المحرر موضوع: الأب بُطرس حدّاد..شمس لا تعرف الغروب  (زيارة 1371 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الاب يوسف جزراوي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 311
  • الجنس: ذكر
  • انك انت صانع نفسك بنفسك
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأب د. بُطرس حدّاد  شمس لا تعرف الغروب


عندما كنتُ أُدبج هذه الصفحات عن الراحل الكبير بقلبه وبنتاجه لمعت في ذهني بعض الذكريات مع المؤرخ العريق الأب حدّاد ألاّ وهي: لما أنتقل الأب بُطرس حدّاد  رحمه الله إلى كنيسة سلطانة الوردية احتفل بعد بضعة شهور  بذكرى رسامته ال(40)  في قاعة الكنيسة، وكانت القاعة تغص بالمؤمنين وبعض الكهنة وعدد من العوائل والشباب الذين قدموا أيضًا من كنيسة مار بثيون- البلديات وكان منهم ( شماس بولس، يوسف الساعور/ أبو صفاء، باسل صباح حوير وعائلته وشقيقته سهير حوير وعذراء مانؤيل وهيثم جورج وباسل صليوا والشماس سعد نافع وزوجته وعازف الجوق ريان وأعضاء الجوق والأخوية وغيرهم) فقلتُ للراحل الكبير:آهلنا الله لنحتفل بيوبيلك الذهي. فابتسم وقال: "عيني سوف أفرح به في السماء.. البركة بيكم". وبالفعل هذا الذي حصل!
كان الرجل يرفض أن توضع نبذة عنه في نهاية مؤلفاته لكنه اقتنع أخيرًا في كتابه يوميات الحرب العالمية الأولى وعبر من كتب التراث والتاريخ للحوار المسيحي الأسلامي. كان يقول لي: "أكتبها بعد أن اموت". وكان قد أعطاني معلومات عنه وقال أنها بمثابة سيرة ذاتية. ولما تحدثنا معًا أخر مرة  أوصاني قائلا ":"أبويّ لا تنسى الأمانة".
واليوم أنشر هذه الصفحات بمناسبة الذكرى الـ(49) لرسامته الكهنوتية ووفاءًا مني  لأستاذي  المؤرخ العراقي الكبير والعلامة الأب بطرس حدّاد، الذي عاش حياته خلف الأضواء ولاسيّما في سنواته الآخيرة عاش مُنزويًا في مقر إقامته وخدمته في كنيسة سلطانة الوردية ببغداد، ولم يلقَ أي أهتمام يذكر، فكرس ذاته وفنى نفسه من أجل التراث والتاريخ وأن كان هذا على حساب خدمته الرعائية في الكنائس التي خدم فيها. إذ صعب التوفيق الدقيق بين متطلبات حياة الكاهن ، وبين تطلعاته ومواهبه وهواياته وواجباته كرجل علم .. والأب حدّاد بقدر ما خدم كنيسة العراق، فلقد خدم أيضًا العراق والعراقيين علمًا وأدبًا وثقافة وتراثًا في حياته المدنية. لقد تنوعت حياة الأب بُطرس حدّاد تنوعًا كبيرًا ، فهو كاهن ومختص باللاهوت وراعي كنيسة ومترجم نصوص تاريخية عن لغات أخرى، ومحقق لتواريخ ، وكاتب سير وتراجم ، وإنسان يمتلك حسًا فنيًا، أحب الموسيقى والترانيم ، كان يمتلك صوتًا شجيًا  ويتقن ألحان الطقس الكلداني، علاوة على إنه رسّام تشكيلي وله عدة محاولات كما كان حسن الخط ، فصيح اللسان خطيب لبق يرتجل كلماته ومواعظه، مُحبًا لجميع الناس بلا تميز.
سمي بحارس ذاكرة الكلدان، المؤرخ الكبير، البحاثة، المصنف المتنوع....
سيرته الذاتية:

أسمه قبل الانخراط في الكهنوت ناظم ميخائيل يوسف مقدسي رفو حدادّ . تولد في  الموصل بتاريخ 25\11\1937 (وأخطئ من قال 1938)، من أسرة كلدانية عرفت بالتزامها الديني تضم ثلاثة أبناء وابنة واحدة. غانم حدّاد هو الأخ الأكبر وأخته غانمة وأخيه يوسف. وناظم الأبن الأصغر. وأباه ميخائيل يوسف الذي توفي وهو لايزال صغير السن وأمه نجيبة حنا قطلو واللذان منهما تعلم مخافة الرب ومحبة كل الناس بدون تميز ومنهما تعلم أيضًا التمسك بجذور كنيسته وشعبه وبلده. كان جده يوسف كبير شمامسة بيعة مسكنتا في الموصل ، ويلقب شماس يسو ، كان من أشد الذين تأثر بهم الأب بطرس الذي اعتاد منذ صغره التردد على الكنيسة أكان مع إخوته أومع زملائه طلاب المدرسة التي كانت تجمع أبناء كلدان الموصل، تلك المدرسة التي تأسست في النصف الأول من القرن التاسع عشر، بجوار كنيسة شمعون الصفا  في الموصل ولهذا عرفت المدرسة بأسم مدرسة شمعون الصفا،إذ كان معظم أبناء الطائفة الكلدانية يترددون عليها.
      بعد أن أنهى الأب بطرس حدادّ دراسته الابتدائية عزم على الدخول في سمنير الكلدان في الموصل، ألاّ أن عائلته منعته من ذلك وحُجتهم انه لايزال صغير السن، فأنتقل إلى مدرسة متوسطة حكومية أكمل فيها الصف الأول المتوسط الا ان حماسه واندفاعه الشديدين ورغبته نحو الإقبال على الكهنوت وخدمة النفوس ودعوة الرب كلها عوامل دفعته إلى دخول المعهد الكهنوتي في اواخر ايلول سنة 1951 بعد ان تم قبوله في خريف العام ذاته ،وهناك أكمل دراسته المتوسطة.
      وفي صيف  1954 أُختير من إداة معهد شمعون الصفا البطريركي في الموصل  لإكمال دراسة البكلوريوس والماجستير والدكتوراه في الجامعة الاوربانية (بروبغندة- كلية إنتشار الإيمان) في روما(سُميت بالاوربانية نسبة إلى البابا أوربانوس الثامن الذي أسسها). أوفد ناظم  إلى روما مع أبن جلدته  فاروق حَبّي  والذي غدى بعد ذلك العلامة الكبير الأب يوسف حبّي، وهناك نهل من العلوم والثقافات وتعلم اللغات إلى  أن نال شهادة البكلوريوس سنة 1957 وبعدها أكمل دراسته العليا فنال شهادة الماجستير في الفلسفة سنة1961 عن اطروحته عن القديس أوغسطين وله ماجستير في اللاهوت عن اطروحته المُسماة"سفرة الراهب صوما في القرن الثالث عشر من بغداد إلى الغرب" . رسم كاهنًا في 20 /12/1961.  نال شهادة الدكتوراه في اللاهوت سنة 1964 من الجامعة المذكورة سلفًا.
عاد إلى مسقط رأسه الموصل سنة 1964، حيث تعين حينها في كنيسة أم المعونة في منطقة الدواسة،وهذا  كان  أول تعيين كنسي رسمي له. في سنة 1966 أنتقل إلى بغداد للخدمة في المعهد الكهنوتي البطريركي في الدورة معاونًا للأب ( المطران) إبراهيم إبراهيم إذ طلبه من بغداد البطريرك الطيب الذكر مار  بولس الثاني شيخو ليقوم بتدريس التاريخ الكنسي في المعهد الكهنوتي الكلداني المنتقل إلى بغداد- الدورة. وأستمر في الخدمة فيه إلى عام 1968. إذ تعين للخدمة في كنيسة مار يوسف البتول – خربندة- كمعاون للخوري قرياقوس حكيم رحمه الله.

في صيف 1968 أوعز إليه الطيب الذكر البطريرك مار بولس شيخو للعمل في ارشيف البطريركية الذي كان وقتذاك في دير القديسة تريزيا في بغداد- السنك وأستمر في العمل إلى سنة 1974.
ولما تسنّم غبطة مار روفائيل الأول بيداويد الكرسي البطريركي سنة 1989 عينه مديرًا للديوان البطريركي/قلم البطريركية ومسؤولاً عن أرشيف البطريركية، وفي بعض الزيارات خارج العراق كان يرافق البطريرك بيداويد كسكرتيرًا له. ولما أعتلى السدة البطريركية غبطة البطريرك مار عمّانوئيل الثالث دلّي سنة 2003، أستمر عمل الأب حدّاد في البطريركية الكلدانية . حيث عملتُ تحت أشراف الأب الفقيد سنة 2004 بصحبة الأب نادر إسماعيل الراهب في أرشيف البطريركية ومكتبتها العامرة بدعوة من الأسقف الراحل مار أندراوس أبونا رحمه الله، وبمباركة غبطة البطريرك مار عمّانويل الثالث دلّي . وكان الأب حدّاد وقتذاك يُحضر لنشر رسائل البطريرك مار يوسف أودو فكان بين الحين والاخر يوعز إليّ بجلب رسائل البطريرك أودو ووضعها في مكتبه في البطريركية ليتأكد من تاريخ معين أو أسم ما... إذ كان رحمه الله دقيقًا في عمله وحريصًا على ما ينشر وينتج.


أستمر الأب بطرس في منصبه في البطريركية  إلا أن سوء حالته الصحية وسوء الأوضاع الأمنية دفعته في صيف 2006 إلى طلب إعفاءه من المنصب الذي وحسب ظني لايزال شاغرًا من بعده إلى يومنا هذا.
 في سنة 1978 عُين للخدمة في كنيسة ما ر بثيون الكلدانية في حي البلديات، هذه الكنيسة التي خدمها 23 سنة وأحبها بكل جوارحه وبكل ما تحمله الكلمة من معنى،وقد تتلمذت تحت يديه وأشرافه هناك .
في 6/8/2001 أنتقل للخدمة في كنيسة سلطانة الوردية ( قديسة ريتا- أمُّ الدرج) كرادة خارج. وفي مطلع رسالتي الكهنوتية خدمت معه في هذه الكنيسة فترة قصيرة.
للفقيد مكتبة كبيرة عامرة وغنية بامهات بطون المراجع والمصادر، تربو إلى 10 ألالف كتاب ومجلة ومخطوط، بحسب تقدير الأب الراحل، كان قد تبرع لي شخصيًا سنة 2005 بما يزيد عن 200 كتاب، وقبلها كان قد تبرع سنة 1992 لمكتبة المعهد الكهنوتي ما يقارب ألفي كتاب ومجلة.
اهتم رحمه الله بأدب الرحلات فترجم عن الفرنسية والإيطالية  وللأتينية والإنكليزية إلى العربية مؤلفات عدة تحكي صفحاتٍ من تاريخ العراق الذي أعطاه جُلَ اهتمامه، إذ كان  يدفعه في ذلك حُبه وحرصه على حفظ تراث بلده وكنيسته  ومساعدة الباحثين وطلبة الدراسات العليا  بما يصبون إليه من حقائق ومعلومات.
 نشر الأب بطرس الكثير من المقالات الرصينة على صفحات أكثر من (20) مجلة ونشرة محلية وعالمية وبعدة لغات. وله ما يزيد عن (40) مؤلف بين تآليف واعداد وترجمة وتحقيق.
كما أهتم رحمه الله  بأدب الرحلات  إلى بلاد وادي الرافدين . إذ  ترجم عن الفرنسية  مقتطفاتٍ من رحلة تيفنو إلى العراق المنشورة في مجلة بين النهرين (1974)، وعن الايطالية ترجم رحلة الأب فنشنسو إلى العراق ونشرها بقسمين الأول نشر بمجلة مجمع اللغة السريانية (1975) والقسم الثاني نشر في مجلة المورد (1976) وقد طبعت الرحلة بكتابٍ مستقل في الموصل سنة 2009، وله عن الانكليزية رحلة تيلر إلى العراق المنشورة بمجلة المورد (1982) العدد1، وعن الفرنسية رحلة لجان إلى العراق التي نشرها في مجلة المورد (1983) العدد3، وطبعت بكتاب مستقل في  بغداد سنة  2009، كما ترجم تقرير المطران باييه عن العراق وهو باللغة اللاتينية ونشره في مجلة بين النهرين (1983) وعن اللاتينية أيضا ترجم الرحلة الشرقية للأب فيليب الكرملي ونشرها في مجلة المورد (1989)العدد4، وعن الايطالية ترجم رحلة فيدريجي إلى العراق المنشورة في مجلة المورد (1989)العدد4 وعن الايطالية ترجم أيضا رحلة ديللافاليه إلى العراق (السائح العشق وقصة الحبّ مع ست معالي العراقية) طبعت ببغداد سنة 2001، وكذلك رحلة سبستياني إلى العراق القرن السابع عشر طبعت ببغداد سنة 2004
في سنة 2005 صدرت له ببغداد رحلتان ايطاليتان هما رحلة بالبي إلى العراق ورحلة اوجين فلاندان رحلة في مابين النهرين.
وفي سنة 2009صدرت له رحلة أخرى عن الفرنسية هي رحلة من بغداد إلى حلب للوي جاك روسو، ولديه رحلات أخرى كانت قيد الطبع في طهران ولندن والأخرى تحت الترجمة.
كان عضوًا في المجمع العلمي العراقي ( هيئة اللغة السريانية)
عضوًا في إتحاد كتاب العراق
عضوًا في دائرة التاريخ والتراث،الواقعة في شارع العلاوي ببغداد.
من محبي شارع المتنبي وكان مُلتقاه في مكتبتي المثنى والرباط.
عضوًا في هيئة أو بيت المدى للثقافة والفنون
كان يتمتع بعلاقات مُميزة في الأوساط الثقافية العراقية والدولية، مُنفتحًا على الجميع، فأحبه الجميع.
له أكثر من مُقابلة تلفزيونية في تلفزيون العراق وقناة عشتار الفضائية وقناة الشرقية، إذ تحدث في قناة الشرقية عن الأب انستاس الكرملي.

المؤلفات
صدر للأب بطرس حدّاد ما يزيد عن ال(40) نتاجًا بين ترجمة وتحقيق وتأليف، نذكر منها:
• المُرشد إلى القدّاس الكلداني ( باكورة أعماله)
• البُشرى السارة
• التاريخ الصغير (ترجمة)
• الفاتيكان (ترجمة)
• الرهبنيات النسائية في الكنيسة الكلدانية
• رهبانية بنات مريم الكلدانيات
• أخواتكم الراهبات الكلدانيات
• صفحات ناصعة( عن البطريرك شيخو في طبعتين 1972- 1980)
• المُعجزات بالتعاون مع الأب فرنسيس المُخلصي
• تلاميذ المسيح بالتعاون مع الأب فرنسيس المُخلصي
• الصلاة الربية بالتعاون مع الأب فرنسيس المخلصي(ترجمة)
• فهارس المخطوطات السريانية والعربية في خزانة الرهبنة الكلدانية بالتعاون مع الأب ( المطران) جاك إسحق( جزئين).
• يسوع بحسب متى (طُبع بمناسبة صلاة الأربعين للأب فرنسيس المُخلصي)
•   المخطوطات العربية النصرانية في مكتبة المتحف العراقي ببغداد،بغداد-1987.
• دير ما اورها
• الشهر المريمي وطبع بعدة طبعات في العراق
• قلب يسوع الأقدس وطبع أيضًا عدة طبعات في العراق
• قديسة ريتا ( طبعتين).
• مار إيليا الحيري
• كنائس بغداد ودياراتها ( وهو بحسب رأيي المتواضع واحد من أثمن وانفس مؤلفاته التاريخية) بحيث يعد مرجعًا في تاريخ كنيستنا وتاريخ بغداد الحديث.
• يوميات الحرب العالمية الأولى( الطبعة الأولى أمريكا).
• يوميات الحرب العالمية الثانية ( الطبعة الثانية الذي طبع باشرافي بالتعاون مع الأب حبيب النوفلي ضمن منشورات كنيسة مار كوركيس الكلدانية) 2003 وفي مؤخرة الكتاب نشرت جزءًا من السيرة الذاتية للأب بُطرس.
• مختصر الأخبار البيعية( تحقيق ونشر).
• رحلة ديللافالية إلى العراق ( السائح العاشق) ( ترجمة عن الإيطالية).
ط 1 2000و الطبعة الثانية نشرتها له إحدى المؤسسات العراقية التي تُعنى بالتراث سنة 2004.
• إبرشية عقرة الكلدانية ( تحقيق)
• المؤسسات البطريركية (ترجمة عن الفرنسية)
• عِبر من كتب التراث ( مقالات في مجلة الفكر المسيحي في باب عبرة من الأمس. جمعتها له ونشرتها في كتاب بعد أن تمت طباعته في شارع المتنبي 2003).
• وثائق آل رسام ( منشورات الرهبانية الكلدانية، كنت قد أدخلتها على الكوبيوتر وأشرف على الطباعة الأب سامر صوريشوع الراهب).
• ما ر يوسف الأول (منشورات الرهبانية الكلدانية ، بجهود الأب سامر صوريشوع).
• رحلة سبستياني ( الراهب الكرملي) كنت قد نضدت الكتاب وإشرفت على أخراجه الفني وطبع في مطبعة الديوان ببغداد.
• رحلة من بغداد إلى حلب للفرنسي روسوّ
• رسائل البطريرك ما ريوسف أودو (جزئين) منشورات الرهبانية الكلدانية بجهود الأب سامر صوريشوع الراهب
• رحلة الجوهري البندقي بالبي
• نُبذة في تاريخ المدرسة الكهنوتية للخوري داود رمو منشورات المعهد الكهنوتي بغداد 2002. (تحقيق)
• الخواطر للخوري داود رمو ( تحقيق وتعليق).
•   وثائق تاريخية كلدانية ،حققها ونشرها الأب بطرس حدّاد، بغداد-2010.
وهو يرقد في مستشفى الراهبات صدرت له عن الفرنسية رحلة من اسطنبول إلى البصرة1781 للرحالة الايطالي سيستيني المطبوعة في بيروت سنة 2010،وله رحلتان قيد الطبع أحداهما كانت تُطبع في طهران والأخرى في لندن.

وفاته

كان الراحل الكبير يُعاني من مرض السكري، ولما عشت معه في كنيسة سلطانة الوردية كنت أراه يحقن نفسه أحيانًا في الفخذ الأيمن أو الأيسر بحقنة أنسولين. بتاريخ 30 /10/2010 تعب الأب بُطرس وشعر بالإنحلال الجسدي فأتصل بالأب صلاح خدور ليأتي إلى الكنيسة ويقوم بالعماذ عوضًا عنه. ورغم المتاعب التي كان يُعانيها  الأب حدّاد إلا أنه رفض الذهاب إلى المستشفى. وفي صباح اليوم التالي ساءت حالته ولم يتمكن من الوقوف على قدميه فأتصل بعازف الجوقة السيّد عمر كتي وأصطحبه إلى مُستشفى الراهبات في الكرادة داخل- منطقة 40 حرامي بتاريخ 31/10/2010 في يوم مذبحة كنيسة النجاة. وهو يخرج من غرفته عاد ففتح باب مكتبه مرة أخرى، ونظر إلى مكتبه حيث كان يوضع عليها كتاب كان قد إنهمك فيه، فنظر إليه وقال رحمه الله:" آه يا كتابي العزيز سوف أشتاق لك كثيرًا" وأوصى الشباب الذين كانوا متواجدين في باحة الكنيسة على الإستمرار بالحضور إلى الكنيسة والتمسك بإيمانهم.( معلومة أمدني بها الأخ عمر كتي /عازف الجوق).
للأسف يومًا بعد يوم كانت  حالة الفقيد تزداد سوءًا وصحتة  بالنازل. وحسب ما قيل لي كان يشعر بالخوف ( ولم يلقَ أي أهتمام يذكر، فمثل الأب حداد لو كان في بلد أخر لكان حمل على كفوف الراحة. هكذا تعلمنا في الشرق أن نهمش مُبدعينا في حياتهم ونكرمهم بمماتهم!!. لقد خسرناه!
رقد بالرب بعد أن لفظ  الرجل أنفاسه الأخيرة بكل هدوء وسلام عصر يوم الجمعة 26/11/2010 في قرابة الساعة الخامسة والنصف عصرًا وله من العمر 73سنة بعد أن تفاقم لديه مرض السكري ومعاناته من ارتفاع اليوريا وعجز الكليتين.
أهتزت الأوساط الفكرية والعلمية والتاريخية لرحيل هذا الصرح العراقي الكلداني العريق.نعاه كل من  فخامة الرئيس العراقي  السيّد جلال  الطلباني ونائبه عادل عبد المهدي، وسيرة حياته التي نشرتها في موقعي عنكاوا وقناة عشتار الفضائية تصدرت العديد من الصحف العراقية علاوة على المواقع الألكترونية وقد أخذ عنها من الكتاب ما أخذ.
شيع عشرات المسيحيين في موكب رسمي ببغداد جثمانه الطاهر بعد أن انتشر خبر وفاته اسرع من البرق في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية  ووسائل الأعلام المرئية وكتب عنه الكثير من اقلام عراقية. حضر مراسيم تشيعيه شخصيات أدبية وعلمية وسياسية  وشخصيات الدولة العراقية ورجال دين.
دفن في مقبرة الكهنة للكلدان في بعقوبة. وأقيم له أكثر من تأبين ولاسيما من محبيه وهيئة التاريخ وبيت المدى للثقافة والفنون.
ختامًا
هناك أشخاص يموتون فنبكي عليهم لوقت وقصير وننساهم أو نتناساهم لأنهم كانوا الحاضرين الغائبين، أو لان المركز هو من أعطى لهم  قيمة ومكانة إجتماعية، وهناك شخصيات تموت نبقى نبكي عليها حياتنا باكملها ونسترجع ذكرياتهم وماثرهم ونتحسر على فراقهم، هؤلاء قيمتهم بذاتهم الفريدة ، والأب حدّاد هو اليوم الغائب الحاضر بعد ان بصم له بصمة مؤثرة في النفوس وفي الحياة وترك بعده آثرًا يذكر ويشكر.
نام يا أبتي واستاذي قرير العين بسلام المسيح. وداعًا يا أبتي الحبيب، سنتذكرك كلما رجعنا إلى الكتب والأبحاث التي وضعت فيها عصارة فكرك ودراستك وبحثك، وسيظل أخوتك الكهنة والسادة الأساقفة يتذكروك من على مذبح الرب، وسيظل كل طلابك وقرائك وكل من عرفك وأحبك ونهل من علمك وكتاباتك  يتذكروك من خلال مؤلفاتك وكتاباتك وكتبك وخدماتك الإنسانية. ستبقى محبتك مغروسة في الأعماق وذكراك عالقة في الأذهان، وسيبقى صوتك وكلماتك الموصلية( هلو عيني، أشلونك أبويّ) تجلجل في زوايا مكتبك في كنيستك في بغداد، بل سيبقى صدى صوتك وصدى هذه الكلمات واثارك تُجلجل في نفوسنا، فنم قرير العين بسلام المسيح. ولتكن صلاة أمنا مريم التي أحببتها ورنمت لها كثيرًا معك وهي تقودك لملكوت السماء. اللهم أمين وأمين.
شكرًا يا رب على كل النعم التي أعطيتها لشعبك وكنيستك بشخص الأب بطرس حدّاد.
في الختام أقول لك يا أبتي
ستبقى حيًا في حياتي إلى أن تنطفى شمعة حياتي، فقد حفرت لأسمك البقاء المجيد، وأنك تستحق الخلود لما تركته بعدك من محبة وآثار ونتاجات وذكر حسن وطيب. وهذه شيمة العظماء، إذ وحده العظيم الذي بمقدوره أن يترك بعد آثر يذكر ويشكر. ومن لا اثر له لا يستحق الخلود.




الراحة الأبدية أعطه يا رب ونورك الدائم ليشرق عليه.
نام أيها المؤرخ الجليل فلقد حفرت لأسمك البقاء المجيد.... لقد تركت بصمتك في جبين التاريخ
إنك بحق شمس لا تعرف الغروب.


تلميذك دومًا الأب يوسف جزراوي
كاهن أبرشية مار توما الرسول للكلدان في أستراليا
نحن خلقنا لنحبّ ولنشهد لحبّ الله بين اخوتنا البشر
على الله أبي إتكالي لإشهد بحبهِ بين اخوتي
الإنسان المُسامح هو الذي سيربح في نهاية المطاف.