المحرر موضوع: توما توماس...ما مرة نام قبل الليل بل كان الليل صديقه  (زيارة 1603 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سمير القس يونان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 140
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
توما توماس...ما مرة نام قبل الليل بل كان الليل صديقه
     

بقلم سمير عابد القس يونان
العراق في 19-10-2009

تمر الذكرى الثالثة عشر على رحيل جسد المناضل الكبير ابن القوش والعراق البار توما توماس المعروف بابي جميل الذي رحل ولم يرحل وأعطى ولم يأخذ شيئا حيث أصاب جسده الوهن والنهاية الحتمية أما روحه ووجدانه ماثل وباق لأنه أبى أن يترك القطيع خائفا على والمسن والرضيع ولربما يرتقي مقام الشفيع في هذا الزمن البائد السريع...أيها الشيخ الجليل أيها المناضل الفذ يا من انتصرت على ذاتك واتشحت بنيشان ووسام الرجولة عندما ذللت القيم الذاتية الدنيوية وتركت كل شئ لشئ تركت معملك وسيارتك ودواجنك ورتبتك وفلذات أكبادك أواخر خمسينات القرن الماضي لأجل طريق لأجل فكرة ربما كنت على قناعة أنها لا توصلك إلى مبتغى ولكنها الاصوب والأحق والاشمل والأعمق ولذلك ذهبت متغلغلا دهاليزها وأنفاقها لعلك سبرت أغوارها وارتشفت عطرها...ها نحن نحتفل بوجودك بيننا كل سنة لنعزز اسمك ونجسد كلماتك ونرسم من جديد الطرق الميسمية التي دشنتها في جبال كردستان العزيزة ونحن الآن أحوج إليك من أي زمن مضى لأنه زمن المخاض زمن الولادة الجديدة من عدمها زمن رجرجة المبادئ والأفكار زمن الانتفاع الخاوي زمن الجيب المنتفخ والكرش المتدلي زمن شحت الثقافة والمعرفة...أين تلك الأحداق التي شملت المسئ قبل المحسن أين تلك العين التي حمت بجفنها وهدبها عيون الآخرين من القشة والرماد والغبار تلك العين التي تعودت على الليل لربما أضحت مثل زرقاء اليمامة التي كانت ترى ببصيرتها وليس بعينيها ..انك وأقرانك كنتم عطايا وصواري كنتم شهب وقوس قزح كنتم طلاسم ورموز كنتم عراق بكامله حملتم جراحه وآهاته المزمنة ونمتم في الكهوف وعلى قمم الجبال همكم الوحيد كيف نولد العراق
ولادة جديدة ولادة طبيعية...أين زمانك أيها العم نضال بلا هوادة كر وفر دم وانين قهر وحنين أيام وسنين فهد ولينين مرفوعين الجبين خطط وتخمين الغاية دق الإسفين في صدر الشوفين...انك لم تأخذ أبدا وكنت تعطي من ضعفك قوة للمحتاجين وكان عطاءك سخيا واليوم نجدد البيعة لهويتك وهذا لا يعني انك في باقي الأيام خارج الوجدان والحنان وبعيدا عن الضمير والبصيرة ولكنك في الأحداق نظيرا وللأجساد حريرا دائما نستنجد بك ونستحضرك لنشحذ من حلمك زخما وعنفوانا وكبر ياءا وإصرارا لمجاراة الزمن العاتي بإنسانه ولسانه بحلمه المباح بدمه المراق ببابه المخلوع بثوره المذبوح باسمه المنقوح....إنني أتخيلك ممتطيا ذلك الفرس الممشوق حيث بوخزه بسيطة تراه يسابق الريح وذلك الزى الجميل المسمى بيش بز وأنت تغازل حبيبتك كردستان التي سطرت بجبالها واوهادها ملاحم
منحوتة على سفوح كاره ومتين وئيسماوة وبشتا شان ودزي وكيشان ودر كلي ومريبة وبامرني ورسمت لوحات ليست بريشة بيكاسو ودالي ولكن بشكيمة وهمة بطل ولدته الدنيا ليبقى سلوى للبائسين وحلم للتائهين والذين  لا ينامون وعكازه للذين لا يستطيعون السير والجري...كنت وستبقى ينبوعا لا ينضب
ارتوى من ماءه الرقراق الظمآن والحيران وأمدت الحقول والجنائن شريانا دمه قان وكان هذا الينبوع قد اخترق الجبال واستمر إلى وسط وجنوب البلد وأينما حل مذاقه معروف في تكريت وبغداد والدغارة وسوق الشيوخ والحيانية وأبو الخصيب...لم تردعك المصائب والمصاعب ولم تركعك الشدائد والقلائد ولم تثنيك المناصب والمكاسب ولم تغريك الأموال والأحوال أية طينة هذه لم تتعرف على الكراهية وكان يقول دائما أن هؤلاء الذين تراهم أعدائي هم بالحقيقة لا أمت لهم ذرة من البغضاء والكراهية وهم ليسو أعدائي بالمنظور والمفهوم المتداول بل هم أعدائي إيديولوجيا حيث نتقاطع بالأفكار والقناعات الفكرية وأثناء العمل الأنصاري في كردستان لم التقي بفرد لا يكن احتراما لهذا المناضل على الرغم من المآخذ المثبتة بحق حزبه ...كانت داره فترة الرخاء السياسي والذي انقلب وبالا على صاحبه كالمتحف يؤمه الجميع وفي هذا المتحف قطع أثرية من جميع الحقب الزمنية ومن جميع الحضارات التي تعاقبت على وادي الرافدين المسمى (ميزوبوتاميا) السومرية والاكدية في الجنوب والبابلية الكلدانية في الوسط والأشورية في الشمال هكذا كان حالك لا تعرف السكينة والراحة ومتحفك لا يعرف العطلة والأبواب الموصدة..
لقد كنت علما ومنارة كباقي الأعلام التي رفدت الحركة التقدمية والوطنية وذاع صيتك وصداك عبر الأصقاع ولم تكن ثوريا فوضويا بل هادئا ومتواضعا بل ومحبوبا وكم من عدو جاء لتنفيذ
مآرب خاص في تصفيتك والتخلص منك ولكن لحظة الزناد كانوا ينهارون معترفين بنواياهم وكنت تعفو عنهم ثم يطلبون منك أن يبقوا معك يقاسموك الحلوة والمرة... ستبقى نيشانا على صدور المحبين الطامعين بتلك الخصال والسجايا التي قلما تجتمع في شخص واحد وكنت جدارا منيعا للجميع والى عشيقتك القوش الحرة الأبية النقية انك وغيرك ممن يعرفهم التاريخ رسمتم تلك الهالة الوضاءة التي تقينا من كل سوء كما تقي مثل هذه الهالة القمر ويكفيك أن نتذكرك دائما
بطلا محبا خجولا عادلا صادقا مناضلا رفيقا أخا وصديقا مرحا شجاعا وعاقلا حاذقا ذكيا ألا يكفي كل هذا وختاما هناك الكثير ممن هم أحياء ولكن طلبوا الرحمة من زمن ليس بالقريب وهناك موتى قد رحلوا دنيانا هذه ولكنهم حاضرين معنا غير مرئيين كالملقن على المسرح يأخذ دوره عندما تشتد الأزمة عند الممثل وتخونه ذاكرته نعم هم بيننا أحياء يقاسموننا بكل شئ....