المحرر موضوع: كلام في التراث - ألأنسان والأرض في أدب وادي الرافدين  (زيارة 2051 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صبري يعقوب إيشو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 111
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كلام في التراث
ألأنسان والأرض في أدب وادي الرافدين
صبري يعقوب إيشو

إن علاقة الأنسان بالأرض هي علاقة وجودية نابعة عن علاقة كونية شاملة وتفاعل حياتي ضروري . وقد عبر الإنسان عن هذه العلاقة عبر تاريخه المديد   
نظرياً وعلميا بأشكال شتى ومفاهيم متعددة وذلك وفقاً لعقليته الحضارية والثقافية الخاصة , والتأريخ مشحون بأمثلة فيها من التطرف في الرأي كما فيها من الأعتدال . فهناك من أخذ بالأنقسام والأنفصام بين الأنسان والأرض , وهناك من غيب الأنسان وحتى الأرض أحياناً في عالم فوقي هو عالم الآلهة والأجرام السماوية ...                                                                                     
لكننا إن تأملنا في أدب وادي الرافدين بعمق , إكتشفنا نظرة منفتحة على الكون
تشد الأنسان إلى المادة , وتحلق به في الوقت نفسه إلى أسمى ما في الكون من وجود .                                                                                           
فإن الأدب السومري يصور لنا السماء والأرض متحدتين في الأصل إتحاداً وثيقاً
ومتماسكاً . ف (البحر الأول ) أو ( ألأله نموّ) هو في أصل السماء والأرض .     
والكون هو السماء والرض معاً بهيئة جبل قاعدته في أسفل الأرض ( ألعالم السفلي) ورأسه في أعلى السماء ( ألأعلى العظيم ) .                                     
ألسماء هي في حوزة الأله ( آن) وفيها كل شئ خالد ونفيس ومستنير و بينما في العالم السفلي تراب وظلام ولا رجعة ومقر الآلهة ( أريشكيجال) .                   
يتسم إنفضال ألسماء عن الأرض , وولادة الأرض بالتالي من تزاوج إله السماء بآلهة الأرض  كي  فيولد أنليل إله الهواء . ويلد إنليل من إله القمر ألكواكب  الأخرى فيكون الضياء ويخلق اليوم الطيب ويتوفر الخصب والرخاء في الأرض.
ويلد إله الماء أنكي إله الزرع , بينما يرسل أنليل وأنكي إله الماشية وإله الغلة إلى الرض , فيتحقق الخير وتزدهر الحضارة .                                               
وإذا ما حذفنا نظرية تعدد الآلهة التي كانت قائمة لدى قدامى شعبنا , واستبدلنا ذلك بفكرة الخلق ونظرية النشوء , نكون حيال فكر عميق وواقعية علمية , تتجلى إنسانيتها مثلاً من نص قصيدة قديمة مطلعها :                                             
’ بعد أن إبتعدت الأرض عن السماء
بعد أن إنفصلت الأرض عن السماء
بعد أن عيّن إسم الأنسان ...     ( ألأساطير السومرية , كريمر  ص 63
يفهم من ذلك أن تسمية الأنسان لها علاقة صميمة بانفصال الأرض عن السماء ,
والأنفصال هنا بمعنى بمعنى الولادة او النشوء . فهناك إذن علاقة كونية  بين الأنسان والأرض , حتى ليمكننا القول أن الأرض هي أم الأنسان وإن الأنسان وليدها وصانعها معاً .                                                                         
ويتضح دور الأنسان كذلك من أسطورة ( إيميش وإينتين) الشبيهة بقصة هابيل وقايين ألواردة في التوراة , فإن هذين الشخصين يجعلان ألشاة والمعزة تلدان , ويسببان وفرة العجول والأبقار , ويزيدان في نتاج السمن واللبن ويمكنان الطيور من بناء أعشاشها وسمك البحر من وضع البيض في الأهوار , ويجعلان ألعسل والشراب وفيرين في بستان النخيل ومزارع العنب . فالمياه هي التي تخلق الحياة وقد أوكلت الآلهة أمر المياه إلى الأنسان وإينتين أنتج كل شئ بوصفه فلاح الآلهة .
وتمضي بنا أسطورة الفأس إلى أبعاد تكشف لنا بوضوح عن تطور الأرض وما فيها بفضل العمل . وليس قليلاً أن يؤمن الفكر قبل خمسة آلاف سنة بمبدأ التطرف فنحن نقرأ :                                                                                     
( ألفاس والسلة تبني المدن
ألدار الثابتة الأركان بنتها الفاس ...
ألدار الثابتة هي التي سببت الأزدهار ...
والأنسان والطبيعة متلازمان في السراء والضراء ... فإن شرور الأنسان مثلاً تسبب الطوفان الذي يبيد كل شئ كما يأتي ذلك في أسطورة الطوفان .               
وحتى ألحيوانات ذاتها تنبعث من الأرض , وعلاقتها بالناس وثيقة و بحيث نراها تندب انكيدو عندما يموت  , وللأنهر علاقة بالناس ...                                   
وإننا من حصيلة أدب وادي الرافدين نصل إلى نتيجة حاسمة . إنه لا قيمة للكون من دون الأنسان ولا وجود للأنسان من دون الكون . وعلاقة الأنسان بالأرض علاقة وجودية واقعية و تتجسد شيئاً فشيئاً حتى تصبح مجتمعاً ووطناً ...... [/b] [/size] [/font]