المحرر موضوع: ذكراك باقية للأبد  (زيارة 1023 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل طاهر أبلحد

  • مراسل عنكاوا كوم
  • عضو فعال جدا
  • **
  • مشاركة: 362
  • الجنس: ذكر
  • إن لم تثور وتخاطر يمكنك اتباع الروتين، فهو قاتل!!
    • مشاهدة الملف الشخصي
ذكراك باقية للأبد
« في: 10:52 02/07/2010 »
ذكراك باقية للأبد

طاهر أبلحد

أبتي ومعلمي... أبونا سالم كَني...

عام ونيف مر على رحيلك.. غادرت بسرعة وبدون سابق إنذار، الآن فقط بدأت أتجرع الفكرة، فروحك قريبةُ مني تمدني بالقوة وكل شيء طيب، أبتي.. رحلت لكن تأثيرك باقيِّ في نفسي فأنت من علمني المحبة والتسامح الحقيقيين أنت من كشف لي كيف يكون القلب الكبير المحب الواسع، كنت أباً لنا جميعاً أحببت الجميع والجميع أحبك، عجيبٌ كيف كنت ساذجاً بظنوني إن العين هي من تحب وهي كل شيء، ها أنت أبتي تفقد البصر قبل مولدي بسنوات لكنك كنت تملك البصيرة ومحبتك الأبوية فاضت على الجميع بدون استثناء فطوال تلك السنوات لم أشاهدك كارهاً باغضاً منتقماً عجيب أمرك ألم تكن بشراً؟!! كم كانت محبتك كبيرة فتفيض على كل السلبيات التي تصاحب الإنسان، لم يتمكن الكره منك يوماً والانتقام كان خاضعاً لك على الدوام لا يقوى على الحركة في داخلك، عجيب كم كنت ساذجاً عندما كنت أنبهر بالعضلات المفتولة وأحسبها مفتاح القوة!! فأنت كنت ضعيف الجسد لا تملك من العضلات المفتولة التي تقوى على حمل الأثقال لكنك حملت أضعاف هذه الأثقال التافهة حملت المحبة والتسامح التي زرعتها فينا جميعاً، كل لحظة أفكر بك أكتشف سذاجتي الكبيرة فطوال تلك الأيام التي كنت امسك يدك الحنونة كنت أظن بأنني أساعدك في أعمالك لكنك كنت تعينني وتقودني أنت لا أنا، قد أعنتك ربما في بضع خطوات بسيطة في الشارع كنت لتجتازها وحدك بكل الأحوال لكنك أعنتني في الكثير الكثير من حياتي في وقتها وفي المستقبل ومازلت، فبدون كلماتك التي زرعتها فيّ ما كنت لأدرك كل هذه الأمور التي أثرت على حياتي فأنت من جعلني إنساناً، صحيح إنني لم أستوعب كل كلماتك وأفعالك التي كانت كالدروس والعبر لكنني حفظتها جيداً وحللتها عندما بدأ عقلي يستوعبها فخزنتها كالببغاء في حينها لكنني أفهما الآن وما زال هناك ما لم أستوعبه.
كثيراً ما ننتقد الكنيسة ورجال الدين والكل متفق على النقد لكن بذكرك كان الجميع أيضاً متفق على إنسانيتك وحبك وتسامحك، كم كنت ساذجاً عندما كنت أعتبرك نقطة ضعفي في النقد والهجوم على رجال الدين، الذي أريد منه التقويم لأنك متدين طيب متسامح بدون نقاط ضعف لا تمنح للمنتقدين تبريراً لكنني الآن عرفت بأنك كنت أساس وعقيدة حربي هذه فأردت الجميع بمحبتك وتسامحك وأبوتك، وليس مجرد أُناس ماديين مجردين من الإنسانية لا يمتون للمسيح بشيء، فانتقدت وتكلمت وهاجمت لأنني أردتهم على صورتك ومثالك مفعمين بالمحبة والتواضع وبذل الذات.
كم كنت ساذجاً عندما كنت أنظر للمنصب والمال والجاه بعين الإعجاب لكنني من خلالك اكتشفت قيمتها الحقيقية، فأنت لم تملك منها شيئاً لكنك كنت غنياً بمحبة الناس لك، فمن ذا الذي غادر البلدة (كرملش) ولم يسعى وراءك في أخر المساء مودعاً وأنت تمنحه البركة متحسراً كأنك تفقد قطعة من جسدك، ومن الذي زار كرملش بعد انقطاع ولم يفرح بلقائك ويسعى إليه.
لم أتمكن من توديعك يوم رحلت كنت بعيداً بكيت متضايقاً لأنني حسبت إنها النهاية بمنتهى السذاجة لكنني أكتشف من جديد إن الموت ليس فاصلاً بيننا ولا يقوى على تغييبك، فعندما جلست عند قبرك في الكنيسة التي أحببتَها وفنيتَ لها، شعرت بقربك وبمحبتك الأبوية كسابق عهدي بها، فحتى موتك كان درساً جديداً لي...
أبونا سالم... كم هو حنون وقوي وعزيز هذا الاسم، مشتاق لك ولسؤالك ومحبتك الصادقة، كنت تحب الجميع بصدق وإخلاص بدون مقابل فقط لأنك كنت كتلة عظيمة من المحبة والتسامح لم تعرف الضغينة ولم تعرف الكره وإن تكلمت كنت تشكو طالباً أن يحل الخير والسلام في كل نفس فاقدة للمحبة.

توفي الاب سالم في ربيع 2009 بعد تعرضه لحادث سير اليم مع مرافقه في سيارة الاجرة التي كانوا يستقلونها على طريق كرملش-بخديدا (قره قوش)