المحرر موضوع: سعاد العريمي وعشق الشناشيل  (زيارة 1995 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل rashid karma

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 499
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
سعاد العريمي وعشق الشناشيل


   رشيد كَرمة

كانت قد سمعت ( سعاد ) الأماراتية  بالبصرة كحدوثة أو كحكاية من حكايا الجدات , البصرة الجزيرة , العائمة و السابحة في البحار , وتكاد ان تكون كل رمالها ماء , بل كادت ان تكون البصرة هي عالمها الخاص لفرط ما سمعت عنها , مما شكل عندها وعيا خياليا ًان البصرة مستقلة لا تخضع لجغرافية او سلطة ما , والبصرة بالتالي اسم مرادف للشناشيل , وأي شناشيل ؟ انها شناشيل رب الشعر السياب , فهو الحب وهو الزمن بماضيه وحاضره ومستقبله .
و في مجتمع ذكوري , ولدت سعاد زايد العريمي , في أمارة العين , وهي واحدة من امارات عدة إتحدت لتكون وحدة اجتماعية إقتصادية عرفت منذ الثمانينات بدولة الأمارات العربية المتحدة , اكملت دراستها الإبتدائية والمتوسطة في مجتمع أكثر من محافظ , تلجأ فيه المرأة الى كبت كل شئ , وتتحول الأشياء جميعها الى حرام ومنع ومصادرة  , وتتجه الأنظار الى _ الطارق _ القادم ليكون المنقذ ويكون الخصم والحكم .
وجرت العادة وهو العرف السائد في المجتمع الخليجي ان تتزوج ( البنات ) في سن مبكرة , وسعاد ليست استثناءً . ولكن الصدفة ربما هي الإستثناء من القاعدة  إذ جائت لتحقق حلمها في رؤية البصرة مع فارس الأحلام زوجها الذي سيكمل تعليمه في جامعة بغداد  ولربما سينال شهادته العلمية من بغداد التي لاتمت بصلة الى البصرة في مخيلة فتاة لم تبلغ بعد عامها الثامن عشر .
وما ان استقرت بها السيارة  في صفوان حتى تنادى لها السياب مُرحِبا ً, ووفيقة مطلة من  شناشيل بيوت البصرة بعيون المها .
وإذ تصل الى بغداد لتكمل تعليمها في اعدادية الأعظمية , وتتسع رؤاها من عبق تاريخ العراق ومن شطيه والجرف والمنحنى *, وتستقل ( الأمانة ) ** حيث لابد من الصعود الى الطابق العلوي لتمعن النظر الى الناس ولتحفر في ذاكرتها نصب الحرية*** ,  وتدون بهدوء ماقاله السياب  في قلبها وترسم  كل العراق ووجعه ِ. واذ يتوجب عليها كتابة مادة انشائية في احد فروع اللغة العربية , حتى تقترب منها الأستاذة حذام مدرسة اللغة العربية لتخبرها بانها ستكون مبدعة ان باشرت الكتابة في الفن القصصي ,
وبين الحلم والخيال وبين الطموح والرجاء وبين التردد والإقدام تعمل سعاد بلا كلل وتكمل دراستها الأكاديمية  بتفوق وبتشجيع من استاذة عراقية أُخرى ( سلوى ) تبدأ مغامرة الكتابة , بعد ان عبأت في جوفها ما قاله كل أدباء العراق وبعد ان استلهمت نباهة شهرزاد
لتكمل سعاد ما سكتت به اختها  عن الكلام المباح ,
واليوم اذ تمارس التدريس في جامعة الأمارات العربية المتحدة وهي تحمل لقبا علميا تستحقه بجدارة التقيتها مع جمع من جالية عراقية تؤمن بان الإنسان طاقة خلاقة وبأن المرأة لا تختلف عن الرجل بشئ وبانها قادرة على انتزاع حقوقها بمختلف الطرق والأساليب ومنها الأدب وتحديدا القصة وقد ولجت اليه عددا ً من فتياتنا الخليجيات . 
الدكتورة سعاد زايد العريمي / تدرس مادة التنمية في كلية العلوم الأنسانية والإجتماعية
جاءت الى السويد لحضور مؤتمر علمي .
لها من الإصدارات : مجموعة قصصية .. طفول
                        مجموعة قصصية .. حقل غمران
   ربما ستباشر تجربتها الروائية بعد ان تمكنت من مسك ادوات الكتابة وهي تحاول الفكاك من عبء العمل الأكاديمي ,
بسيطة في التعامل مع الآخرين , لا تستعرض امكاناتها الأدبية وقرائتها بالقدر الذي يوحي انها الأقدر والأعلم  وهو تواضع يسجل لصالحها .
لضيق الوقت لم استطع قراءة كل النصوص في المجموعتين القصصيتين وأحاول مستقبلا ذلك ولكنني سأشير الى ان طفول اسم فتاة من إقليم ظفار استشهدت على يد الفاشست العمانيين واذ تنجح سعاد في ربط الحدث  هذا مع استشهاد سناء في جنوب لبنان برمزية غير معقدة فهي تشير ببراعة الى ناظم حكمت حينما قال : اذا انت لم تحترق ... وانا لم احترق.. . فمن سيضئ لنا الطريق ؟   فالشهداء يتشابهون في الملامح اينما كانوا ( كل الوجوه السمر استدارة جنوبية ًص23 )  ورغم المرارة والأحساس بالملل من كثرة المشاهدة  والتدوين الأ ان ضمير المتكلم ( القاصة ) متفائل و حاضر يسترجع ذكرى الطفولة واللعب مع الشهيدة طفول (اه انني تعبة وما زلت في انتظارك ياطفول..طفولتي ..في كل مساء انتظر مبتهجة  ص24 )
ولقد قرأت القاصة  ذو الملامح العراقية الودودة الدكتورة سعاد زايد العريمي جزء ً من مجموعتها القصصية طفول الذي يحوي على 18 ثمانية عشرة قصة قصيرة كتبت بين أعوام 1983_1988 والمجموعة من منشورات اتحاد كتاب وادباء الإمارات / الطبعة الأولى  1990ومن الجدير بالذكر ان القاصة الأماراتية كانت في ضيافة النادي الثقافي الأجتماعي / يتبوري الذي يستحق شكري لنشاطه في هذا الموسم واسجل للأخت رمزية وانوارالبياتي وغيرهن حضورهن المتواصل والرائع فمرحى للمرأة المنتجة اينما كانت .
                        .......................
                          طــــــفول
جرائد الصباح , تصفعني كل يوم باخبار الدمار المستشري في هذا الكون فأكتئب أنا وتغادرني البهجة في كل صباح ..أي صباحات هذه التي تبلد الأحاسيس الندية ..!!وتقطع آمالنا بشفراتها الحادة ..!!
في كل صباح تلفني ظلمة مجنونة وافتش بجهد في زواياي القاتمة عن نقطة مضيئة ..وأراني أتوغل في عمق طفولتي .. ويطل على وجهك الذي يستدير في كل اللحظات ..جرائد الصباح .. هذا الصباح كانت تحمل وجها مستديرا ًيضئ كل الأزمنة .. وكان صباحا ًمختلفا ً بالضرورة هذا الذي تشرق فيه الأقمار المستديرة ..
أوه طفول أين أنت ..فتشت عنك ولكن ؟!!
لا أدري ياغمرة الفرح أنت .. كيف افترقنا .. أي زمن هذا الذي يقذف بنا بعيدا ً !!  وأي رمال متحركة هذه التي تبتلع الجذور .. كل الجذور !! كانت شواطئ الخليج مسرحنا ورماله الناعمة تلاعب قدمي , قدميك .. أما هو فكانت قدماه تنغرس كالرماح .. ذلك الفتى ذو الوجه النحاسي .. تتقاطر الفرحة من مسام بشرته ويضحك كالطفل .. ويوزع نظراته بيني وبينك ..ويستقر على ثغرك الوضاح .. أتذكرين ؟؟!!عندما يداعب الموج وجوهنا المعفرة بملوحة البحر .. كنا ثلاثة ذات مساء حينما هاجت الأمواج تحاول ابتلاعي .. وقتها صرخت مستنجدة وكنت بجانبي تضحكين .. تنفست أنا بصعوبة وضحكت باشراقة طفولية .. ورحنا نحن الثلاثة في موجة من الضحك البرئ (( هل تعلمين بأن البراءة قد انتحرت منذ زمن .. إحتجاجا ً على الطفولة ؟!!)) لا أدري كيف تقبلنا الخبر انا وأنت .. قيل بانه غطس في أعماق الخليج واستقر هناك كرمح يصعب انتزاعه !!
كان الوقت ليلا ًعلى ما أذكر حينما عاد أحدهم بالقارب المشؤوم ولم يعد صاحبه ولم نجتمع نحن الثلاثة في ذلك المساء ولم ترتسم خطواتنا على شاطئ الخليج .. فقط كنا أنا وأنت كحمامتين حزينتين وشعرت وقتها بجمود اللحظات .
آه طفول , أي مساء هذا الذي يقطع أوصال البهجة بشفراته الحادة ؟! وأية ظلمة خانقة تلفنا أنا وأنت ؟
كنا ثلاثة وأصبحت واحدة .. أنا التي تلفني الوحدة ويغمرني الرحيل .. كل الطرقات عبدتها خطواتي المليون .. ومن كل الجهات يأتي مسائي بشفراته الحادة ليقطع كل الخيوط التي تربطني بهذه الأزمنة.. ويشدني اليك يا طفولتي .. ويهل على وجه طفول الذي يستدير في كل .. ربما تأتين ياطفول وقد يأتي هو .. لقد انتظرتك وانتظرته وما زلت .
جرائد الصباح كانت تحمل وجهك يا طفول .. وكان صباحا ً مختلفا ً بالضرورة هذا الذي تشرق فيه الأقمار المستديرة .. ولم أتنفس .. تذكرت أمواج البحر عندما كانت تداعب وجهي المعفر بسمرة الجنوب .. وعندما تنفست هواء حلوا ً مقدسا ً صرخت : طفول .. وخلتك بجانبي ركزت كل حواسي على تلك الإستدارة .. وقيل لي (سناء ) عروس من ذالك الجنوب ..!! وقلت لهم طفول .. وربما تكون ستاء .. كل الوجوه السمر إستدارة جنوبية ..
ويطل على وجهك الذي يضئ كل المسافات ..
 لم نقل كلمة وداع .. فقط قلت سترجعين .. وربما نلتقي ذات يوم .. ولم نلتقي .
مساءاتي التعبة تؤرجحني في سماء الجنون .. وتجتاحني رغبة جارفة في إشعال الحرائق ..
وحرائقي الداخلية لم تنطفئ بعد .
وأنت ياسماء جنوني سأطفئ كل نجومك المشرقة .. والتي تشرئب نحو الإشراق .. هكذا إنتقاما ً أو ربما رأفة بـ((. ..))؟!!
آه انني تعبة وما زلت في انتظارك ياطفول .. طفولتي .. في كل مساء أنتظر مبتهجة.. وفي كل صباح تغادرني البهجة .. تصفعني .. جرائد الصباح .. وجوه الصباح .. ومشاغل الصباح وسخافاته .. كل صباحاتنا قاتمة .. لذلك لم أرها منذ دهر .. استعضت عنها بنقيضها .. ليس لأنه أكثر اشراقا ًوإنما لأنه تتكشف فيه كل الحقارات .. وأبفى أنا كمتفرجة أشاهد بملل وأسجل شهاداتي .. أنا التي عينت نفسي حارسة لهذا المساء وكل المساءات الآتية ......
وهاهي سناء تطل علينا وتبتسم كشعلة تضئ كل الأزمنة .
أحدق فيها بانشداه واعجز ويستعصي على الفهم .. ورغم كل الإيضاحات ما زلت أرى فيها استدارة وجهك يا طفول ....
                                                                   كتبت في 2/ 9 / 1985
 ........................
                                  الهوامش :
* اشارة للشاعر الخالد الجواهري                                                       
                  ** ألأمانة  يطلق العراقييون هذه الصفة على السيارات الحكومية لنقل الركاب *** اشارة لجدارية جواد سليم         
(1)  تنويه   عاشت القاصة سعاد العريمي 8 ثمان سنوات في العراق و في فترة إتسمت بانها  من انشط الفترات الثقافية في العراق وغادرت العراق في عام 1980   

رشيد كرمة      السويد  3 تموز    2005