المحرر موضوع: هل تستقيم المواطنة مع الفقر؟!  (زيارة 541 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1293
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هل تستقيم المواطنة مع الفقر؟!
عبدالحسين شعبان
2010-06-14
كيف يمكن لنا الحديث عن مواطنة متساوية في ظل التفاوت الكبير بين من يملكون ولا يملكون، وبين الجياع والمتخمين، ولعل المواطنة التي ترتب حقوقاً وواجبات، لا بدّ من توفّرها، لكي تكون العلاقة سالكة بين المواطن وانتمائه وهويته، وبانعدامها فستكون مواطنته مبتورة أو ناقصة أو حتى ملتبسة، وكيف لمواطن ليس لديه أي مستلزمات أولية للحياة والعيش والكرامة واحترام حقوقه، أن يكون سوّياً، إن لم تخلق لديه ردّات فعل، ربما بعضها عنيفاً وقاسياً في ظل غياب الأركان الأساسية لمواطنته، وهو ما نطلق عليه «المواطنة العضوية».
إذا أردنا ملامسة فكرة مواطنة عضوية، فإننا نعني مواطنة تقوم على الحريات العامة والخاصة، لاسيَّما حرية التعبير وحق الاعتقاد وحق التنظيم الحزبي والنقابي، وحق المشاركة، وعلى مبادئ المساواة أمام القانون والقضاء وبين البشر، رجالاً ونساءً، وبدون أي تمييز لأي سبب كان، وعلى مبادئ العدالة بمعناها الاجتماعي والاقتصادي بما فيها حق العمل وحق التعليم والحق في السكن والحق في العلاج، وكذلك بمعناها القانوني والقضائي والسياسي، وعلى مبادئ المشاركة والحق في توّلي الوظائف العليا دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو العرق أو اللون أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو لأي سبب كان.
وبهذا المعنى فإن المواطنة دون حماية ورعاية من الدولة (وهي رابطة قانونية بين الفرد والدولة) ستكون بائسة ومشوّهة، لاسيَّما إذا ساد الفقر والتفاوت الشاسع في دخل الأفراد وفي توزيع الثروة. ولعلنا لا نستطيع أن نتحدث عن حقوق الإنسان مع استمرار الفقر وانعكاساته وتأثيراته الخطيرة نفسياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.
ولعل مناسبة الحديث هذا هو تقرير كان قد أطلقه فريق عمل بحثي تحت عنوان «من أجل قانون في خدمة الجميع» من خلال احتفالية نظمها منتدى الفكر العربي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عمّان، وقال فيه سمو الأمير الحسن بن طلال: إن مشروع التمكين القانوني هو حرب شاملة ضد الفقر والإقصاء والتهميش.
وإذا كان الإنسان هو أثمن رأسمال وغاية كل دين أو فلسفة أو أيديولوجية، وحسب الفيلسوف الإغريقي بروتوغوراس: الإنسان مقياس كل شيء، فإنه بهذا المعنى المستهدف الأساسي لأية سياسة أو قانون أو خطة اجتماعية أو تنموية إنسانية.
والفقر يؤثر على عقول وأجساد ونفسيات البشر، مادياً وروحياً ووجدانياً، وهو استلاب لمنظومة حقوق الإنسان، إذ لا يمكن مع الفقر والفاقة الحصول على تعليم مناسب وطبابة مناسبة، على المستوى الفردي أو الجماعي، كما لا يمكن الحديث عن التنمية مع وجود واستمرار الفقر، ولا يمكن قهر الطبيعة مع الفقر والقضاء على الأوبئة والتصحّر والأمراض المستعصية، وكذلك لا يمكن استثمار الموارد البشرية والطبيعية لمواجهة الكوارث باستمرار الفقر.
يعيش في عالمنا أكثر من مليار و200 مليون إنسان تحت خط الفقر، ولا تزيد نسبة رواتبهم عن دولار واحد في اليوم، ولا يستطيع هؤلاء التعساء سد قوتهم اليومي وتلبية حاجاتهم الأساسية، فكيف والحالة هذه الحديث عن تنمية شاملة ومستدامة، فضلاً عن سلام واستقرار؟ كيف يمكن استبعاد ملايين الناس من المشاركة والتعليم وتلقي العلاج والحصول على عمل مناسب، فضلاً عن قضاء أوقات الفراغ والتمتع بالحقوق الثقافية وبحق الضمان الاجتماعي وحق الحصول على الراحة، في ظل بقاء الفقر مهيمناً بكابوسه على المجتمع ومهدداً بالانفجار.
إن إطلاق مبادرة لجنة التمكين القانوني ضد الفقر مناسبة مهمة للبحث في جداول عمل ومنهجيات وآليات لتنفيذ خطط سريعة ومناسبة للحد من هذه الظاهرة اللاإنسانية، وصولاً إلى الحق في العمل وحق التطبيب وحق التعليم والحصول على المعارف وبالتالي الحق في العدل، سواءً في دول اليُسر أو دول العُسر، لا فرق، طالما بقي التفاوت مثل القنبلة الموقوتة القابلة للانفجار في أية لحظة.
وهنا لا بد من بيئة تشريعية مناسبة وتشريعات عادلة، كما هو بحاجة إلى بيئة تعليمية مناسبة ورفع التمييز وتقديم فرص التعليم المجاني ومساعدة الفقراء وابتكار وسائل جديدة للوصول إلى ذلك، ولعل تجربة ماليزيا أحد النماذج المهمة، على هذا الصعيد.
كما لا بد من وجود بيئة إعلامية مهنية للترويج لمكافحة الفقر، وكذلك بيئة مشجعة من طرف المجتمع المدني، تعمل بحرية ومهنية وتكون قوة اقتراح لإصدار قوانين وأنظمة وتعليمات، ومراقبة تنفيذها وتدقيق المناهج التربوية والتعليمية، ومخاطبة الإعلام بما يساعد في تهيئة أجواء فكرية واجتماعية وسياسية مقبولة ضد الفقر.
إن التصدي لظاهرة الفقر يعني التصدي لظاهرة العزل أو الإقصاء أو التهميش أو تحت أي من مسمياته، وسيكون ذلك خطوة مهمة لاحترام حقوق الإنسان وتعزيز خطط الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري، بشفافية عالية وصولاً للحكم الصالح، فالكفاح ضد الفقر ومن أجل التمكين القانوني، سيلقى صداه في السعي لتحقيق الديمقراطية، خصوصاً في أجواء الحريات وتداول السلطة سلمياً بانتخابات دورية وفي ظل سيادة القانون وحق التعبير وتدفق المعلومات والمساءلة والشفافية.
ولعل تقليص ظاهرة الفقر سيؤثر اجتماعياً على تقليص حالات الجريمة المنظمة وأعمال الإرهاب واستخدام المخدرات وحالات الانتحار وغيرها، كما أن أية إصلاحات بخصوص الحد من ظاهرة الفقر، ستؤثر على المرأة إيجاباً، فهي المتضرر الأكبر من استمرار هذه الظاهرة، وكذلك الأطفال الذين تصيبهم هذه الظاهرة بالعمق، فيضطرون إلى النزول إلى سوق العمل بوقت مبكر دون السن القانونية أو التسرّب من الدراسة أو الأمية أساساً، ناهيكم عن تهيئة بيئة خصبة للإرهاب، الأمر الذي بحاجة إلى تضافر جهود محلية ودولية، لاسيَّما للمنظمات والهيئات الدولية، فإضافة إلى الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها، لا بدّ من مساهمة البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية ومنظمة الأغذية والزراعة ومفوضية شؤون اللاجئين واتحادات العمل والعمال والنقابات والاتحادات المهنية.
ويصبح الحديث عن مبادرة التمكين القانوني ضرورياً، بل لا غنى عنها، خصوصاً إذا ما عرفنا أن نحو 4 مليارات إنسان محرومون اليوم من فرصة تحسين ظروفهم المعيشية والخروج من غلواء الفقر (دون خطه أو فوقه)، وذلك لأنهم يفتقرون إلى الحقوق وإلى أوجه الحماية المناسبة التي يوفّرها القانون.
إن العديد من القوانين والمؤسسات والسياسات الحاكمة على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي (بحكم عوامل الهيمنة الدولية الاحتكارية الرأسمالية) هي التي تحول دون حصول قسم كبير من المجتمع على فرصة المشاركة، ولعل قواعد اللعبة بين الحاكم والمحكوم والعلاقات الدولية غير عادلة، الأمر الذي سيكون مرفوضاً أخلاقياً، لأنه يشكل عائقاً جدياً أمام التنمية، وقد يؤدي إلى تقويض الاستقرار والأمن ويشجع على الإرهاب والعنف وسياسات التطرف والتعصب، في كل بلد نامٍ وعلى الصعيد العالمي أيضاً.
لا بدّ إذاً من «قانون في خدمة الجميع»، وهو ما تركز عليه «لجنة التمكين القانوني» المؤلفة من 25 شخصية دولية على مستوى رفيع، حيث سيكون جزءاً من عملية تغيير منهجية تخدم الفقراء من خلال القانون والخدمات القانونية لحمايتهم والدفاع عن حقوقهم والارتقاء بأدائهم الاقتصادي بصفتهم مواطنين لا «أُجراء» لهم حقوق أولاً مثلما لهم واجبات، ولعل أهم هذه الحقوق هو حق الحياة وعدم الخوف والعيش بسلام وحق التعبير والحق في محاكمة عادلة والحق في عدم التعرّض للتعذيب، والحق في حياة كريمة، تضمن حماية وفي الوقت نفسه رعاية ذات أبعاد إنسانية.