المحرر موضوع: الفيدرالية في البرلمان الكندي  (زيارة 654 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1290
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الفيدرالية في البرلمان الكندي
عبدالحسين شعبان
2009-10-26
نظم المركز الدولي للتجديد الحكومي (CIGI) ومؤسسة الخطوات البراغماتية للأمن العالمي (Stimson) ندوة دولية- فكرية في البرلمان الكندي حول المسألة الفدرالية، شارك فيها أكاديميون وباحثون وممارسون كنديون وأميركان وعراقيون في إطار حوار معرفي- ثقافي لموضوع حساس ومهم يتعلق بحاضر ومستقبل العراق.
وكان السفير القدير مختار لماني الذي عمل ممثلاً للجامعة العربية في بغداد، خلال عام 2006 و2007 واستقال من منصبه، قد نظم خلال الثمانية عشر شهراً الماضية عدداً من الفعاليات والأنشطة بهدف استكشاف رؤى وتصورات حول الهوية والمواطنة والمسألة الطائفية والأقليات والمستقبل العراقي، وذلك في نطاق مشروع ثقافي فكري غير سياسي لا يتعلق بالتفاوض أو المصالحة بين القوى السياسية، بقدر ما يمكن اعتباره مجسّاً لمواقف وأفكار وآراء النخب الفكرية والسياسية من موقع السلطة في العراق ومن خارجها، إزاء التحديات والإشكالات التي تواجه العراق راهناً ومستقبلاً، استناداً إلى تشجيع ثقافة الحوار وتبادل وجهات النظر، بإشراك عدد من الجامعات ومراكز الأبحاث الكندية والأجنبية.
ولعل هذه الندوة التي جاء تنظيمها في البرلمان وبحضور متميز، تكتسب أهمية خاصة، لاسيما أنها تلقي ضوءا كاشفا حول موضوع راهنيّ لا يزال الجدل بشأنه يكتسب أهمية فائقة، وربما يتوقف عليه مستقبل العملية السياسية، خصوصاً أن العلاقات العربية-الكردية، تشكل مرتكزاً أساسياً لها وركناً كيانياً من أركانها، بل من مقومات الدولة العراقية، منذ تأسيسها عام 1921 سلباً أو إيجاباً.
وبقدر وجود تجاذبات واختلافات واصطفافات كانت قد تشكلت أو قد تتشكل ما بعد الانتخابات النيابية القادمة في شهر يناير القادم 2010، فإن استكشاف هذه الرؤى يستند إلى تصورين أساسيين، الأول الذي ينظر إلى العملية السياسية باعتبارها حجر الرحى في تطور الوضع العراقي ولأية تغييرات محتملة، والثاني يراهن على ضرورة إجراء تغييرات بنيوية، إن لم يكن إلغاء العملية السياسية برمتها، ومع ذلك فالحوار اكتسب بُعداً معرفياً ضرورياً، فيما يتعلق بمصطلح الفدرالية ودلالته بعد أن قدم البروفسور ديفيد كاميرون من جامعة تورنتو عرضاً نظرياً لمفهوم الفدرالية وتجاربها المختلفة.
يمكنني القول إن مصطلح الفدرالية عراقياً دخل الأدب السياسي منذ عقدين من الزمان، واكتسب الحوار بشأنه بُعداً جديداً بعد غزو القوات العراقية للكويت في 2 أغسطس 1990، وشعرت بعض القوى بأن مشروع الحكم الذاتي قد انتهى منذ زمن، ولا بد من تطوير صيغة جديدة للعلاقة العربية-الكردية.
وإذا كان الحزبان الكرديان الاتحاد الوطني الكردستاني, والديمقراطي الكردستاني، قد ناقشا إرهاصاتٍ وأفكاراً تتعلق بمشاريع فدرالية، فإن الحزب الشيوعي العراقي والمجلس العراقي الحر منذ عام 1991، بحثا بصيغ أولية ومتبلورة فيما بعد، مشروع الفدرالية في أدبياتهما.
واستندت بعض النقاشات حول الفدرالية على التأثير الكبير الذي تركه صدور القرار 688 من مجلس الأمن الدولي، القاضي بوقف القمع الذي تعرضت له المنطقة الكردية وبقية مناطق العراق واحترام حقوق الإنسان السياسية، باعتبار انتهاكها يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وذلك في إطار تطور فقهي- نظري على أقل تقدير.
ولعل هذا القرار أعاد القضية الكردية إلى الأروقة الدولية بعد أن اختفت عنها طيلة 80 عاماً، وذلك بإسدال الستار على معاهدة سيفر (SEVER) المبرمة عام 1920 التي أقرت بجزء بسيط من حقوق الشعب الكردي، بتأكيد معاهدة لوزان عام 1923 التي تنكرت لمثل هذا الإقرار.
في 4 أكتوبر وبعد الانتخابات الكردية (مايو 1992) تبنى برلمان كردستان قانوناً للاتحاد الفدرالي (من طرف واحد) كصيغة للدولة العراقية (المقترحة). وفي مؤتمر صلاح الدين للمعارضة العراقية (نوفمبر 1992) وافقت القوى المشتركة فيه على صيغة الفدرالية، اتحاداً طوعياً للدولة العراقية المنشودة، بتحفظ الإسلاميين عند تفسيرها بوضع مصطلح «الولايات» مقابل الفدرالية (وكان هذا رأي حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى ومنظمة العمل الإسلامية وشخصيات أخرى)، وجاء هذا التغيير في مواقفها بإقرارها صيغة حق تقرير المصير للشعب الكردي (وإن جاءت مقيدة في موضع ومفتوحة في موضع آخر، بتأكيد عبارة دون الانفصال التي كتبها جلال الطالباني بقلمه) في مؤتمر فيينا (يونيو 1992). ولعل هذا التطور يعتبر نقلة غير مسبوقة في الموقف من القضية الكردية في إطار الموقف المشترك للقوى السياسية العراقية، لاسيما المعارضة.
ومع تأييد مشروط وتحفظ مكبوت حول الفدرالية، انتقل الحوار بشأنها إلى مواقع السلطة بعد احتلال العراق وسقوط سلطة صدام حسين، حيث شاركت في الحوار قوى وشخصيات جديدة، لاسيما من داخل العملية السياسية ومن خارجها، خصوصاً عند مناقشة قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، الذي تم إقراره في 8 مارس 2004، بعد أن كان قد أعد الصيغة نوح فيلدمان (الأميركي-اليهودي) وازداد النقاش سخونة عند بحث موضوع الدستور الدائم الذي تمت المصادقة عليه في 15 أكتوبر 2005، وأجريت الانتخابات على أساسه في 15 ديسمبر من العام ذاته، وجاءت حكومة نوري المالكي التي أعقبت حكومتي الدكتور علاوي والدكتور الجعفري بانتهاء عهد حكومة مجلس الحكم الانتقالي الأولى.
لكن مشكلة الفدرالية رغم إقرارها في الدستور لم تنته، بل ازدادت حدة وتعارضاً وتعقيداً، لاسيما في التطبيق العملي، ليس بين المؤيدين والمعارضين فحسب، بل من داخل معسكر الحكم إذا جاز التعبير، خصوصاً فيما يتعلق بالصلاحيات، وموضوع عقود النفط والمناطق المتنازع عليها والمادة 140 من الدستور الدائم, والمادة 58 من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، بخصوص كركوك، وغيرها من المشكلات التي أخذت تكبر بتنازع السلطات الاتحادية والمحلية (الإقليمية).
المشكلة الأساسية بشأن الفدرالية لا تتعلق ببعض العقد والإشكالات التاريخية فحسب, بل شملت بعض الحساسيات الجديدة بشأن مواقع وأدوار الأطراف المختلفة، فضلاً عن مناطق النفوذ والامتيازات والصلاحيات، ناهيكم عن الخلفيات السياسية والفكرية للأحزاب والقوى والجماعات السياسية، ومواقف بعضها «التاريخية»، معارضة أو اتفاقاً.
وكان موضوع الفدرالية مدار نقاش وحوار جدي داخل قبة البرلمان الكندي، خصوصاً بما له علاقة بمستقبل العراق ومواقف القوى المؤتلفة- المختلفة، والمتعارضة فيه، ولعل ما ورد في الدستور الدائم من نصوص زاد الأمر تعقيداً، باختلاف التفسيرات والارتيابات والتخندقات!، الأمر الذي يحتاج إلى نقل الحوار ليتخذ طابعاً ميدانياً أكثر عمقاً وشمولاً، وخاصة إذا اتسم بالحرص والمسؤولية على تأكيد الهوية العراقية العامة، في إطار احترام الهويات الفرعية وحقوق الكرد التاريخية، لاسيما إذا اكتسبت المسألة بُعداً قانونياً وإدارياً يستجيب لمتطلبات تطور الدولة العراقية وشكل نظامها السياسي.



7806 العدد - صحيفة العرب القطرية  الاثنين 26 أكتوبر 2009 م - الموافق 7 ذو القعدة 1430 هـ