المحرر موضوع: أول اختبار لأوباما في الأمم المتحدة  (زيارة 660 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1288
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أول اختبار لأوباما في الأمم المتحدة
عبدالحسين شعبان
2009-09-21
في 23 سبتمبر 2009، تبدأ الدورة الرابعة والستون للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي مناسبة للقاء دولي في محفل مهم يمثل أكبر منتدى تحضره هذا العام 194 دولة، وفي الغالب بملوكها ورؤسائها ووزراء خارجيتها.
الجديد في هذه الدورة أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيحضر لأول مرّة، وهو حدث جدير بالاهتمام، خصوصاً ما سيلقيه من خطاب تاريخي، لاسيما بعد مرور 9 أشهر على وجوده في البيت الأبيض، وسيحاول أن يقدم كشف حساب على استراتيجيته التي رفع شعار «التغيير» عنواناً لها ولحملته الانتخابية قبل ذلك.
يضاف إلى ذلك التحديات والمعوّقات التي اعترضت طريقه، رغم أنه ما زال في بداياته سواءً على الصعيد الداخلي، فيما يتعلق بالرعاية الصحية أو مواجهة ضغوط شديدة، من جانب كبريات الشركات والبنوك بسبب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، فضلاً عن المشكلات الدولية سواءً سياساته الأميركية اللاتينية بعد سعيه لإغلاق سجن غوانتانامو في كوبا أو إلغاء بعض القيود التي فرضها سلفه بوش بخصوص التعامل معها فيما يتعلق بسفر الأميركيين من أصل كوبي إليها أو المقيمين الكوبيين في الولايات المتحدة، أو بشأن تحويلات بعض المبالغ إليها، وكذلك الموقف من تحديات دول أميركا اللاتينية التي وصلت فيها القوى اليسارية والاشتراكية إلى الحكم تحت شعار «الثورة في صندوق الاقتراع»، وتلك إحدى مفارقات الصراع الدولي.
وهناك مشكلة الشرق الأوسط التي لم تجد لها حلاً حتى الآن، فالتصلب الإسرائيلي، لاسيما من جانب حكومة نتنياهو ورفضها تجميد بناء المستوطنات والاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة، قد يدفع الرئيس أوباما الذي سبق أن قال إنه سيعطي جزءاً مهماً من جهوده لحل الدولتين، بالضغط على إسرائيل إلى الانكفاء، وحتى الآن لم تفلح زيارات جورج ميتشيل المكوكية إلى المنطقة في حلحلة الموقف الإسرائيلي أو التوصل إلى خارطة طريق جديدة بعد فشل الخرائط السابقة، بما فيها اتفاقيات أوسلو عام 1993.
وهناك ورطة العراق التي لا تزال قائمة رغم وجود اتفاقية أمنية بشأن جداول الانسحاب التي تنتهي في أواخر عام 2011، لكن هناك شكوكاً حول المواعيد فضلاً عن بقاء بعض القوات الأميركية ما بين 30-50 ألفاً في العراق في عدد من القواعد العسكرية، الأمر الذي سيزيد المسألة تعقيداً، خصوصاً في ظل الخسائر البشرية والمادية وضغط الرأي العام الأميركي والدولي وتحديات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية.
من جهة أخرى فإن مشكلة أفغانستان لا تزال تتفاقم ولن تحلّها زيادة عدد القوات، إذ إن قوات طالبان وتنظيمات القاعدة ما تزال تملك الكثير من الأوراق حتى الآن، وأن العملية السياسية ما تزال معزولة وهشة ومهددة، الأمر الذي قد يفتح باب التفاوض مع قوى متهمة بالإرهاب إذا ما عدلت من بعض «مناهجها» وأبدت استعداداً لذلك، وهو ما صدرت بشأنه تلميحات، وقد كانت نتائج الانتخابات الأخيرة والإعلان الأولي عن فوز كرزاي مصدر عدم ارتياح أميركي.
لم يصادف أن انعقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال نصف القرن ونيّف الماضي، في ظل رئيس أميركي يحظى بشعبية كبيرة مثلما هو أوباما الذي فاز على منافسه ماكين بفارق كبير، ربما الاستثناء خلال العقود الماضية هو حضور الرئيس كنيدي في مطلع الستينيات اجتماعات الجمعية العامة، لكن الفارق كبير جداً في حضور الزعيمين، ففي عهد كنيدي كانت الولايات المتحدة صاعدة، اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً، ولكن بالمقابل كان العالم منقسماً إلى معسكرين، وكان يقابل صعود الولايات المتحدة صعود آخر للاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية المنافسة وانعتاق العديد من دول أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا وحصولها على الاستقلال، وسعيها لاختيار طريق للتنمية في الكثير من الأحيان مخالفٍ لتوجهات واشنطن، وبدعم من موسكو، كما أن هذه البلدان شكلت تكتلاً ظهيراً عُرف باسم عدم الانحياز ومجموعة الـ 77، أما الآن فالوضع مختلف تماماً.
ورغم التحديات التي تواجه واشنطن فإنها من جهة أخرى لا تزال تتسيّد على العالم حيث انهارت الكتلة الاشتراكية منذ أكثر من عقدين من الزمان، لعدم قدرتها على منافسة واشنطن في سباق التسلح، يوم خصصت لحرب النجوم تريليوني دولار، ناهيكم عن الاختناقات الاقتصادية والأزمات السياسية وشح الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان، التي ساهمت جميعها في هزيمة الاشتراكية المطبّقة أمام الرأسمالية، وكان سقوط جدار برلين بمثابة تشييع نهائي لأنظمة أوروبا الشرقية، وكأنه إعلان عن رثائها حتى دون كلمات وداع أخيرة وهي تذهب إلى مثواها التاريخي.
وساد اعتقاد خلال العقدين الماضيين بأن واشنطن المتحكّمة في العالم ستفرض نمط حياتها وسلوكها ونظامها وأيديولوجيتها على العالم الذي ظفرت به سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعلى المستوى الدولي، الأمر الذي ولّد اعتقاداً لدى مفكرين من أمثال فوكوياما وهنتنغتون وأضرابهما، بأن لا طريق للتقدم إلا عبر النظام الليبرالي، وما عدا ذلك ينبغي إلقاؤه في البحر لأنه أصبح من تراث الماضي، وهو ما عُرف بتنظيرات حول نزع الإيديولوجيا، وذبولها وانتهائها، ولعلها تنظيرات استندت إلى أفكار سابقة كانت قد روّجت لها جماعات الخبراء والمستشارين في «مجمع العقول والأدمغة»، الذي كان له دور كبير منذ عهد الرئيس كنيدي والرئيس جونسون. ولعل نظريات الستينيات وظلالها اليوم استندت إلى فكرة الصراع الإيديولوجي لدحر الكتلة الاشتراكية عبر ما سُمي «نظرية بناء الجسور» التي ستعبرها البضائع والسلع والأفكار والسياح لتطيح بالخصوم في عقر دارهم، وبسبب شعور واشنطن بالتفرد والتميّز فقد أصيبت بنوع من الغرور حين اعتبرت الإسلام عدواً وسعت للقضاء على ما أسمته «الفاشية الإسلامية» في حرب صليبية كونية تحت باب مكافحة الإرهاب الدولي، ولعل ذلك كان أيضاً من أسباب شنّها الحروب واستخدام العصا الغليظة في كل مكان، خصوصاً إزاء البلدان العربية والإسلامية، في حين تصرّفت على نحو مختلف إزاء كوريا والملف النووي.
بهذه الأجندة سيدخل أوباما إلى أروقة الأمم المتحدة وسيدلي بكشف شامل، خصوصاً بعد موجة الأمل التي رافقت قدومه والتعقيدات والمشكلات التي صادفته واعترضت طريقه داخلياً وإقليمياً ودولياً، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، الأمر الذي قد يطيح بشعبيته ويقلّص من نفوذه وبالتالي رغبته في تحقيق التغيير المنشود، خصوصاً أنه يواجه هجمة شديدة من خصومه المحافظين وقسم من الليبراليين واليساريين، وقد يتعاظم الأمر خلال السنوات القادمة إلى نهاية ولايته.
تبقى مشكلة الإرهاب الدولي ساخنة، وبخاصة اتساعه، وهي مسألة لا يمكن لأية إدارة أميركية تجاهلها، لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية الإجرامية، وتتفاقم وتستشري مشكلة الإرهاب في الصومال وباكستان، خصوصاً بفشل الاستراتيجية الأميركية في العراق وأفغانستان، ولعل هذا ما دفع الرئيس الأسبق جيمي كارتر للتعبير عن قلقه العميق بالقول: إن لم تخرج أميركا بسرعة من أفغانستان، فإنها تعرّض نفسها لحرب متصاعدة تنتهي بغرقها، ولعل مصير واشنطن قد لا يكون أحسن حالاً من مصير الاتحاد السوفيتي السابق خلال تدخله في أفغانستان.
إنها إشكالات لا يمكن للرئيس أوباما تجاوزها، لاسيما وهو يواجه أول اختبار له في الأمم المتحدة!
 


صحيفة العرب القطرية، العدد 7771- الإثنين 21 سبتمبر 2009 م - الموافق 2 شوال 1430 هـ