المحرر موضوع: من سجل نصير( ليلة في قرية بيبان)  (زيارة 1794 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سمير القس يونان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 140
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
       
من سجل نصير( ليلة في قرية بيبان)

بقلم  سمير القس يونان
في  25 شباط 2011

قلنا سابقا ورغم ذلك نؤكد أن أي عمل يصاحبه هفوات وأخطاء وخاصة العمل الأنصاري وبالذات عندما يكون النشاط قريبا من العدو والمتمثل بمنطقة الدشت مجال عمل سريتنا وقد تكون هذه الأخطاء عفوية وتمر مر الكرام أو قد تكون مؤلمة تترك أثرا بالغا وتكون نتائجها فقدان أرواح عزيزة كما يجب أن لا يغيب عن بال احد أن النظام السابق كان يعول الكثير على اؤلئك الجواسيس والعملاء والمندسين الذيـن كانوا يجوبون المنطقة متربصين مترصدين حركة الأنصار وهذا الأمر كان يضفي صعوبة وخطرا آخرين على عملنا في الدشت...في ربيع عام 1983 كلفت مع نصير آخر بالذهاب مع نصير ينوي زيارة أهله في قرية بيبان التي تقع إلى الشرق من ناحية القوش وتبعد عنها لمسافة 7-8 كم ولساعات قلائل تلك القرية التي تقع على الشارع الرئيسي الذي يربط قضــاء شيخان بمحافظة دهوك والذي كان ملغوم دائما من قبل المجندين المسلحين من أهل المنطقة والجواسيس والعملاء ممــن قبلوا بيع ذاتهـــم بأبخس الأثمان نظرا لأهميـــــة هذا الطريق لوجستيا وعسكريا وامنيا وإداريا...كنا قد وصلنا إلى قرية خورزان التي تقع إلى الشمال من قرية بيبان عند المغيب وكان فصيل أبو أنيس في القرية والتقيت به وشرحت له ما نحن ماضين إليه فقال نحن أيضا ذاهبون إلى القرية نفسها ولكن ليس الآن ولا تتحرك من الدار إلى أن ابعث بطلبك لنغادر سوية قرية بيبان وسيتم ذلك بحدود الساعـــــــة الحادية عشر واتفقنا وتركته شرط أن يبقى الأمر بيننا لخطورة الموقف وتحركت مع النصيرين مباشرة إلى قرية بيبان بسرعة  قبـــــل إسدال الليل ستاره وحلول الظلام لنتمكن من رصد حركة هؤلاء المجندين وكشف عن وجود كمين من عدمـــه وكان الطقس جميلا والربيع قد بسط حلته الخضراء حقول ووديان السهل والزروع طويلة من الممكن الاستفادة منها في التمويــه والاختفاء وهكذا وبسرعة قصوى وصلنا بيادر القرية الشمالية التـــــي تسمى(باون)والليل عند أوله وتمكنا من رؤية كل شئ وفي نفس الوقت نجحنا في تجنب الرعاة حيث كانوا يشكلون خطرا على حركتنا لان النظام كان قد جند اغلبهم خدمة لمآربه...بعد التأكد من سلامة الموقف الأمني تحركنا بسرعة محاولين ولوج القرية عبر مسلك آمن وبحركة خاطفة قادنا النصير إلى داره الذي يقع مباشرة بمحاذاة الشارع سالف الذكر ودخلنا الدار وتـم استقبالنا من قبل عائلته بحرارة وبعد الوصول مباشرة اتفقنا على المراقبة المستمرة من خلال سطح الدار لتفويت الفرصة لأزلام النظام المنتشرين هنــــا وهناك وفي هذه الأثناء أعدت لنا عائلة النصير عشاءا شهيا من الصعب تناوله دائمــا خلال الحياة اليومية للأنصار لشحة المواد الغذائية ولصعوبة الحصول عليها وبعد العشاء اتفقت مع النصير التقيد بالضوابط المعمول بها وأهمها الابتعاد عن الكحول كليا وان يكون مستعدا دائما لأي طارئ وخاصة نحن قابعين بيــــــــــن عيني العدو...غاب النصير مع أهله وأطفالـه وكانت المراقبـــة مستمرة وبحذر تام للشارع والطريق الإستراتيجي وكانــــت الأمور طبيعية وقارب الموعد المحدد مع النصير أبو أنيس على الدنو ولكن لا احد ثم وعلى حين غرة بدأت الكلاب بالنباح المستمر والشديد وكأنها تلاحق غريبا دخل مستعمرتها ومباشرة لحقت بالنصير الثاني الذي كان على السطح لمراقبة عن كثب عما يجري في الخارج ولكن لم نلحظ شيئا يهدد أمننا ولكـن نزلت مسرعا إلى النصير الثالث للانضمام إلينا وبسرعة هرع النصير مستفسرا وكانت الساعة تشير إلى الثانية عشر وكان موعدنا مع آمر الفصيل المتفق عليه مسبقا قد تجاوز ساعة كاملة وأصبحنا في حيرة من أمرنا ماذا نفعل وما قضية الكلاب التي كانت لا زالت تنبح وبشراسة منقطعــة النظير ومن هو الغريب الذي داهم المنطقة التي نحن فيها...كان الهدوء يخيم الشارع كله لولا نباح الكلاب وانتظرنا برهـة أخرى لربما يأتي النصير أبو أنيس بطلبنا لكن دون جدوى وتم التخمين على أن الكلاب تنبح علــــى مجموعة دخيلة جاءت للنيل منا بعد أن انكشف أمرنا ولذلك وفي الحال قررنا الخروج من الدار بسرعة ومهما كانت النتائج على أن يكون اتجاهنا إلى داخل القرية لتصورنا أن الطريق المبلط قد لغم أولا وثانيا اعتقدنا انه إذا كان عدوا موجودا بالفعل فانه يتصور أن خروجنا من الدار سيكون حتما نحو خارج القريـة وبذلك علينا فعل العكس وان يقودنا النصير من أهل القرية  لدرايته التامة بحيثيات قريته وتــم الاستعداد لأي طارئ وخرجنا من الدار مسرعين إلى داخل القرية وما هي إلا لحظات وكنا قد وصلنا إلى ساحة صغيرة تتوسط القرية وكان الضوء شديدا ووقفنا في الحال أسرع من العقرب لذهولنا مما رأيناه...ومــا رأيناه مجموعـــة مسلحة لم نستطع تحديد هويتها وحقيقتها ووقفنا لبرهة وقلنا إذا كانوا هؤلاء أنصارنا فلماذا لم يأت أبــو أنيس للحاق به حسب الاتفاق إذن ليس هؤلاء إلا أعداء ورجعنا أدراجنا وغيرنا طريـق الخروج إلى ناحيـة الغرب وبسرعة خاطفة كنا أمام خزان الماء العالي الذي يقع عند طرف القريــــــة الغربية تماما وكان قد نصبت فوقه كواشف ضوئية قوية ولكن مـا العمل يجب الاستمرار وتم اجتياز الخزان والمنطقة المحيطة به بسلام وخلال فترة وجيزة كنا خارج القرية بأمان ثم جلسنا لنسترد أنفاسنا ونناقش محاولين فك اللغز الذي نحن بصدده... كانت الساعة وقتئذ تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل وكان الهدوء والسكون يخيم المعمورة سوى تلك الأصوات اللعينة المتمثلة بنباح الكلاب وكنا على مقربة من القرية وكان شيئا خفيا يشدني إلى البقاء لمعرفة من هؤلاء الذين صادفناهم في الساحة وأين هو فصيلنا وتطرقنا إلى احتمالات عديدة وأضح الأمر كمعادلة صماء ولغزاً لا حل له في الوقت الحاضر وبقائنا قريبين من القرية لا يجدي نفعا بل قد يشكـل خطرا على أرواحنا لذلك قررنا المسير نحــــــو عين كلوكي التي تقع في جبل خورزان...خلال أكثر من ساعة وصلنا إلى قمة بصف العين ولم نذهب إلى العين خوفا مـــــــن التصادم مع مجموعات الأنصار  التي ربما موجودة هناك والتي ليس لنا معهم موعد مسبق عنـد العين وتبادلنا الخفارة إلا أن انبلج الصباح وبسطت الشمس بخيوطها الحريرية عاكسة من على قطرات الندى التي تكاثفت على النباتات خلال الليل وكأنها بلورات الماس باعثة أمل جديد واحتمال جديد..استطلعنا الحقول المنبسطة والقمم القريبة من احتمال تقدم للجيش خلال الليل الذي كثر تلك الأيام وكان الوضع سليما وقررنا النزول والذهاب إلــــــــــى قرية خورزان لتقصي آثار الفصيل وماذا حل به وهكذا خلال اقل من ساعة كنا على مشارف قريـة خورزان وإذا بأفراد الفصيل يتجولون في أزقة القرية فتوجهت مسرعا إلى احدهم مستفسرا عن حركتهم ليلة أمس فقال كنا في قرية بيبان إلى ساعة متأخرة من الليل وكان وقع الجواب كالصاعقة زلزل كياني وفي الحال تلاطمــــــت الصور والمشاهد داخل مخيلتي كبحر هائج ماذا كان سيحصل لو حصل اصطدام مسلح بين الإخوان وخاصــــــة بعد أن عرفت أن مجموعة مــــن فصيل أبو أنيس كانت قد انسحبت من موقع قرب خزان الماء الذي تسللنا خارجين بالقرب منه قبل ربع ساعة من عبورنا أي أن تأخير بسيط في انسحابهم أو تعجيل بسيط في خروجنا كان سيؤدي إلى مواجهة مسلحة فيما بيننا واستفسرت عن مكان تواجد آمــــــر الفصيل والتقيت به معاتبا إياه عما فعله ليلة أمس وماذا كانت ستكون عواقب خطأه فيما لو حصل تصادم بيننا فاعتذر في الحال مبررا موقفه بانشغالـــــه بأمور أخرى أكثر أهمية فقلت له وهل كان هناك أمر أكثر أهمية من أرواحنا نحن الثلاثة وقلــت له يجب أن يتم تحقيق بالأمر لئلا يتكرر وما هو سبب التقصير.. هكذا كانت حياة الأنصار دائمـا الأخطار محدقة بها من كل حدب وصوب وبكل أشكالها ومنها المعيشية والصحية والأمنية والطبيعية ورغم ذلـــك كله كان النصير يحمل هموم غيره وعندما يأكل وجبة بسيطة في قرية معينة كان طموحــــــــــه أن يبشر صاحب الدار بعملية عسكرية أزعجت العدو ليكون خفيف الظل وليس عالة على هؤلاء المساكين...