المحرر موضوع: توماس ، سائق الباص  (زيارة 1238 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
توماس ، سائق الباص
« في: 00:52 27/09/2010 »
توماس ، سائق الباص

 
             
شمعون كوسا


انه توماس يوسف حنا ، اشتهر في المنطقة دون ان يكون من اهل المنطقة . امضى حياته بين اربيل وشقلاوة لارتباطه بفتاة شقلاوية ، وأيضا  وهذا هو الاهم ، لامتهانه قيادة السيارات ، اذ يُعتبرمن بين اوائل السواق في المنطقة إن لم يكن أولهم.  توماس هو من مسيحيّي كركوك المعروفين بالـ (القلعة ﮔاور) ، ولد سنة 1917 وتوفي سنة 1980.

كلّ من عرف توماس ، يتذكره بحافلته دانماركية الصنع ، أو الباص الخشبي . سيارة باص قادها توماس لفترة طويلة ، ينقل بها اهل المنطقة من شقلاوة الى حرير وديانا وايضا الى اربيل وعينكاوة والموصل.

شأنه شأن كافة السواق في ذلك الزمان ، كان يقوم توماس بتشغيل حافلته باستخدام مفتاح يسمى (الهندر) والأصح  )هاندل( لان اللفظة انجليزية. والمفتاح هذا كان عبارة عن قضيب حديدي مطوي باتجاه معاكس من كلا طرفيه لتمكين السائق من تدوير المحرك من فتحة خارج السيارة  . كان المحرك يحتاج عادة الى محاولتين او ثلاث ، أما في الشتاء فكان على السائق ان يتحلى بكمّ أكبر من الصبر بسبب البرد.
تعرض هذا الباص الى كثير من العطلات. ويذكر بانه في احدى حالات انفجار الدولاب ، لم يكن لتوماس إطار احتياطي ، وبما انه كان محكوما عليه بمواصلة السير ، إهتدى الى فكرة بدائية غريبة ومضحكة ، فقد عبّأ الاطار بمعطفه وبنطاله وحشاه ايضا بكميات من الخرق البالية التي كان قد استخدمها لتنظيف سيارته. وهكذا تمكن من إستئناف سيره ولكن ليس دون عناء .
كانت العربة قد اشتهرت بالاصوات التي تصدرها نتيجة عدم ترابط كثير من اجزائها الخشبية وتفكك بعضها من كثرة الاستعمال ، وكان ضجيجها مسموعا من اولى دقائق دخولها المجال البري للمنطقة . بهذا الخصوص قام احد شعراء المنطقة بنظم قصيدة جميلة يصف بها الباص وسائقه . ساورد القصيدة باللغة الكردية في نهاية المقال.

يقال بانه في احدى سفراته الى حرير او ديانا ، استضافه بعض الناس كما استضافوا سيارته معه ، فقدموا الطعام لضيفهم وخرجو ايضا ووضعوا الطعام والماءً أمام سيارته معتبرينها نوعا جديدا من الخيل ، لانهم لم يسبق لهم وان التقوا بمثلها قبل ذلك. لم يكذّب توماس الخبر فخرج وتناول الماء وسكبها في الراديتر وكانه يروي عطش مطيته ، واما عن الطعام فقال لهم توماس بان السيارة ليست جائعة ، قالها بابتسامة خفيفة كي لا يخدش كرم ضيافتهم  .

لقد قاد توماس في حياته اكثر من خمس وعشرين سيارة بين حافلة وشاحنة وسيارات أصغر حجما . قبل ان يتفرغ توماس الى مهنة السياقة ويتخصص بها ، عمل في شركة نفط العراق بكركوك ، وكان قد عمل ايضا في بغداد والبصرة. كما عمل خبازاً وبائع حلويات وصاحب بار . وخلال قيامه بالاعمال هذه تعرض للاعتداءات والضرب من قبل اهل المنطقة ، كونه غريبا يقوم بمنافسهم ،  ولكن بجدارة !!!
المعروف عن توماس كان رجلاً  لا تنقصه الشجاعة ، وقد طارد الكثير من اللصوص وقام بحماية كثير من الجيران والمعارف ، معتمدا على سلاح لم يفارقه لفترة طويلة من حياته.

وفي وصف لمظهر توماس الخارجي نقول ، بانه كان رجلا وسيما ، ازرق العينين ، أنيقا في ملبسه وحريصا شديد الحرص على استخدام العطور النفيسة وبرشّات مضاعفة ، كي تسبقه  بعشرات الامتار وتنبئ بوصوله حيثما يذهب ، لا سيما عند دخوله للكنيسة حيث كان العطر يُعلِمُ كافة المصلّين بحضوره دون الحاجة الى رؤيته  ، وهكذا كانوا يطمئنون على سلامة العربة وصحة السائق ويضمن بعض المسافرين منهم ،غداة اليوم، رحلتهم لليوم التالي وبالاخص اذا كانوا من بين من كان قد وصف لهم الطبيب الاهتزاز والخض ، لساعتين او ثلاث، علاجاً . رجوعا للعطور نقول بان التعطير المكثّف كان احدى صفاته المميزة الى حدّ أن الناس كانوا ينعتون المبالغين في استخدام العطور من بين اصدقائهم او ابنائهم ، بتوماس ، أو يقولون : هل تحوّلتم الى توماس أم ماذا ؟ وكان بعض الطلاب الشباب يقلدونه في تلميع شعرهم دون معرفة الزيوت التي كان يستخدمها ، فيقومون بالعملية عبر استخدامهم زيت الطعام ، وفي حينه كان زيت الطعام دهنا حيوانيا حرّاً  .

كان توماس رجلا أريحيا يحب الفكاهة ، وكان التحدث معه يكتسب صفة شيقة  جدا لغرابة كلامه باللغة الكلدانية التي كانت تحاكي طريقة الارمن عندما يتحدثون بالعربية ، فالمؤنت يصبح مذكرا والمذكّر مؤنثا والمفرد جمعا وهكذا  ،لان لغته الام كانت التركية وكان قد افلح في تلقينها الى زوجته وأطفاله .
يقال عن توماس بانه لم يُرزق بأول أطفاله الا بعد انقضاء أربع عشرة سنة من زواجه. ويُقال ايضا بانه كان رجلا مؤمنا ، لا يخلد للنوم قبل تلاوة مسبحة الوردية ، وكان قد فرض تلاوتها على اطفاله.  كان متعلقا بهذه العبادة  لحدّ استخدامها كعقاب لكل من سوّلت له نفسه من بين اطفاله عصيان أمره . فعندما كان يركب أحدهم رأسه ، يأمره الوالد بتلاوة عدد من السلام الملائكي ، ويزيد العدد اذا لم ينصع المتمرد لارادته . يقال ايضا بان احد اولاده رفض تلاوة الوردية ، كما طلب منه والده ، فسقطت صورة العذراء على رأسه ليلا وهو نائم   !!!
كان توماس يتساهل مع الناس ويسامح الكثيرين منهم في اجرته او يخفض قيمتها ، وفي بعض الاحيان كان يقبل مقايضة اجرته بالحنطة لا سيما مع بعض اهالي عينكااوة. وباعتقادي الشخصي ، لقد استفاد من سيارته بهذا الخصوص ، بعض من كانوا قد اعتادو على السفر على ظهور الخيل (الكروان) لمقايضة فاكهتهم  بالحنطة او الشعير في القرى المجاورة لاربيل والموصل،  فاستعانوا بباص توماس اختصاراً للوقت .

وبما انه لم يكن ممّن يكرهون معاقرة بنت الحان واحتساء قليل من الخمر او العرق ، فانه كان قد اعتاد على جلب كميات من هذا السائل اللطيف والمؤنس من ديانا. وفي احدى سفراته كان قد عبأ العرق في صفائح معدنية وطلب من بعض الركاب الجلوس فوقها بغية اخفائها. عند وصوله نقطة السيطرة ، تقدم المسؤول وتوجّه بسؤاله الى احدى السيدات المكلفات باخفاء الكحول ، وكانت هذه شقيقة توماس ، فاجابته وبكل صراحة بانه لا يوجد شئ يذكر باستثناء كميات من العرق. اضطر توماس للتدخل فورا ، وباسلوبه الشيق واللبق ، اقنع المسؤول بان اخته هذه قد اصيبت بالهذيان ، وهو أصلا في طريقه الى وضعها في احدى المصحات المتخصصة بعلاج مثل هذه الحالات، فاقتنع المسؤل وتأثر كثيرا لحالة المرأة الساذجة ودعا لها بالشفاء .
يُقال بانه كان يحلو له اضافة قليل من الشاي والسكر الى مشروبه ليُوهِم بعض البسطاء بانه قد غيّر مشروبه وبدأ بشرب الويسكي . ويُقال ايضا بانه كان يسقي القطط اوبعض الحيوانات الاليفة الاخرى جرعات من العرق ، لعله كان يفعل ذلك في الايام التي كان يخلو فيها مجلسه من السمّار والندامى.
أمضى توماس بعض فترات من عمره في عينكاوة وبالاضافة الى كونه سائقا ، عرفه من عرفه هناك بأناقته ، هو وزوجته ، لدى حضورهما الحفلات هناك .
كان يحلو لتوماس التدخل في كافة نواحي الحياة ، لا سيما الصحية منها ، فكان يصف بعض العلاجات ، ومن ضمن ما  كان يوصي به مثلا ، استخدام الرماد لمكافحة القمل في الرأس .
والان وكما وعدتُ ، اختتم مقالي بقصيدة الشاعر الكوردي (مدحت بى خه و) التي أهداني اياها السيد جميل توما مهندس .  في وصفه للباص وسائقه توماس ، يقول الشاعر باختصار :
اضطررت يوما لركوب الباص ، غير اني لم راكباً سيارة بل جليس مهدٍ يترنح ذات اليمين وذات الشمال ، شدة الزحام زادت من ضيق الركاب . كان يطلق الباص اصوات انفجارات ، وكنا نسمع من حين لاخر تساقط اخشابها ،  عند التخفيف او التوقف،  كان يضطر السائق للضغط ستا وسبع مرات على الكوابح . وبعدها ينادي بصوت عالٍ انتبهوا كي لا يقع احد منكم ، وكلنا كنا نصلي وندعو كي لا تنقلب السيارة . خرجنا من شقلاوة في الصباح الباكر ووصلنا اربيل عند الظهر.
ڕۆژێ به‌ره‌و ماڵ ئه‌گه‌ڕامه‌وه‌ ---------به‌ پاصی شکاو ئه‌له‌رامه‌وه‌
پاصی دراوزه‌و که‌ون و شڵقاو ---------ئۆتۆمبیل نه‌بوو به‌ڵام هه‌ر به‌ ناو
بۆدی به‌ چه‌شنی لانک ئه‌گه‌ڕا ---------ته‌قه‌و چه‌قه‌ی دار ئه‌بو به‌ هه‌را
نه‌فه‌ری ناوی له‌ پتر بیست که‌س ------لای گشت بڕا بوو له‌ ترسا نه‌فه‌س
که‌ ته‌قه‌ی ئه‌هات له‌ ڕێگا جار جار ------له‌ بۆدی ئه‌که‌وت ته‌خته‌و شه‌پکه‌ دار
که‌ لێخۆڕ قاچی ئه‌نا به‌ به‌نزین  --------ئه‌بو به‌ فشخ و هۆڕ و به‌ له‌رزی
یا کاتی بیری وه‌ستانی بوایه‌    ---------ئه‌با شه‌ش حه‌وت جار قاچی بوکتایه‌
له‌ ڕێگای نشێو وه‌ک گورگی هار بوو---چه‌شنی فڕۆکه‌ هه‌ر هاڕه‌ هاڕ بوو
کاتێ بۆلای ڕاست کاتێ بۆ لای چه‌پ ----به‌سه‌ر یه‌ک ئه‌که‌وتین ئه‌بوه‌ ته‌په‌ته‌پ
شوفێر فرته‌ بۆز سه‌رو مل قه‌وی  -----ئه‌ی گوت خۆ بگرن با که‌س نه‌که‌وی
گشتمان هاتبووینه‌ صه‌ڵه‌وات لێدان -----له‌به‌ر وه‌رگه‌ڕان له‌ ترسی گیان
به‌یانی ده‌رچووین له‌ شه‌قڵاوه‌ی جوان--به‌ هه‌ولێر شاد بووین له‌ کاتی نیوڕان
گه‌ر ده‌ردی لاتی وهه‌ژاری نه‌بێ  ------بۆ خه‌ڵقی تووشی ئه‌م به‌زمه‌ ده‌بێ