المحرر موضوع: رد على بعض المحتجين على حق تقرير المصير لشعوب العراق  (زيارة 1350 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Kamil Alsaadon

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 19
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
                       رد على بعض المحتجين على حق تقرير المصير لشعوب العراق

كامل السعدون

لقد وصلتني رسائل عديدة من بعض الاخوة الكرام يحتجون فيها على ما كتبته في مقال سابق في صحيفة صوت العراق وفي صحف أخرى عن مسألة حق الكرد في تقرير مصيرهم  ، وقد وددت أن أشرح موقفي من هذه المسألة الحيوية الهامة جدا .
أذكر قبل تحرير العراق أنني كتبت في صحيفة المؤتمر الغراء عن هذا الشأن وأكرر هنا ذات المواقف القديمة المتجددة .
بالعودة إلى التاريخ غير البعيد وبالذات إلى أوائل القرن السابق وإبان تشكيل دولة العراق الحديثة كما وتشكيل دول أخرى كسوريا ولبنان وشرق الأردن ودول البلقان وتركيا وغيرها وعلى أسس قومية بديلة عن الأساس الديني الطائفي ، حصلت عمليات ضم وتجميع وتقليم لإرث الأمبراطورية العثمانية من أراضي الشرق وكان للإنجليز والفرنسيين اليد الطولى في رسم الخرائط وإعادة تقسيم الحدود وفصلها وترتيبها من جديد بما يخدم أولا مصالحهم المستقبلية ، ثم تأمين بعض الحصص لحلفاءهم الروس والأتراك الإتحاديين والفرس القاجاريين الموالين للغرب والمعادين لقيصر روسيا ( ثم لدولة لينين البولشفية )  ، ثم طيبوا خاطر الهاشميين هنا ودعموا الوهابيين هناك وطيبوا خاطرهم في أراض تعود لجيرانهم من قبائل العرب الخليجيون المتنافسة في ما بينها.
 فضمت المحمرة إلى شاه إيران بعد أن كانت إمارة عربية مستقلة وربطت الكويت بالتاج البريطاني بعد أن كانت ملحقة بوالي البصرة العثماني مع إستقلال نسبي لآل الصباح ، ورسمت الحدود بينها وبين كل من العراق والسعودية وغيرت خرائط الخليج واليمن بأكملها بما يخدم مصالح البريطانيين ومن والاهم من الشيوخ فأُنهيت مشيخة البريمي وأُلحقت بالسعودية وكوفيء الهاشميون بإمارة شرق الأردن التي ظهرت من تقسيم ولاية الشام إلعثمانية إلى ثلاث أو أربع دول ( بينها لبنان الحديثة ).
أما فلسطين والتي بدأت عودة اليهود إليها منذ اوائل القرن التاسع عشر فقد توسعت عودتهم بعد أن طرد العثمانيون وظهور الدول الوطنية أو القومية في الشرق على أنقاض الدولة الدينية الواحدة الموحدة .
وألزمت تركيا بالكف عن المطالبة بالموصل وضمت السليمانية إلى العراق الجديد مقابل منح المحمرة لشاه إيران ، وضمت الأسكندرونة إلى تركيا وتحررت دول البلقان وأخذت اليونان أراض كانت مرفقة بالإمبراطورية العثمانية وظهر لبنان المستقل لأول مرة بعد أن كان ضمن ولاية الشام.
وولد عراق مستقل لأول مرة عام 1921 وأُستكمل نسج بناءه عبر السنوات العشرون اللاحقة بعد عقد الإتفاقات والمصالحات مع الجيران ورسم الحدود بشكل أكثر إتقانا وقوة.
ولد عراق جديد بهيئة جديدة لم تكن قائمة طوال أكثر من ألف وأربعمائة عام تقريبا أي منذ طرد الفرس منه وتشكل الإمبراطورية الإسلامية الواسعة التي أنتفت فيها الحدود من من حدود الصين وصولا إلى جبل طارق .
المبدأ الذي يفترض أن يكون العراق قد تشكل به هو مبدأ الدولة الوطنية متعددة القوميات ، لكن الذي حصل هو أن هذه الدولة الجديدة لم تستطع أن ترضي الإثنيات العراقية المتعددة من شيعة وكرد وتركمان وعرب وآشوريين وكلدان وأرمن وشبك وصابئة وغيرهم.
بل غلب الطابع العروبي السني على تلك الدولة بحيث بدت وكأنها دولة قومية ناقصة تربو بعيون عاشقة إلى أطرافها الأخرى ، أي إلى أمتها العروبية السنية في الخارج في وهم ما كان يسمى الوحدة العربية .
وبالتالي كان ضحايا هذه الدولة العروبية السنية العراقية هم كل شعوب العراق تقريبا ما عدا سنة الوسط  والأطراف ، أي أقلية العشرون بالمائة ، وتأسيسا على ذلك  ظهرت نزعات الإنفصال عن هذه الدولة وبالذات لدى القومية الكردية التي لم تستطع أن تجد تلبية لحقوقها القومية والإنسانية ضمن الدولة العراقية الناشئة.
أما الأقوام العراقية الأخرى فلم يكونوا أقل تمردا من الكرد على الدولة القومية السنية العروبية ، فقد إنتفض الأيزديين والآشوريين وتعرض اليهود  للتهجير وتعرض الشيعة للقمع المنظم والتهجير والإذلال وإن كانت مطالبهم أقل من مطالب الكرد لأنهم كانوا يلتقون مع السنة في عروبية النسب والمشترك الديني العام .
إذا كان مبرر بقاء الكرد والعرب ضمن الإمبراطورية العثمانية هو كونها إمبراطورية إسلامية كانت تتعامل ببعض العدل مع كل من يلتقي وإياها في سنية المذهب ، فإن هذا المبرر يفترض أن يكون قد إنتهى مع تشكل الدولة العراقية الحديثة ويفترض أن تكون هناك منطلقات جديدة ومباديء جديدة تقوم بين أطراف العلاقة جميعا أي قوميات وإثنيات الشعب الذي تتكون منه الدولة العراقية .
أول هذه المباديء هو حق تقرير المصير لكل قومية وإثنية تتواجد على مساحة من الأرض مترابطة جغرافيا شريطة أن يكفل هذا الحق ضمن إستفتاء ديموقراطي حر نزيه لا يعتمد على قرارات فوقية من قبل الزعماء السياسيين القوميين او الطائفيين أو القبليين بل على آراء العامة من الناس من سكان هذا الإقليم أو ذاك وبحضور أممي واسع يشهد على هذا الإستفتاء ، مع الأخذ بنظر الإعتبار حقوق ومصالح القوميات والإثنيات الأخرى ضمن هذا الإقليم أو ذاك ، مضافا إلى أخذ آراء الجيران ( الدول المجاورة ) بالإعتبار وتفهم مصالحها الداخلية في بلدانها ومخاوفها من المتغيرات المراد رسمها على خارطة الوطن الجغرافية او التنظمية لشكل الدولة وتقسيم السلطة بين عناصرها الإثنية .
وعندما نقول حق تقرير المصير فلا نعني بالضرورة الإستقلال حسب كسبيل وحيد لهذا التقرير ، بل وأيضا تقرير شكل الحكم وحجم مشاركة الأطراف فيه ، فقد لا يرى الشيعة مثلا أن من مصلحتهم تشكيل دولة مستقلة في جنوب العراق لأن العامل الطائفي لا يكفي لتشكيل هوية وطنية مستقلة للشيعة ، وقد لا يرى الكرد أن من مصلحتهم الإستقلال أو الإنفصال عن العراق لأن العامل القومي وحده لا يكفي لهذا الإنفصال على الأقل في هذه المرحلة لكن مبدئيا ، يحق لأي هوية ثقافية تمتلك شروط الإستقلال الأخرى الإقتصادية والإجتماعية واللغوية والتاريخية وغيرها ، يحق لها أن تنفصل أو تستقل أو تنال حكما ذاتيا واسعا أو محدودا .
مبدئيا يحق ذلك ، لأن الوطن ليس أرض تضم لبعضها البعض بل قلوب يفترض أن تجتمع على العدل والرحمة والفهم والتمايز السلمي والتنافس السلمي والمشاركة القائمة على الإرادة الحرة لا على الإكراه .
الأمبراطوريات البسماركية إنتهى زمنها وكذلك إمبراطوريات الدين الواحد التي تقمع بقية الأديان .
إن حق الكرد في تقرير المصير سواء بفيدرالية أو إستقلال ناجز هو ذاته حق الآخرين من شيعة وسنة وتركمان وآشوريين ، لكن يبقى هناك مسألة حجم هذا الحق الذي يتناسب مع حجم التداخل مع الاعراق الأخرى ، فمثلا مسألة كركوك أو الموصل أو خانقين أو غيرها ، هنا تكون الإشكالية أكبر وتتطلب حلولا عقلانية متأنية تحفط مصالح الأطراف المتشابكة مع إقصاء الدخلاء على تلك المدن .
فعرب الجنوب الذين جاء بهم صدام مقابل عشرة آلاف دينار وصاروا لاحقا بعض حفاري مقابرنا الجماعية وللأسف رغم إنتسابهم الطائفي ، هؤلاء يجب أن يعودوا إلى مدنهم الأصلية حيث محيطهم الحقيقي وحيث مواطن آبائهم وأجدادهم ، عقب ذلك يمكن أن يتوافق أهل المدينة الأصليون فيما بينهم على حلول ناجعة لمشكلة الهوية القومية أو التاريخية للمدينة .
أنا شخصيا  أتفهم كل التفهم مشاعر الأخوة الذين لا زالوا حالمين بعراق واسع كبير قوي عزيز ، بل وأنا مثلهم أحلم بهذا وأتمناه لكن أود أن أراه عادلا مع نفسه وإعضاء جسده المختلفة المتنوعة ، فبالعدل وحده وبالفهم والمشاركة الحرة وتطبيب الجروح يمكن أن يكون موحدا حقا وقويا فعلا .
فقط حين يشعر الكردي أن العراق عراقه ، ويشعر التركماني أن العراق له ويدرك الشيعي أن له في العراق حصة حقيقية تناسب حجمه ويجد الإهتمام والإحترام لثقافته وتقاليده ويؤمن الكلداني أن كنيسته آمنة وأن لغته مسموعة وصوته حاضر ووجوده مناسبٌ لعمقه التاريخي ويدرك الآشوري أن نصيبه في الأرض والمياه والسلطة يناسب حجمه الحقيقي ويتوائم مع مصالحه الحقيقية .
فقط حينها يمكن أن يكون العراق عراقيا واحدا موحدا كبيرا جميلا عزيزا ... !
ساعتها لن نسمح لأعجمي أن يعجم عروبتنا ولا لعروبي وهابي أن يحيل سنتنا إلى قتلة مأجورين ولن نعطي للمبشر الأجنبي فرصة أن يبشر بأكثر مما نعرف عن يسوع الجميل ، ولن نجيز للأتراك أن يقلقوا على تركماننا الذين نسوهم ألف عام وعادوا اليوم للعب بورقتهم .... !
عملية تشكيل الدول الوطنية ليست عملية سهلة أبدا ، ولا أظن أن الأخوة الكرد أو الشيعة أو التركمان أو السنة مستعدين أن يمزقوا هذا النسيج من أجل مطامع أو مصالح قبلية أو طائفية أو دينية ضيقة ... لا أبدا ... فتلك مسؤولية تاريخية ستحاسبهم عليها أجيالهم إذا ما غزتهم الدول الأخرى وأخترقهم من لن يرحمهم كما يمكن أن يرحمهم إبن جلدتهم أو إبن وطنهم العراقي الذي كان وإياهم ضمن ذات النعمة وذات الهم عبر آلاف السنين تحت ظلال الإمبراطوريات الآشورية والفارسية والرومانية ثم العربية والعثمانية .
إنما فقط أن نعيد رسم خارطة البيت على أساس التوافق والديموقراطية وإستمزاج آراء الناس وإحترام قياداتهم ومنحهم حرية الحركة الواسعة في أقاليمهم ، بهذا وحده يمكن أن يرتفع البناء بشكل عمودي وأفقي متوازن متوازي وبغاية الإنسجام والتكامل .
أظن أن العراق لم يبنى بشكل سليم عام 1921 وأن إعادة البناء من جديد ضرورة ملحة وبكل الأحوال فعمر الشعوب لا يقاس بثمانون عام أو الف وثمانون عام بل بعمق الإنسجام الحقيقي بين أطراف الثوب الواحد وهذا ما يمكن أن نشكله الآن من جديد بإرادة جديدة وروح جديدة تعتبر من هذا التاريخ الدموي المؤلم الذي عشناه عبر هذه القرون العديدة العديدة من تاريخ العراق والشرق عامة .