المحرر موضوع: 2- الدرب الطويل/ 14  (زيارة 644 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل محمد علي الشبيبي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 164
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
2- الدرب الطويل/ 14
« في: 16:22 07/01/2011 »
2- الدرب الطويل/ 14
من (ذكريات معلم) للمربي الراحل علي محمد الشبيبي (1913-1996)

الخداع أبرز صفات الثعلب
حين جاء نوري السعيد إلى الحكم في 11/3/1947 أي بعد أكثر من شهرين على استقالة أرشد العمري، ألغى قرار تعطيل جميع الصحف، عدا جريدة العصبة، التي أغلقت أيام وزارة أرشد. وظهر كتقي يطلب الخير للجميع، ويمسح الدموع من عيون الأمهات والآباء والذين فقدوا أبناؤهم خلال العواصف الهوجاء. لقد جاء اختيار "نوري"، ليبدو بمجيئه هذا وكأنه بريء مما جنته يدا أرشد العمري!. فماذا سيفعل؟
دعا رجال السياسة من مختلف الأحزاب، أن يشاركوا بوزارته هذه. ويضمن لهم أن يحقق ما يشترطون!؟ وكانت شروط الأحزاب حينها، دعم الحياة الحزبية، وفتح فروع لها خارج بغداد، وحرية الانتخابات، وعدم التدخل من جانب الحكومة.
حقاً إن الذين قبلوا المشاركة، قد نسوا انه ثعلب ماكر، وان بدا مرتدياً مسوح الزهاد! ثلاثة أحزاب تقدمية، لم تكتف برفض الدعوة، بل جابهت هذا الإدعاء، بأنه لغرض تفتيت الحركة الوطنية، وتوريط شخصيات معروفة بصلابتها ونهجها، ليحدث بينها وبين أمثالها فجوة وشقاق.
حين دعا نوري الأحزاب للمشاركة استجاب له الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب الأحرار. بينما دعت الأحزاب التقدمية الوطنية إلى عدم تصديق نوري لما تعهد. فحزب الإتحاد الوطني أعتبر مقاطعة الانتخابات أنجح وسيلة لفضح الغاية المبطنة. وحزب التحرر، بلسان رئيس الهيأة حسين الشبيبي قال في كتاباته "فنحن أذن ننبه المواطنين إلى خطر الأخذ بزعم انتخابات حرة، والى خطر الاشتراك في هذه الانتخابات التي يراد بها الإتيان بمجلس ووزارة مكلفة بتبرير بقاء النفوذ والامتيازات الأجنبية، ومكلفة بالتصديق على المشاريع، والخطط الاستعمارية التي يراد إعطاؤها الصفة الشرعية". وذكرت "القاعدة" جريدة الحزب الشيوعي في 24/12/1946 "إن الإنكليز هم الذين أوحوا بمجيئها لأحكام سيطرتهم على مقدرات البلاد".
وتحضرني التفاتة رائعة من فهد، أرى لزاماً عليّ أن أذكرها للتأريخ، ولست ممن يتعصب. قبيل سقوط وزارة أرشد العمري، كان الحزب قد عقد اجتماعا في دار أحد رفاقه في راغبة خاتون، وبعد أن أنفض الاجتماع وخرج أكثر الأعضاء، خرج فهد وزكي وحسين وأنا وسامي نادر، بانتظام مقرر في ساعة متأخرة من الليل. بينما كان فهد يمشي على مسافة معينة توقف ينتظرنا، دنونا، فقال "لا أستطيع الانتظار، أريد أن أقول لكم، إن محمد حديد سيكون في الأيام القابلة وزيراً!". تساءلنا، وكيف هذا؟ أجاب عندما نصل إليكم، سأوضح ذلك، إنه استنتاج!
وصلنا البيت، فأخرج جريدة "نيوستسمان" الإنكليزية. كان فيها مقال للأستاذ محمد حديد فيه عبارة تشير إلى "إن الإنكليز مازالوا يفهمون العراق والعراقيون كفهمهم له أوائل أيام احتلالهم، إنهم يجيئون إلى الحكم بوجوه عرفها العراقيون وفهمها جيداً وسئم منهم. وقد ظهرت وجوه محترمة في أفق السياسة والثقافة؟!". أنا لا أفهم اللغة الإنكليزية ولم أكتب نص كلمة محمد حديد من الجريدة، لذا كتبت مؤداها قدر ما أتذكر. وعقب فهد "إن هذه العبارة لفت نظر لهم. وعلى الأكثر سيأتون به يوماً!".
فلما أعلن عن تشكيل وزارة نوري التاسعة، ودعا إلى مشاركة الأحزاب له في الوزارة وفق ما يريدون من شروط، وأعلنت أسماء الوزراء الجدد، فكان من بينهم "محمد حديد" للتموين. وآخر عن حزب الأحرار. وأشار نوري إلى إن وزارته ضمت عضوين من وزارتين فقط، لأنها ائتلافية!
وقاطع حزب الشعب الانتخابات أيضاً وأصدر بيانا بهذا الشأن. أما حزب التحرر فانه لم يكتف بالمقاطعة، بل قاد مظاهرة صاخبة احتجاجا على أساليب الوزارة السعيدية. فقد أستأجر حزب التحرر دار ملهى الفارابي ليلقي فيه رئيسه "حسين الشبيبي" خطاباً كان بعنوان "موقفنا من الوزارة الحاضرة" وقد صودر الخطاب من المطبعة. ولما حضرت جماهير الحزب وجدوا محل الاجتماع مغلقاً ومختوماً بالشمع، والشرطة واقفة على الباب تمنع الوافدين، مع إن الاجتماع مأذون من المتصرفية حسب الأصول. فأثارها المجتمعون مظاهرة رائعة، قاومتها شرطة نوري، فقاومت هي الشرطة بما استطاعت. وأعتبر رئيس الحزب الوطني الديمقراطي هذه المظاهرة بأنها جاءت لإحراج موقف حزبه من الوزارة، وحَمْلِها على الانسحاب منها. وقال على صفحة صحيفته "صوت الأهالي" بتأريخ 16/12/1946 "إنهم مخطئون إذا كانوا يقصدون ذلك لأن حزبنا أستقل بأعماله".
وأعيد "حسين" وبعض رفاقه وكثيرون من قبض عليهم في المظاهرة إلى السجن. وحكم على حسين -بعد حين- بست سنين بسبب المظاهرة والخطاب.
وفعلاً فان نوري الثعلب بعد أن شكل الوزارة، نقض عهوده بأساليبه المعروفة التي ينفذها عملاؤه. فأعتذر عن فتح الفروع للأحزاب، بحجة أن الأمر موكول إلى متصرفي الألوية، وعلى الأحزاب أن يقدم منتسبوها الطلب إليهم. ولم تجد كل المحاولات مع المتصرفين. كذلك قام عملاؤه بواجبهم، كما يريد، في التدخل بشؤون الانتخابات، لذا لم يفز حزب الاستقلال وهو يلتقي مع نوري السعيد في كرهه للشيوعيين والشيوعية مع اختلاف في طريقة التعامل، ولكنه يرى أنها عقيدة يجب أن تقاوم بعقيدة، ونظام اقتصادي يجب أن يقابل بنظام اقتصادي، لا بالقوة والإرهاب فهذا ما يزيدهم قوة.
وانكشفت مزاعم نوري السعيد حول حرية الانتخابات، فاستقال وزيرا الوطني الديمقراطي والأحرار. وقالت جريدة السياسة: "لقد توقعنا كل هذا وحسبنا حسابه". أما زعيم الوطني الديمقراطي فقد أعتذر بقوله "من واجبنا أن لا نمارس الحياة الديمقراطية بصورة سلبية دائماً". 
ثم استطاعت شرطة التحقيقات الجنائية أن تكشف الدار التي تطبع فيها جريدة الحزب. وبعد أسبوع وفي 11/1/1947 ألقت الشرطة القبض على "فهد" سكرتير الحزب الشيوعي، وبعض أعضاء المكتب السياسي، كان بين المعتقلين زكي محمد بسيم، وعزيز عبد الهادي، وصاحب الدار الصيدلي إبراهيم ناجي. للعثور عليهم حكاية سأرويها. وبعد فترة تزيد على الشهر قليلاً استقال محمد حديد بسبب تدخل جماعة الكتلة، المقصود بهما صالح جبر وصادق البصام. جماعة الكتلة استقالوا من الوزارة ليتسنى لهم جو أرحب في خوض غمار الانتخابات.
نحن في النجف شهدنا أعوان نوري، من المتقدمين بترشيح أنفسهم، ومن جلاوزته وجلاوزتهم كيف يتدخلون وكيف يعتدون، بينما كان المشرف القانوني الأستاذ "ياسين الكيلاني"  أنزه من عرفنا من الحكام وقد نقل برقياً إلى بغداد. ذلك إن المؤيدين لسعد صالح كانوا قد شدوا الحيازم وهم من مختلف الاتجاهات الوطنية، فلم يجد السعيد بداً من الاتصال به. طاعنين بنزاهة موقف الحاكم النبيل، ومع ذلك فإنهم لم يستطيعوا التغلب.
لم يسبق أن رأى النجفيون حاكماً نزيهاً وصلباً في الحق والعدل مثل "ياسين الكيلاني". كان لا يزور أحداً، ولا يسمح لأحد أن يزوره خلال دوام المحكمة، ولا يقبل وساطة أو شفاعة. أتصل به نوري نفسه يتهمه بالتسامح في مراقبة الانتخابات وتلاعب بعض المتنافسين، فرده بعنف بأنه يعرف المتلاعبين ولم يسمح لهم وأنهم هم الذين تهتم بهم!
نوري لابد انه يمهد السبيل لطبخة جديدة. ذلك ما فهمناه من تصريحات رجال القوى الوطنية خلال طعنهم بدعوته للأحزاب بالمشاركة. فلننتظر فالمستقبل كشاف كما يقولون!

حكاية إلقاء القبض على فهد والمطبعة

حسب علمي، حين أختلف ذو النون أيوب مع القاعديين، وأصدر نشرته "إلى الأمام".  ثم القي عليه القبض، ويبدو أنه أجاد التفاهم مع رجال التحقيقات الجنائية، فأصدر بيانا يبدو من عباراته، انه لما لم يجد مجالا للنضال العلني سلك هذا المسلك ولما فسح له الآن المجال، فإنه يلقي عصا النضال، ولرفاقه الذين كانوا معه حرية الرأي، في أن يتبعوه أو يلتحقوا بفئة أخرى؟!
وفعلاً التحق أحدهم وهو إبراهيم ناجي  بجماعة القاعدة. بينما ألتحق الآخر ولا أذكر أسمه تماما ".... فعل" بداود الصايغ، وفتح له هذا مكتبة يستعين بها على إدارة شؤون منظمته "رابطة الشيوعيين" فكان الموما إليه مديراً للمكتبة.
كان الصائغ قبل انسحاب ذو النون من الحزب عضواً هاماً في الحزب (عضوا في اللجنة المركزية/ ألناشر). وبجهوده أستطاع أن يستعيد المطبعة التي أحتجزها جماعة ذو النون، وحدث بعد مدة أن أوقف داود وعند خروجه من الموقف أنسحب أيضاً وكوّن كتلة  رابطة الشيوعيين وأصدر جريدة العمل.
ويبدو أيضاً إن ".... فعل" قد فكر بالابتعاد عن العمل السياسي مطلقاً، دون أن يفكر بطريقة الخلاص. وجاء داود -على العادة- للحساب على صادر ووارد وأرباح المكتبة، فانكشف تلاعب هذا الأمين، فكانت مشادة وشجار انتهى بأن هدد هذا -الأمين- سكرتير الرابطة "داود".  لا علم لنا طبعاً كيف اهتدى الشرطة واكتشفوا هذا -الأمين- أو إنه هو الذي وشى بداود. وحين القي القبض على "داود الصائغ" مضوا به إلى مديرية التحقيقات الجنائية، يعلنون أفراح النصر. إلا إن المسؤولين أفشلوهم وأفهموهم، إن المطلوب فهد سكرتير الحزب الشيوعي.
ويذكر أن "..... فعل" ذكر لهم حينما استفسروا عن علمه بالوكر الذي يأوي إليه فهد أرشدهم إلى مراقبة دار إبراهيم ناجي، فهذا قد ألتحق بركب القاعديين بعد أن ألقى ذو النون عصا النضال. وهكذا تم لهم ما أرادوا، إذ أن فهد حين علم بإلقاء القبض على داود أهتم كثيراً، وراح يصفي ما لديه من أدوات وسجلات تخص الحزب. كان يعينه على هذا عضو اللجنة المركزية "زكي بسيم" وهو من أنشط وأبرز الأعضاء و "عزيز عبد الهادي"، ولم تجد الشرطة ما ينفعها غير آنية فيها رماد أوراق أحرقت، وسجل لف في بطانية والقي في قعر خزان الماء في سطح الدار. وأجاب فهد عن هذه الأسماء التي تضمنها السجل، بأنها أسماء لشخصيات وطنية ولمواطنين نتعاون معهم في ما نلتقي معهم به من رأي في حقل السياسة والقضايا الوطنية وأنهم ليسوا شيوعيين مطلقاً.


يتبــــــــــع

ألناشر
محمد علي الشبيبي
السويد   ‏07‏/01‏/2011
alshibiby45@hotmail.com