تسميتنا في الدستور لن تغير من الواقع شيئاً
جوزيف أوراهام
تستحق مبادرة الأستاذ نوري بطرس عضو الجمعية الوطنية العراقية و ممثل الكلدان في لجنة صياغة الدستور، كل الثناء و التقدير لما فيها من تواضع و تطبيق عملي لمفهوم الديمقراطية من جهة، و لكونها نادرة اوتكاد تكون مفقودة في مجتمعنا العراقي ،حيث لم نرى مسؤولاً يخاطب جمهوره بهذا الشكل الحضاري طالباً منه تبيان رأيه حول مسألة تهمه حتى ممن يدعي الديمقراطية او ينتمي و يقود حزبا فيه كلمة الديمقراطية هي عنوانه البارز.
لقد وجه الأستاذ نوري بطرس دعوته عبر وسائل الإعلام و منها عنكاوا كوم مخاطباً ابناء امته الكلدانية و طالبا منها المشورة و الرأي الحر الصادق لحسم مسألة تسميتنا القومية التي ستدرج في دستور العراق.
لقد استمد الآن السيد ممثل الكلدان و المسيحيين في لجنة صياغة الدستور، القوة و الدعم و الرؤيا الواضحة بعد ان استجابت له كل الأحزاب و المجالس و المؤسسات و الجمعيات و الأندية والكتاب و المثقفين وأخيراً كنيستنا المقدسة من خلال الرسالة التي وجهها غبطة البطريارك مار عمانويل دلي الى رئاسة الجمهورية و الحكومة العراقية والجمعية الوطنية ، ابدوا كلهم تمسكهم بتسميتهم القومية العريقة كما كان متوقعاً كأي أمةِ تعتز بإسمها و حضارتها و تاريخها، رافضين مسخها او دمجها مع اية تسمية أخرى تحت اية ذريعة كانت.
كان المفروض من كل ممثلي الأحزاب و القوميات و الطوائف في الدستور ان ان تحذو حذوها و تطلق مثل هذه المبادرة على جماهيرها كي تنال ثقتها بالكامل و تقيها من معانات الرفض و الإمتعاض و الإشكالات التي قد تنجم نتيجة ما قد يدون في فقرات الدستور عند طرحه للإستفتاء والتصويت عليه.
لنعود الى عنوان مقالنا، حيث التسميات المطروحة الثلاثة على الساحة القومية وهي:
1- الكلدانية و الآشورية و السريانية
2- الكلدانية – الآشورية-السريانية(او بدون فواصل)
3- الكلدوآشورية السريانية(او الكلدوآشورية بثقافة سريانية)
يكاد ان لا يكون اي فرق بين الصيغ الثلاثة ، فكلها في مضمونها تعني وجود ثلاثة قوميات او ثلاثة تسميات قومية(كما يرغب ان يسميها البعض) وهي الكلدانية و الآشورية و السريانية و لكل منها مؤسساتها و كنائسها و أحزابها و أعلامها وشعاراتها و لغتها المسماة بإسمها .
و ما دامت الصيغ الثلاثة لها نفس المعنى وتذكر فيها كل التسميات لماذا اذاً هذا العجيج و الصراع المحموم على التسمية؟؟!!
الجواب على هذا السؤال سيكون سهلا لمن تابع نشاطات الأحزاب(الكلدانية و الآشورية و السريانية) و أدبياتها قبل إنتفاضة آذار عام1992 و بعدها، وما دار في اجتماعات المعارضة(سابقاً)، وطروحات الأحزاب في مؤتمراتها وكذلك فترة مجلس الحكم و فترة كتابة قانون ادارة الدولة المؤقت ، و من ثم الإنتخابات و ما أفرزته من نتائج و كذلك التمثيل القومي او المسيحي في الجمعية الوطنيةالعراقية.
و بإختصار المشكلة تكمن في مصطلح كلدوآشور ، فهو كما نعلم مصطلح جديد، سياسي في أهدافه،حزبيُ ضيق في طرحه،فيه دوافع دمج قسرية. لهذا اصبح المصطلح غير مرغوب فيه في وسط عموم شعبنا، عدا لمن اوجده و يحاول فرضه على الجميع بأي ثمن كان و مهما كانت النتائج.
فإذا كان الكل يقول نحن شعب واحد والتسميات كلها تمثلنا و يرغب بأن تكون في الدستور بالصيغة التي ذكرناها اعلاه(1،2) فلماذا الإصرار من قبل الحركة الديمقراطية الآشورية على فرض تسمية كلدوآشور اللاقومية كبديل لتسمياتنا القومية؟؟
قد يكون هناك اسباب عديدة ، لكني أعتقد بأن أهما يكمن فيما يلي :
1- تريد الحركة ان تثبت قوتها في الوسطين السياسي و القومي بعد زيادة نشاط الأحزاب المتعددة الأخرى سواء الكلدانية اوالسريانية او الأشورية و تمكنت بعضها نتيجة نضالاتها في الساحة القومية و السياسية ان تصل الى اعلى مراكز الحكم في العراق و كذلك في برلمان كردستان. اثبات القوة هذا ليس فقط امام عامة الشعب ، بل أمام تنظيماتها و عناصرها التي بدأت بالتباعد قسم منها و يأس القسم الآخر بعد هزيمة الحركة في الإنتخابات مقارنة بما كانت تروج له قبل الإنتخابات.
2-تحاول الحركة كل جهدها و من خلال كل من يدور في فلكها و منهم المنشقين و الإنفصاليين الكلدان للحفاظ على ماء الوجه،و كذلك من خلال ما تبقى من ما يسمى المجلس الكلدوآشوري السرياني،تحاول ان توهم الشعب بأن مؤتمرهم كان ناجحاً وشاملاً و ان نتائجه قابلة للتنفيذ. حيث كانت تسمية كلدوآشور من اهم ما جاء في البيان الختامي لمؤتمر ما سمي(الكلداني الآشوري السرياني) لصاحبه الحركة الديمقراطية الآشورية.
3- عناصر الحركة(زوعا) ستعاني من اضطرابات نفسية و صدمة جديدة لا تحمد عواقبها إذا فقد المصطلح الكلدولآشوري وجوده في الدستور كنتيجة للتغيرات الموسمية في تسميتهم القومية. فكان اول الأمر كل المنتمين اليها يصرون و يعلنون بأنهم آشوريوا القومية مع اختلاف طوائفهم، ثم أصبحت بعد المؤتمر قوميتهم كلدوآشورية، و عندما يتم تثبيت القومية بحلتها الجديدة(الكلدانية والآشورية والسريانية) فإنهم سيعانون من تخبط وعدم استقرار و خاصة الكلدان المتأشورين منهم ، حيث سيعانون اكثر ، كما ان إعلام الحركة و ثقافتها و ادبياتها اللاحقة ستشهد تغيراً وإزدواجية في التعامل بين الحالتين السابقة و الحديثة ، و ستجد نفسها في مطب يصعب الخروج منه لفقدانها مصداقيتها وستحاول ايجاد مبررات و حجج جديدة في محاولة منها لإقناع قاعدتها و من لف حولها في تعاملها مع التسمية الجديدة.
و السؤال المهم الآخر الذي اود التطرق اليه وهو: هل ان التسمية إذا كانت هذه او تلك ستوحدنا؟؟ او بصيغة أخرى هل ان وحدتنا تعتمد على تسميتنا القادمة؟؟
كجواب على هذا السؤال اقول:
يخطيء من يعتقد بأن الوحدة القومية بين الكلدان و الآشوريين تمر بالتسمية. و يخطيء أيضاً من يعتقد بأن الوحدة إذا ما وجدت لها الأرضية الصالحة، ستكون انصهارية لكل الأطراف. و كما ذكرت سلفا بأن التسميات كلها بنفس المعنى، لكن يعتقد البعض ممن يعوزه النضج الفكري بأن التسمية الفلانية هي وحدوية و الأخرى انفصامية قابلة للإنفلاق في اي وقت و كأنه يتعامل مع عناصر او محاليل كيمياوية.
كما ان التسمية مهما كانت ليست عائقاً امام العمل الوحدوي المقرون بإحترام الآخر. فهناك العديد من الإئتلافات السياسية بين الأحزاب و المؤسسات الكلدانية و الأشورية و السريانية بالرغم من اختلاف تسمياتها. وهناك الكتلة المسيحية في الجمعية الوطنية التي تتكون من أشخاص تابعين لأحزاب و مؤسسات مختلفة في تسمياتها.
و بالمقابل نجد أحزابا و مؤسسات تحمل نفس الإسم القومي لكنها في صراع مستمر الى حد عداء و اسلوب التسقيط المقصود و التشنيع والتبشيع على اشده بينهم.
و ختاما اقول سيبقى الكلداني يعتز بقوميته ، و ستبقى المؤسسات الكلدانية تنمو و تزداد ، و أقدر أيضاً اعتزاز الآشوري و السرياني بتسميته، مهما كُتب في الدساتير و مهما فعل البعض في الغاء الآخر.
الحل الأمثل هو في ايجاد صيغ للتعاون و العمل المشترك بإحترام متبادل، و التوقف عن الغاء الآخر و عبادة الأشخاص، و الكف عن زج التاريخ و تزويره في السجال الدائر بين كل الأطراف و التفكير الجدي بمستقبل أجيالنا القادمة سواءا في الوطن او في المهجر. و قطع الطريق امام المتصيدين في المياه العكرة ممن يسهل عليهم تبديل مواقفهم و قوميتهم اشباعاً لرغباتهم النفسية و الذين يلعبون ادواراً خبيثة تحت ذريعة التسميات.