللغة السريانية والكردية والعربية.
ومن خلال هذا الكرنفال الفني الجميل وخضرة الطبيعة الخلابة، تأملت الاوضاع الامنية والمعيشية والخدمية الصعبة التي تمر بها البلاد، و المعاناة والالام التي يعانيها العراقييون كل يوم، حيث أخبار القتل والخطف والتفجيرات تملأ الاذهان وتعج بها شاشات التلفاز و تزدحم بها صفحات الصحف والمجلات والصفحات الكترونية. وقفت امام هذا المشهد التراجيدي المؤلم الى حد البكاء والحشرجة متسائلا الا يستحق هذا الشعب الطيب العريق، حياة امنة تضمن له السلامة والعيش الكريم؟ 
الا يستحق هذا الشعب حكومة مخلصة ترعاه و تعبر عن طموحاته المشروعة في صنع غده المشرق؟ الا يستحق هذا الشعب قائدا ورئيسا مخلصا لمواطنيه ومتفانيا في خدمتهم؟ ألَم يؤازر هذا الشعب المعطاء حكومته و قيادته بكل مايملك من قوة الَم يقدم ومازال قوافل من الشهداء والقرابين من اجل اكمال مسيرة الحرية والديمقراطية ومن أجل الخروج من النفق المظلم الى عالم النور والشمس؟

ولكنني كمواطن بسيط لا املك الاجوبة الشافية لكل هذه الاسئلة والطموحات المشروعة بل ارفعها الى من يهمهم الامروالى من يملكون زمام الامور ودفة الحكم في البلاد. وأنا في خضم زحمة افكاري هذه و همومي، تمنيت لو عاد أكيتو من جديد الى بيته في الارض المفتوحة خارج اسوار بابل وعاد معه الاله مردوخ الى (بلاد الرافدين) وسكن اطلال معبده، كي يزوره حكامنا الجدد بخشوع بعدما يتطهروا من ادران الحزبية الضيقة والطائفية و مجد الكراسي والمناصب ليقروا أمامه بشفافية عن أخطائهم ويعتذرون منه ومن شعبهم  طالبين الغفران والسماح عن كل سيئات طالت البلاد والرعية في فترة حكمهم، وان يعاهدوا ان يخدموا شعبهم بكل أخلاص وامانة وتفاني، لينالوا الغفران والثقة و ليسبغ عليهم بركته جاعلا منهم رعاة صالحون لرعيتهم يذودون عن بلادهم  من مخاطر الاعداء و يحافظوا على حياة وأمن مواطنيهم من كل عابث غدار، وان يأتمنوا على ثروات البلاد من الزرع وخصوبة الحياة و نضارة الخضرة و يسخرونها لخدمة شعبهم.  عذرا ايها القارئ الكريم ان كنت قد تماديت في تاملاتي وامنياتي الى حد تجاوز الاحلام والخيال في عصر العولمة والاستنساخ و الاقمار الصناعية.... ولكن تبقى للامنيات سحرها في انعاش الامال والامنيات. في بلد يذبح كل يوم. 

روند بولص- عنكاوا
مدير تحرير جريدة (بيث عنكاوا)
rawandbaython@hotmail.com

الهامش:
*أكيتو: عيد رأس ألسنة البابلية الاشورية
** بيت أكيدو: كام يُشيد بيت للعيد المذكور خارج اسوار بابل وفي ارض مفتوحة
وكان هذا البيت يسمى ببيت العيد ( أكيتو)

المصادر:
عظمة بابل- هاري ساكز
رحلة الى بابل - كلينكل[/b] [/size][/font]