المحرر موضوع: العراق : الأطياف الدينية وخطر الإِنحلال..!  (زيارة 1135 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي

العراق : الأطياف الدينية وخطر الإِنحلال..!

باقر الفضلي

إن ما يلحق الطيف الديني المسيحي في العراق من إستهداف مقصود خلال السنوات السبع الإخيرة، وما يتعرض له ابناء هذا الطيف من إنتهاكات وتجاوزات وإعتداء صارخ طال وجودهم كأحد المكونات الدينية الصغيرة على صعيد الوطن العراقي، لا يمكن أن يستغفل اللبيب أو ينسيه، حقيقة أن جميع الأطياف الدينية في العراق وأحدها الطيف المسيحي، إنما تعود مجتمعة، كبيرها أو صغيرها من حيث معتنقيها، الى مختلف المكونات العراقية البشرية القاطنة حوض وادي الرافدين، والتي تشكل في إطارها العام ومحتواها، النسيج الإجتماعي الموحد للشعب العراقي، الذي إكتسب تسميته من إلتصاقه الجغرافي والتأريخي عبر عصور طويلة من الزمن، بوادي الرافدين العريق في قدمه، ومن هنا فإن أي تصدع يصيب أي من تلك المكونات مهما صغر حجمه العددي، سيلقي بتداعياته السلبية على المكونات  الوطنية الأخرى..!


ولا أظن أن عراقياً مهما كان معتقده الديني أو إنتمائه الإثني، لا يدرك حقيقة أن معتنقي الطيف الديني المسيحي في العراق، هم جلهم من أبناء المكون الوطني العراقي المعروف (الكلداني الأشوري السرياني)، حيث لعب صغر المكونات الإثنية التي يطلق عليها تجوزاً الأقليات القومية، ومنها المكون المذكور، قياساً بالمكونات الإثنية الكبيرة الأخرى مثل العربية والكوردية والتركمانية، دوره في أن تغلب التسمية الدينية لأي طيف منها على التسمية الإثنية، وذلك إرتباطاً ومقارنة بالأكثرية من أبناء الطيف الديني الإسلامي على سبيل المثال، حيث إعتاد الناس إطلاق التسمية الدينية (المسيحيين) على سبيل المثال، على ابناء المكون الكلداني الآشوري السرياني، إضافة لأسباب تأريخية ترجع في قدمها لبدايات الفتح العربي الإسلامي للعراق؛  في وقت يمتلك فيه جميع ابناء هذه المكونات ، أقلية كانت أم أكثرية، الحق الكامل والطبيعي بإعلان عراقيتهم، وحيازة جنسية الوطن، التي تعني حق العيش المشترك سواسية في حياض وادي الرافدين، بما فيها من يرجع في أصوله التأريخية الى العراق القديم، أومن عاصر وجوده منها بدايات الفتح العربي الإسلامي؛  فليس هناك من مكون طاريء على النسيج الإجتماعي العراقي بمكوناته الحالية، التي تُشكل مجتمعة، نسيجَه الإجتماعي المعاصر ولقرون خلت، ما يخل بهذا التوازن الأنثروبولوجي الإجتماعي القائم على مبدأ التعايش المشترك، والمقرون بالسلم الإجتماعي المتبادل..!


فالحملة الإرهابية التي تستهدف اليوم، المكون القومي (الكلداني الآشوري السرياني) العراقي الأصيل والعريق في الوجود، في إطار عقيدته الدينية المسيحية وإختزال وجوده في ذلك الإطار، لا تبتعد كثيراً عن خطة مرسومة هدفها إجتثات المكون المذكور من جذوره الوطنية العريقة في أصولها العراقية، في عملية تطهيرية عنصرية، لا تختلف في الكثير من أبعادها وأدواتها وتوجهاتها، عما تعرض له العراق عام1846_ 1948 حين تم يومذاك، تهجير الألوف من العوائل العراقية الأصيلة من ذات الطيف الديني اليهودي ، بعد تعريضها لحملات واسعة من التنكيل والترويع، شملت مدناً عديدة في البلاد، حيث يقطن العراقيون من أبناء تلك الطائفة، تم بعدها إسقاط جنسيتهم العراقية، والدفع بهم خارج الحدود، في عملية مدروسة ومخطط لها بإتقان، لتفريغ العراق من مكونه المذكور، حيث كان فيها للمنظمات الصهيونية العالمية دور بارز وفعال..!


إن إستهداف المكون العراقي (الكلداني، الآشوري، السرياني) اليوم، ومن خلال التصدي المباشر له، بإستهداف رموزه الدينية والثقافية، وآخرها ما تعرضت له جمعية (آشور بانيبال) من تعد صارخ ومن سرقة لآثاثها(*)،  ينبغي أن لا ينظر اليه وكأنه موجه فقط الى الطيف والمعتقد الديني حسب، بقدر ما يستهدف في جوهره أبناء المكون القومي للطيف المذكور، كوجود إثني عراقي أصيل، والدفع به لترك البلاد، وإخلائها من الثقل الإجتماعي الذي يمثله المكون المذكور على الصعيد الوطني، بكل ما يعنيه ذلك من تقويض لوحدة الشعب العراقي عموماً، وإضعاف لقدراته الإقتصادية والثقافية، وتدمير ودرسٍ لمعالمه الحضارية التأريخية..!


فالكنيسة والمعبد والرمز الديني، ليست بذاتها ولذاتها هي المستهدفة من وراء كل هذا الإرهاب ومَنْ وراءه، بقدر ما هي إلا وسائل وأدوات تستخدم من قبل من يصنع الإرهاب الغاشم بهدف ترويع المواطنين وزرع الخوف والقلق في نفوسهم، وخاصة تلك الفئات البسيطة من الناس من المؤمنين والمتدينين من أبناء الطيف المسيحي من الكادحين، وحصرهم في زاوية ضيقة، لا يمتلكون من خلالها غير الهروب بجلودههم طلباً للنجاة، مثله ما حل ولا يزال يحل، بأقليات دينية أخرى كالمندائيين والإيزيديين حيث إنحسر وجودهم الفعلي في أرض الوطن الى نسب ضئيلة..!؟


 وبذلك يصبح من اليسير للمخطط الإرهابي أن يصل الى مبتغاه المرسوم بحنكة ومقدرة بالغين، بعد أن أدرك مستوى الضعف الذي تعانيه القوات الأمنية، وبعد أن جرى إختراقها في أكثر من محاولة سابقة وفي أكثر من مكان، من جهة، وما يشهده المرء من إندفاع بعض سلطات المحافظات ومنها بالذات مجلس محافظة بغداد، وتحت غطاء الدين الذي لا يسوغ ما تقوم به تلك السلطات، من ملاحقة الحريات العامة التي كفلها الدستور والتضييق عليها، وآخرها إقتحام مبنى الإتحاد العام للكتاب والأدباء للمرة الثانية، ومهاجمة جمعية (آشور بانيبال) الثقافية، وذلك بذريعة الأمر  بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يعطي فرصاً سانحة للإرهاب لتفعيل خططه الإجرامية، في وقت تكون فيه القوات الأمنية منشغلة في "صولاتها الفروسية" للتحري عن "المنكر" في النوادي الإجتماعية والثقافية، وهذا ما تمت الإشارة اليه في مقالات سابقة، من جهة أخرى..!؟ (**)


فمن هي يا ترى، الجهة المستفيدة من وراء كل ذلك..؟! ولماذا يتواصل إستهداف المكونات الإثنية الصغيرة، من ذوي الأطياف الدينية المسيحية والمندائية ومن الشبك والأيزيديين، في وقت باتت فيه مقاصد وغايات ذلك الإستهداف لا تذهب بعيداً عن سياسة تفريغ العراق من مكوناته الوطنية العريقة في القدم واضحة للعيان..؟!


 أليس من بديهيات الكلام بعد كل هذا الوقت الطويل من عمر تجربة العراق "الجديد"، أن تتحدد الأجوبة في إطرها الدستورية والقانونية، وفي حدود مسؤولية الدولة في ضمان حماية الأقليات الدينية، طبقاً لمبدأ المواطنة الذي كفله الدستور، وأن يجري التعامل مع وجود تلك المكونات الوطنية وفقاً لهذا المبدأ الدستوري، لا وفقاً لنظرية العزل العنصري داخل الوطن الواحد حسب مفهوم الأكثرية والأقلية، وفي محاولة لخلق "كونتانات" ذات طابع ديني منغلق، وبذريعة توفير "الحماية" لتلك الأقليات الدينية، لعزلها عن وسطها الإجتماعي العراقي العام، الذي إعتادت العيش والنمو والإزدهار في كنفه خلال كل حقب التأريخ على إمتداده الطويل، وبالتالي تفريغ المدن والقصبات العراقية من مكوناتها الإثنية االصغيرة، وتمزيق اللّحمة الإجتماعية العراقية الواحدة، وتشطيرها على أساس من العزل العنصري الديني والطائفي، وحصر تلك الأقليات في "كونتانات" صغيرة مبنية وفقاً لهذا الأساس، في وقت يوجب فيه الدستور تأمين الحياة الطبيعية لآبناء تلك الأقليات حيث هم موجودون في أرجاء الوطن، سواء كانوا أفراداً أم جماعات..!!؟؟


إن الخطر الذي يحدق بوجود الأقليات الدينية – الأثنية الصغيرة على إختلاف أنواعها في العراق، ويهدد بتلاشي هذا الوجود، هو أكبر من أن يستدعي الإستنكار وتقديم العون والمساعدة حسب، بقدر ما يُحمل الدولة بكافة سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ناهيك عن تيارات القوى والأحزاب المنخرطة في فلك العملية السياسية، وبالخصوص منها من تمسك بمقاليد الحكم، كامل المسؤولية الدستورية والتأريخية والأخلاقية، عن تداعيات ما حل ويحل وما سيحل بمصير تلك الأقليات العراقية من تمزق  وتشتت وإنحلال، وما يستتبعه  ذلك من تدهور منظومة القيم الأخلاقية على صعيد المجتمع العراقي، وفي مقدمتها روح التآخي والتعايش المشترك بين الآديان والقوميات المختلفة، ومن ردود الفعل السلبية والتصدعات النفسية على صعيد الأجيال القادمة..!!؟؟
________________________________________________________________________(*)  http://www.al-daawa.org/main/index.php?option=com_content&view=article&id=676:2011-01-19-09-02-46&catid=1:news-polatic&Itemid=7
                                (**)  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=239470