المحرر موضوع: بغداد - واشنطن: للعلاقة تاريخ  (زيارة 600 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1288
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بغداد - واشنطن: للعلاقة تاريخ
بقلم عبد الحسين شعبان

بمبادرة من المركز الدولي للتجديد الحكومي CIGI ومؤسسة الخطوات البراغماتية للأمن العالمي Stimson، وباشراف وتهيئة من السفير مختار لماني ممثل جامعة الدول العربية في العراق الذي استقال من منصبه مطلع 2007 وألين ليبسون المستشارة الخاصة السابقة للبعثة الدائمة الاميركية في الامم المتحدة، إلتأمت ندوة مهمة في البرلمان الكندي بخصوص العلاقات العراقية - الاميركية والحوار حول المستقبل، وشاركت فيها نخبة من الاكاديميين والباحثين والممارسين العراقيين والأميركيين والكنديين. ولعل هدف الندوة هو تقديم قراءات ورؤى وتصورات حول مستقبل العلاقات بين بغداد وواشنطن.
وإذا كان هناك ثمة اختلافات في المنطلقات والاولويات والآفاق، فإن قراءة الحيثيات والمعطيات من زوايا نظر مختلفة، والجدل الذي دار بشأنها، شكّلت مجسّات وارهاصات لحاضر العلاقات ومستقبلها، سواءً قبل الانسحاب الاميركي من العراق أو بعده، لاسيما أن أهم ما ينصبّ الجدل حوله الآن، يتلخّص بالآليات والجداول الزمنية، إذا ما أخذنا في نظر الاعتبار ما هو معلن من الطرفين الرسميين، مع وجود تحدّيات، وربما معوّقات قد تحول دون تنفيذ ذلك، ناهيكم عن أجندات معلنة أو مستترة. وقد تسنّى لي كباحث مستقل المشاركة في الحوار وتقديم مطالعة بخصوص مستقبل العلاقات العراقية - الاميركية.
اعتقد أن قراءة ارتجاعية لتاريخ العلاقات العراقية - الاميركية تجعل من رؤية المستقبل أكثر وضوحاً، خصوصاً ما رافقها من منعرجات وتضاريس حادة، بحيث تجعل خريطة الحاضر ملتبسة، حتى بالنسبة الى نص القوى المحسوبة على واشنطن، لاسيما بعد احتلال العراق في العام 2003.
ان قراءتي التاريخية تشمل تقسيم العلاقات العراقية - الاميركية مراحل ست:
المرحلة الاولى اتسمت بصعود الحرب الباردة وتفاقم الصراع الإيديولوجي بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي. وقد شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تطوراً في العلاقات العراقية - الاميركية، لاسيما عند توقيع اتفاقية بين البلدين العام 1954، وتأسيس حلف بغداد العام 1955، وتعاظم الدور الاميركي في المنطقة، ترافقاً مع ما عُرف بمشروع "النقطة الرابعة"، وفي ما بعد بـ"مشروع أيزنهاور" العام 1957 لملء الفراغ. لكن هذه العلاقات سرعان ما تدهورت على نحو شديد اثر ثورة 14 تموز (يوليو) العام 1958، التي أطاحت بالنفوذ الغربي في العراق، وباستثناء فترة قصيرة تحسنت فيها العلاقات بعد اطاحة الزعيم عبد الكريم قاسم العام 1963، فإن العلاقات العراقية - الاميركية شهدت انحداراً سريعاً، خصوصاً بعد عدوان 5 حزيران 1967، وقد بادر العراق الى قطع علاقاته مع واشنطن متهماً ايّاها بالانحياز الكامل لاسرائيل.
المرحلة الثانية هي التي تبدأ من العام 1968 اثر مجيء حزب البعث الى السلطة وتنتهي في العام 1980. واتسمت العلاقات في هذه الفترة بنوع من التوتر والتعارض والعدائية، لاسيما عند تأميم النفط العام 1972، وبعد حرب اكتوبر العام 1973 واستخدام النفط كسلاح في المعركة. وخلال هذه الفترة احتسبت الولايات المتحدة العراق ونظام حكمه، على ملاك النفوذ السوفياتي، لاسيما بتوقيع المعاهدة العراقية - السوفياتية في نيسان 1972 وعقد الجبهة الوطنية مع الحزب الشيوعي العام 1973.
ولهذا السبب سعت الولايات المتحدة لاضعاف العراق وجيشه، وشجعت اندلاع القتال بين الحركة الكردية والحكومة العراقية، وقد عبّر الملا مصطفى البارزاني بمرارة عن انعدام ثقته بواشنطن بعد توقيع اتفاقية 6 آذار العام 1975 المعروفة باسم "اتفاقية الجزائر" بين شاه ايران وصدام حسين، وعلى اثر ذلك انهارت الحركة الكردية المسلحة، الأمر الذي كان مساومة على حسابها بررها هنري كيسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة، بافتراق السياسة عن الاخلاق. ولعل ذلك كان أول إشارة لحساب تحسين العلاقات بين البلدين.
المرحلة الثالثة هي فترة الحرب العراقية - الايرانية (1980-1988) التي شهدت عودة غير مباشرة للعلاقات العراقية - الاميركية، حيث كانت واشنطن ترغب في اطاحة الثورة الايرانية التي قضت على شاه ايران العام 1979، ولعل ذلك كان عنصر تشجيع لبغداد أيضاً. وبالامكان وصف هذه الفترة بـ"شهر العسل الصامت" أو "الزواج غير المعلن"، فالعلاقات ظلّت مقطوعة رسمياً، لكن الكثير من الشركات الاميركية اعادت عملها في العراق، وكان دونالد رامسفيلد الذي أصبح وزيرا للدفاع في عهد الرئيس بوش وساهم بحماسة في غزو العراق، زار العراق والتقى الرئيس العراقي السابق صدام حسين، العام 1984.
وخلال فترة العدوان الاسرائيلي على لبنان واحتلال العاصمة بيروت، ادلى الرئيس السابق بتصريحات (في آب 1982 أثناء استقباله عضو الكونغرس الاميركي سولارز لم تنشر الاّ بعد مرور نحو 4 أشهر في جريدة الثورة العراقية كانون الاول 1982) ما يفيد استعداد العراق للاعتراف باسرائيل، وفد فسّرت المسألة في حينها تكتيكاً لكسب واشنطن، عندما كانت الحرب تتخذ مسار التراجع من الجانب العراقي بعد تشديد الهجمات الايرانية، وبخاصة بعد معركة المحمّرة (خورمشهر) 1982 واعلان العراق سحب قواته، ومحاولة ايران اختراق الاراضي العراقية وعبور الحدود الدولية.
وحسب الجنرال (وفيق السامرائي) مدير الاستخبارات العراقية الاسبق فقد كان ممثل عن "السي آي إي" يداوم في مقر الاستخبارات العسكرية لتقديم الخبرة والدعم للعراق في حربه ضد ايران، ولعل هذه اللعبة كان الاميركيون مارسوها على نحو مزدوج مع الايرانيين، حين كانوا يسلّمون صور الاقمار الاصطناعية لاستمرار الحرب.
المرحلة الرابعة بدأت بعد غزو القوات العراقية الكويت في 2 آب 1990 حيث عادت العلاقات العراقية - الاميركية الى التدهور حتى وصلت الى نقطة اللاعودة بعد مغامرة صدام حسين. واستمرت هذه المرحلة الى العام 2003، وشهد العراق خلالها حربان ضده، الأولى سمّيت "حرب تحرير الكويت" ابتدأت في 17/1/1991 واستمرت 42 يوماً وانتهت بانسحاب القوات العراقية من الكويت بعد هزيمتها في 28 شباط من العام ذاته، وكانت هذه الحرب في الوقت نفسه "حرب تدمير العراق" وبنيته التحتية ومرافقه الاقتصادية والحيوية.
أما الحرب الثانية فهي حرب قوات التحالف ضد العراق، والتي انتهت بوقوعه تحت الاحتلال في 9 نيسان 2003، وإذا أردنا إضافة "الحصار الدولي" المفروض بقرارات مجلس الامن التي زادت على 60 قراراً فإنه يمكننا الاشارة الى حرب ثالثة استمرت 13 عاماً، وعانى العراقيون خلالها من مجاعة حقيقية ومحق لانسانيتهم، فاقمت من مأساتهم، وتركت هذه الفترة تأثيراتها السلبية الخطيرة على حاضر العراق ومستقبلهم اجتماعيا ونفسياً وعلى بنيته المجتمعية.
وإذا كان العراقيون في قسمهم الاكبر والأغلب يتطلعون الى الخلاص من الديكتاتورية، فإن سقوط نظام صدام حسين أدى الى انهيار الدولة العراقية، لاسيما بحل مؤسسة الجيش، العابرة للاثنيات والطوائف، والتي عمل بول برايمر على تفكيكها فاضطر العراقيون للاحتماء بمرجعياتهم التقليدية، بعدما فقدوا مرجعية الدولة الحامية ومؤسستها العسكرية والأمنية.
المرحلة الخامسة كانت بعد الاحتلال وشهدت فترة قصيرة تولى فيها الحاكم العسكري الاميركي جي غارنر الحكم المباشر وانتهت بتسليم بول برايمر مقاليد السلطة المطلقة في 13 أيار 2003 وبقائه فيها لغاية أواخر حزيران 2004، رغم وجود ما سمّي مجلس الحكم الانتقالي.
ويمكن القول ان علاقات بغداد - واشنطن من عام 2003 وحتى العام 2008، هي الأشد سوءا بالنسبة الى العراقيين، لاسيما خلال فترة الرئيس بوش، حيث عانى العراق من نظام المحاصصة الطائفي والمذهبي والاني، وشهد عنفاً لم يكن معروفاً على الاطلاق، وارهاباً منفلتاً من عقاله، وميليشيات متنوعة وفساداً ورشوة، وقد ظل الوضع الامني رغم التحسين هشّاً وقلقاً.
أما المرحلة السادسة فهي مرحلة الرئيس باراك أوباما والتي لا تزال مستمرة. وقد سألني معهد كارنيغي بعد نجاح الرئيس أوباما في استطلاع لعدد من المثقفين العرب: ماذا يريد المثقف العربي من الرئيس الاميركي الجديد؟ وأظن أن إجابتي تتضمن رؤيتي المستقبلية للعلاقات العراقية - الاميركية، لاسيما بعد الاخطاء والخطايا الفادحة للرئيس بوش طيلة فترة حكمه، وبخاصة بعد احتلال العراق، وأجبت أنه يريد:
-1 انسحاب القوات الاميركية من العراق بأسرع وقت ممكن طبقاً لوعود الرئيس أوباما.
-2 اعادة بناء العراق لأن ذلك جزء من مسؤولية الولايات المتحدة، التي عليها تعويضه.
-3 مساعدة العراق للخروج من الفصل السابع طبقاً لأحكام ميثاق الامم المتحدة وقرارات مجلس الامن الدولي.
-4 مساعدة العراق في الحفاظ على وحدته واستعادة سيادته، وذلك لمواجهة محاولات التدخل الاقليمي بشؤونه.
-5 دعم وتشجيع الخطوات نحو الديموقراطية والاصلاح في العراق ولدى دول المنطقة في إطار التعايش السلمي المجتمعي للمكوّنات المختلفة، وتحقيق أمنها الانساني في إطار دولة مدنية حرة عصرية.
-6 مساعدة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه والضغط على اسرائيل لوقف العدوان وبشكل خاص على غزة، وإيجاد مخرج عملي لفكرة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة.
أعتقد أن الحوار بين بغداد وواشنطن لا بدّ أن يتضمن هذه المحاور الاساسية، سواءً احتوتها الاتفاقية الأمنية أم لم تحتوها؟ وذلك بهدف استعادة الثقة بين العراقيين والاميركيين التي لا تزال مفقودة حتى الآن. وقد أدرك الرئيس أوباما الهوة السحيقة بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والاسلامي، فدعا من على منبر جامعة القاهرة الى حوار وتعايش وتسامح بين الاديان والثقافات والحضارات.

كاتب عراقي
جريدة النهار اللبنانية العدد 23873 تاريخ 12/11/2009