المحرر موضوع: هل نقد المسؤولين والثوار خط أحمر وأكثر؟  (زيارة 834 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كاظم حبيب

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1265
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كاظم حبيب

هل نقد المسؤولين والثوار خط أحمر وأكثر؟

 قرأت وأنا في زيارة لمدينة أربيل, عاصمة إقليم كردستان العراق, مقالاً منشوراً على صفحات موقع "صوت العراق" تحت عنوان "نعم, نقد مسعود البارزاني خط أحمر وأكثر...", للصحفي الكردي "صبحي ساله ي". استغربت من هذا العنوان الغريب. وأصبحت أكثر استغراباً من تلك المبررات التي أوردها الكاتب, إذ إنها لا تجسد, كما أرى, وعياً بالمسؤولية التي يحملها الصحفي أو الإعلامي عموماً إزاء حرية الرأي والحق في ممارسة النقد, كما إنها لا تعبر عن وجهة نظر فكرية وسياسية واجتماعية ناضجة ولا يمكن قبولها بأي حال, إذ ليس هناك أي إنسان في هذا العالم المترامي الأطراف غير معرض للنقد والمساءلة, وبلادنا لا يمكن أن تختلف عن بقية دول العالم في هذا المجال.
ممارسة النقد لكبار المسؤولين بشكل خاص, وللدكتاتور الفرد بشكل أخص, كان ولا يزال هو المحرم في الدول الشمولية المستبدة, ومنها كان النظام البعثي الصدامي المقبور. ففي مثل هذه النظم الشمولية تعمد أجهزة الأمن والمحيطين بالطغاة إلى كم أفواه الناس وخياطة فم الإنسان بخيوط يصعب تفكيكها, ويقيد بقيود يصعب تكسيرها من أجل منعه من الحديث أو الكتابة والنشر.
ولهذا لا بد من تأكيد حقيقة إن جميع المسؤولين في العراق أبتداءً من السادة رئيس الجمهورية ومروراً برئيس الوزراء العراقي ورئيس الإقليم ورئيس وزراء الإقليم وبرئيسي مجلسي النواب في بغداد وأربيل وانتهاءً ببقية المسؤولين دون استثناء هم معرضون للنقد حين يرتكبون أخطاءً سياسية. ومن لا يتحمل النقد يفترض فيه أن لا يحتل موقعاً يرتبط بالشأن العام. هذه هي القاعدة العامة في النظم المدنية والديمقراطية. 
إن المقال الذي كتبه "السيد صبحي ساله ي" هو ليس مدحاً للسيد مسعود البارزاني, بل هو من حيث لا يعلم إساءة له إذ وضعه أمامنا باعتباره منزهاً من كل خطأ محتمل, وهو أمر غير مقبول في أي بلد من البلدان, إذ لا وجود لإنسان منزه. ومثل هذا الطرح من جانب الكاتب فيه محاولة لكم الأفواه ومنع ممارسة النقد, إذ حين يبدأ النظام السياسي في الإقليم بمنع النقد وجعله خطاً أحمراً بالنسبة إلى رئيس الإقليم سينتقل تدريجاً إلى بقية المسؤولين بالتدريج, وبالتالي يحرم المواطن من ممارسة حقه في النقد. عندها يشكل هذا النهج تجاوزاً صارخاً على حقوق الإنسان وعلى الدستورين الكردستاني والعراقي.
إن مثل هذا الطرح يعتبر إهانة للمواطنات والمواطنين وكأنهم من طينة أخرى لا يحق لهم ممارسة النقد إزاء إنسان من طينة أخرى, في حين أنه إنسان مثلي ومثلك, وشعب كردستان العراق هو الذي انتخبه لهذا المنصب ومن حقه أن يصوت له أو لغيره.
إن مثل هذا الطرح لا ينسجم مع أسس المجتمع المدني الذي يفترض أن يبنى في إقليم كردستان, ونشر مثل هذا المقال على الصعيد الداخلي والخارجي سوف يثير تساؤلات عادلة عن طبيعة الوضع في كردستان وسيطرح تساؤلاً عن مدى علم السيد رئيس الإقليم بمثل هذه الكتابات التي تحاول تمجيد الفرد وخلق هالة قدسية حوله ونشر عبادة الفرد التي لا يمكن أن تتناغم مع العصر الحديث ومع التحولات الجارية في العالم.
لا أدري إن كان السيد مسعود البارزاني قد اطلع على هذا المقال أم لا. إذ أن نشر مثل هذه الكتابات مخلة بالديمقراطية وحرية الرأي وحقوق المواطنة والمواطن في ممارسة النقد. إن صحفياً حزبياً مثل السيد صبحي صالحي ينشر مقالاً من هذا النوع ويصل إلى أجهزة الإعلام في جميع أنحاء العالم ويقرأ من كثرة من الناس, سيقنع هؤلاء القراء جميعاً بواقع مصادرة الحرية والديمقراطية في إقليم كردستان.
إن معارفي وتجاربي الشخصية تشير إلى إنه كلما ازدادت معارف الإنسان وخبراته الشخصية ومعايشته للبشر واحتلاله موقع المسؤولية الأولى يزداد تواضعه وينمو حرصه على سماع وجهات نظر الآخرين والاستنارة بها والاستفادة منها والترحيب بالنقد الذي ينير درب المسؤولين ولا يضيق ذرعاً بها ولا يسمح لمثل هذه المقالات التي تجسد قمة التملق بالنشر أو سحبها حين يسمع بنشرها.
كم أتمنى على هذا الصحفي أن يعتذر لكل من قرأ المقال ولكل الصحفيين الذين يتمتعون بحس سليم إزاء قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
9/1/2011                       كاظم حبيب