المحرر موضوع: الدين من منظور التحليل النفسي  (زيارة 4922 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عمانويل ريكاني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 147
    • مشاهدة الملف الشخصي
  
     الدين من منظور التحليل النفسي


                                                              
بقلم عمانوئيل يونان الريكاني


 

يعتبر سيغموند فرويد 1856_1939مؤسس مدرسة التحليل النفسي ومن رواد علم النفس الحديث ومن أعظم مفكري الحضارة الغربية واهم والمع منظريها . لقد احدث ثورة كوبرنيقية في عالم الفكر والواقع باختراقه خبايا النفس المجهولة وسبره أغوار أعماقها السحيقة واكتشافه منطقة اللاوعي الذي هو جزء أساس من بنية العقل البشري من خلاله نفهم ونفسر القوانين التي تتحكم بالسلوك الإنساني،

بعد إن كان الوعي أداة المعرفة الوحيد في المذاهب الفلسفية والنفسية الكلاسيكية .فهو أي اللاوعي أو العقل الباطن مخزن كل الذكريات الأليمة ومستودع الغرائز الجنسية والدوافع اللاعقلانية التي لم تتح البيئة فرصة لتحقق الإشباع فتم لجمها ونكرانها وقمعها لكنها لم تتبخر أو يلفها النسيان مهما حاول الوعي جاهدا طردها من دائرة تفكيره وإبعاده من منطقة شعوره فهي تبقى قابعة في العقل الباطن تظهر على شكل فلتات لسان أو أمراض نفسية أو اضطرابات شخصية أو أحلام مزعجة ، ويعتبر الليبيدو أو الطاقة الشهوية محور نظرية فرويد كلها ،فهو المحرك الوحيد لفهم السلوك الإنساني ويرتبط باللاشعور والهو والقوى المظلمة داخل الإنسان التي لن تحتك بالحضارة وهو غير منطقي وغير أخلاقي . سنحاول من خلال هذه الفكرة المبسطة ومن خلال الإطار العام للنظرية إن نلج في الموضوع ونتعرف على موقف فرويد من الدين وكشف نقاط ضعفها والنقد الموجه له .

 

                                                           نظرية فرويد في الدين

 

إن خلاصة نظريته في الدين نجدها في كتبه " مستقبل وهم " و (قلق في الحضارة ) و (موسى والتوحيد ) .ومفادها إن الدين وهم والمتدينين مصابون بالعصاب الجماعي ، فهو من اختراع الإنسان العاجز عن التكيف مع الواقع والفاشل في إشباع حاجاته ورغباته (خاصة الجنسية ) نتيجة القمع الاجتماعي لها ورقابة الأنا الأعلى القاسي (شرطي الذات )الذي صاغته التربية الدينية المتزمتة .إن هذا الوضع الذي لا يطاق جعل الإنسان يهرب من هذا الواقع المؤلم والمرير ويبتدع له عالم آخر من الأوهام والخيالات والأحلام تعزية لنفسه ودواء لبؤسه فهو أي الدين دخيل وليس أصيل على الطبيعة البشرية فرضته ظروف الإنسان القاهرة .وان فكرة الله ماهي إلا ( تكرار تجربة الطفولة ) فالأب هو رمز الله المشرع والمتسلط والمسيطر والقادر على كل شيء في نظر الطفل .فالطاعة التامة والخضوع الأعمى المفروض عليه تسبب له جرح نفسي عميق ونزيف داخلي حاد ولا يمكن أن يندمل إلا بتحمله المسؤولية الكاملة والتحكم في مصيره للخلاص من العبودية القاتلة وهذا مستحيل لصغر سنه لذا يعيش في صراع نفسي مرير نتيجة المشاعر المتناقضة التي يحملها في داخله تجاه الأب لأنه الحب والكراهية الرب والشيطان فهو يحبه لأنه يوفر له حاجاته المادية من ملبس ومأكل ...الخ ،ومعنوية من حب وحنان وحماية .ويكرهه لأنه يسلب ذاته وحريته باسم المحرمات والممنوعات والنواهي ، ناهيك عن مشاعر الاوديبية التي تنتابه حيث تكون الأم موضع المنافسة بينه وبين أبيه .هكذا يكون إيقاع حياته عبارة عن ذبذبة بين الفرح والحزن السعادة والتعاسة الأمل واليأس وينتظر بفارغ الصبر مرحلة النضوج الذي يكون قادر على اتخاذ قراره التاريخي حيث يكون نقطة تحول في حياته ومصيره وهو الاستقلال عن سلطة الأب والتحرر من رواسب الطفولة كمطلب نفسي وعقلي .بما إن الله انعكاس لخبرة الأب السلبية فموته واختفاءه من حياته هو ثمن الحرية الحقيقية التي ينشدها الإنسان حسب اعتقاد فرويد .نظرة نقدية إلى نظرية فرويد في الدين :ظهر فرويد على مسرح التاريخ في القرن التاسع عشر حيث صراع الإيديولوجيات الكبرى من اجل فرض رؤيتها الأحادية إلى الإنسان والتاريخ والكون وعلى المجتمع والحضارة .وقد كانت العلمانية الشمولية آنذاك في عنفوان شبابها مصدر الهام كثير من الفلاسفة والمفكرين ومعاداة الدين أصبحت موضة العصر ومذاق حضاري .وأطروحة اوغست كومت مؤسس علم الاجتماع المعاصر في مراحل تطور الفكر البشري :المرحلة اللاهوتية _ المرحلة الميتافيزيقية _ الوضعية العلمية هي الوحي المقدس ومنطلق كثير من النظريات الفلسفية والاجتماعية الذي رأت في  الدين طفولة العقل البشري والقضاء عليه شرط التقدم والتطور. هذا هو المناخ الفكري السائد الذي كان يرى الدين شيئا عفا عليه الزمان ومن رواسب ذهنية بدائية وموت الله حاجة إنسانية وحضارية .لا شك إن فرويد تأثر بشكل أو بآخر بهذه الأفكار المصابة بفيروس الإيديولوجية التي تعاني من ارتفاع حاد في درجة حرارة الفكر الرغبوي العاجز عن إدراك الواقع لأنه محكوم بالأفكار الجاهزة والأحكام المسبقة .لذلك يكون فريسة سهلة للسقوط في التيه والظلام .فالتبسيط واختزال أي ظاهرة بشرية إلى بعد واحد كالتفسيرات المادية الأحادية هي الشباك التي سقط فيها فرويد وغيره واختنقت نظرياتهم بحبالها .فالدين ظاهرة بشرية مركبة ومعقدة ذات أبعاد مختلفة ومستويات عدة فلا يمكن فهمها ومعرفتها إلا في كليتها دون تقطيعها وتجزئتها . وان توخينا الدقة والانتظام فيجب الإحاطة بها من كل جوانبها ووضعها تحت مجهر العلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع _ علم النفس _الانثربولوجية _التاريخ الإنساني حتى يمكن من خلال نماذج مركبة رؤية علاقة الكل "العام "بالجزء "الخاص "بدون أن يفقد أي منهم استقلاله ووجوده .لتوضيح هذه الصورة نضرب مثلا لذلك : نفترض إن رجلا أرسل ثلاثة أشخاص إلى الهند كل على انفراد لجلب حيوان الفيل ،وذهبوا إلى هناك واخذ كل واحد منهم جزء من جسم هذا الحيوان احدهم الذيل والأخر الأذن والثالث الخرطوم وعادوا فرحين بانجازهم المهمة المطلوبة وقدم كل واحد منهم الجزء الخاص به مدعيا انه هو الفيل لا شك أصيبوا بدهشة عندما أجابهم الرجل بان الحيوان المطلوب غير موجود أمامه لسبب منطقي وواقعي لان الصورة المتكاملة غائبة والجزء لا يمكن أبدا أن يفسر الكل .هكذا فعل بالدين أعداؤه فمزقوه والقوا القرعة عليه كما فعل اليهود بثوب المسيح الكل يدعي امتلاك الحقيقة وحده .                                         الدين ضرورة حياتية                                                       انتقد تلاميذ فرويد معلمهم في تفسيره الآلي للسلوك الإنساني ومبالغته في دور الجنس في حياة الفرد وتأليهه للذات وتجاهله للعوامل الثقافية والاجتماعية .فلا يمكن رد الفرد إلى صيغ طبيعية / مادية ،فهو بالإضافة إلى العناصر الطبيعية التي فيه يحوي في داخله من الأسرار مايجعله يتحرر من ثقل المادة حيث تتشابك في أعماقه المحدود واللامحدود المعلوم والمجهول العقل والقلب الروح والجسد ولا يمكن أن يكون الإنسان مجرد كائن جسماني همه الأول والأخير قضاء شهوات بهيمية فقط .فالبحث عن المعنى وتقدير الذات والمصير المستقبلي ديدنه الذي يجعله يفلت من قبضة العملية البيولوجية .يرى اريك فروم فيلسوف وعالم نفس وناقد اجتماعي أمريكي في كتابه الهروب من الحرية1941والتحليل النفسي في الدين 1950ان الدين حاجة إنسانية عميقة وإجابة مستفيضة عن أسئلة الوجود الإنساني ةاكسير الحياة الذي يخلص الانسان من الاغتراب .ويستند الوجود الانساني الى كل من التفكير العقلي والايمان الديني بالتاليف بينهما يضع الانسان على الطريق الصحيح لتحقيق انسانيته الكاملة .ويفرق فروم بين اتجاهين دينيين الاتجاه الشمولي الذي يفقد الانسان ارادته حيث يعاني من العبودية والاغتراب نتيجة صورة الله المشوهة التي افرزتها ثقافة وحضارة بائدة واصابة المؤسسات الدينية بالمرض المزمن السلطوية والبيروقراطية ... والاتجاه الانساني حيث يؤكد الانسان ذاته ويمارس احساسه بالمسؤولية عن محبة وحرية .ان الله ليس فكرة وهمية او صورة سلبية تعكسها مراة الاب الارضي المشوهة بل هو مثال الابوة الحقيقية ومصدر الحب والحرية ولا يمكن اعتباره رمزا تخيليا لانسان اخر كالاب مثلا ..كانت لنا معه تجارب انفعالية . وان الدين والقول لفروم ليس تعبير عن كبت وعصاب كما يظن فرويد بل ان الانسان المتدين يشارك الاخرين مشاعره واحاسيسه بينما العصابي يعيش في عزلته وان هناك في كل الاديان جوهرا قيميا اخلاقيا . لذا فان الدين يعتبر ترمومتر الحياة الانسانية ،سخونته تعلو بها نحو الكمال الروحي وبرودته تهبط بها الى الدرك الاسفل حيث الانعاش والموت .

 

Emmanuell_y_ alrikani_ 2009 @YAHOO>COM[/color
]