المحرر موضوع: بوادر تغيرات هامة في أسس وقواعد المشهد السياسي والعام في العراق  (زيارة 886 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شليمون اوراهم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1145
    • مشاهدة الملف الشخصي
بوادر تغيرات هامة في أسس وقواعد المشهد السياسي والعام في العراق

شليمون داود أوراهم

  لا يخفى على المراقبين والمتابعين للشأن العراقي.. بل وحتى على المواطنين العاديين أن ثمة بوادر بدأت تظهر مؤخرا لتغيرات هامة في الأسس والقواعد التي حكمت المشهد السياسي في العراق منذ سقوط النظام البائد عام 2003، ابتداء من تشكيل مجلس الحكم وما تبعه في الأعوام التالية وصولا إلى مطلع العام 2011.

   ومن نافلة القول أن الأسس والقواعد التي حكمت المشهد السياسي في العراق وتحكمت فيه مع بدايات التغيير، إنما كانت الاصطفافات الطائفية والقومية التي أفرزت المحاصصة على هذا الأساس، يرافقها التنافس والصراع الحزبي والمصالح الشخصية للعديد من القيادات السياسية.. لا سيما مع الصلاحيات والامتيازات المالية والسلطوية الهائلة التي تم إغداقها على كبار المسؤولين في الدولة ابتداء بالرؤساء ونوابهم وأعضاء مكاتبهم وأعضاء مجلس النواب والوزراء والمحافظين ورؤساء وأعضاء مجالس المحافظات.. بل نزولا حتى إلى درجات المدراء العامين والمدراء والمستشارين وأصحاب الدرجات الخاصة.

   وحيث أن صياغة الدستور الجديد للبلاد تمت بعجالة.. وبعقلية متشنجة لم تتعامل مع الأمر كفعل يستلهم مقتضيات الحاضر ويستقرأ ضرورات المستقبل، إنما كرد فعل لحقبة ماضية مريرة.. مع خشية متجذرة في عقول بعض القوى والشخصيات المشاركة والمؤثرة في العملية السياسية الجديدة من استمرار تداعيات وترسبات هذه الحقبة.. فقد جاء هذا الدستور مليئا بالثغرات والمطبات والضبابية التي ساهمت في ترسيخ هذه الأسس والقواعد التي حكمت المشهد السياسي في البلاد، وعملت على تغذية الولاءات الفئوية بشراهة أتت على الكثير من المشاعر والالتزامات الوطنية.

   إن تداعيات اعتماد المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية كأساس وقاعدة لرسم المشهد السياسي في العراق ولا سيما في جزئية تشكيل الحكومات المتعاقبة، كانت كثيرة وكبيرة.. أبسطها عدم قدرة رئيس الحكومة، أيا كان، على محاسبة وزير مقصر، أو عدم قدرة وزير على محاسبة موظف في وزارته ذلك لأن هذا المقصر إنما ينتمي إلى كتلة أخرى مختلفة طائفيا أو قوميا أو فكريا ما قد يؤدي إلى رد فعل عكسي من هذه الكتلة يؤثر على مجمل منظومة الحكومة وانسيابية العملية السياسية في تلك المرحلة.. الأمر الذي قد يهدم تلك المرحلة وتضيع الامتيازات.
وكانت هذه وغيرها من التداعيات أساس بداية الفساد المالي والإداري في العراق الجديد. يرافقه استمرار معاناة الشعب من تردي الخدمات في مختلف المجالات وانعدام فرص العمل واستفحال البطالة والتفاقم المطرد لحالة العوز والحرمان التي أصابت شرائح كبيرة من المجتمع.
وإذ لا ننفي ولا نهمل دور التحديات والمخاطر الأمنية التي رافقت هذه المرحلة من أعمال العنف والتخريب والإرهاب الذي استهدف مختلف مرافق الدولة مثلما استهدف المواطنين. نشير أيضا إلى أن التأثير المدمر للفساد الناتج عن أسس وقواعد بناء العملية السياسية، والتي تحدثنا عنها أعلاه، كان أكبر بكثير من تأثير العنف والإرهاب، حيث وفي الوقت الذي كان يؤدي الإرهاب فيه إلى استشهاد أو إصابة مواطن أو اثنين أو خمسة أو خمسين، أو تخريب وتدمير مؤسسة حيوية هناك وهناك بين الفينة والأخرى خلال السنوات الماضية، فإن سرطان الفساد المستشري في مختلف مفاصل الدولة إنما كان يدمر ملايين المواطنين وبشكل يومي مستمر.
وفي الوقت التي اعترفت فيه الحكومات المتعاقبة في العراق بعد التغيير باستشراء الفساد، فضلا عن تقارير المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية التي وضعت العراق على قمة تسلسل دول العالم في الفساد المالي والإداري، فإننا لم نشهد أية إدانة ومحاسبة علنية حقيقة لأي مسؤول.. لا بل أن وزراء ومسؤولين كبار أدينوا بالفساد وثبتت عليهم التهمة وتم احتجاز بعضهم لكنهم هُربّوا إلى الخارج إما بحكم جنسيتهم الثانية الأميركية أو البريطانية أو بحكم العلاقات والاصطفاف الطائفي والحزبي.
 
وفضلا عن كل ذلك.. فإن إصرار المشاركين في العملية السياسية على مواصلة اعتماد نفس هذه الأسس والقواعد أعلاه في رسم المشهد السياسي العراقي حتى عقب انتخابات العام الماضي 2010 وتشكيل الحكومة الجديدة المتخمة بالمناصب، مع استمرار.. بل ارتفاع الخط البياني للامتيازات المادية والسلطوية، يقابلها ارتفاع الخط البياني لمعاناة المواطنين من تردي الخدمات وانعدام بعضها والبطالة وتفاقم باقي الأزمات.. كان لها الأثر الأكبر باتجاه ما آل إليه الحال من تفاقم الاحتقان والاستياء العام ومن ثم تفجره بخروج الشعب إلى الشارع في بغداد ومعظم المحافظات، والذي بلغ ذروته يوم الجمعة 25 شباط 2011.

وبهذا الصدد.. ربما يقول البعض بعدم جواز المقارنة بين ما حصل في تونس ومصر، ويحصل حاليا في ليبيا واليمن والبحرين والجزائر وعمان.. بالوضع في العراق. ذلك لأن هذه البلدان والشعوب خضعت لحكم فردي عائلي استبدادي طويل الأمد.. وربما توريثي لو كانت الفرصة قد سنحت، بينما النظام الجديد في العراق ديمقراطي تعددي نيابي انتخابي يضمن التداول والانتقال السلمي للسلطة.
لكن ذلك لا ينفي أيضا وجود قواسم مشتركة بين الوضعين، فالمنطقة واحدة والعقليات والأفكار متداخلة، والثقافات والخلفيات بين شعوبها تكاد تكون مشتركة ومتقاربة. وثمة تذمر واستياء كبير بين صفوف المواطنين العراقيين من الحكومة وأدائها والوضع القائم في السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن من أبرز هذه القواسم المشتركة كان زوال وسقوط جدار وهاجس الخوف الذي كان يتملك نفوس المواطنين والشعب تجاه الحاكم والسلطة.. ومن ثم انطلاق ثقافة التحرك في الشارع وارتفاع الأصوات عاليا للتعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق المهدورة، وفرض إرادة الشعب المعاني والمحروم وقد طفح به الكيل وبلغ عنده السيل الزبى.. ما اضطره للاعتراض والاحتجاج ومن ثم الانتفاضة التي ربما تؤدي في مرحلة لاحقة إلى الثورة على الوضع القائم، مستلهما معاني هذه الثقافة الجديدة في المنطقة، والشعار الذي قررت الشعوب اعتماده: (الشعب.. يريد....)، الأمر الذي سيكون على ما يبدو هو الأساس والقاعدة الجديدة التي ستحكم المشهد السياسي في العراق ولا سيما في محور الأداء الحكومي، مثلما صار مؤخرا الأساس الذي سيحكم المشهد في البدان الأخرى في المنطقة، وفي مقدمتها مصر وتونس على أن تلحق بها الباقيات.

من هنا.. فإن القائمين على الأمور والمشاركين في صناعة القرار في العراق، مطالبون والحال هذه، إلى إبعاد أنفسهم عن الأسس والقواعد الطائفية والقومية والحزبية التي انتهجوها في المرحلة الماضية في تعاملهم مع إدارة البلاد، والاستعاضة عنها باعتماد أسس وقواعد جديدة تقوم على أهمية مراعاة حركة الشارع والتعامل معه بصدق، والإصغاء بجدية لمطالب الجماهير بعد أن أدرك السياسيون والمسؤولون على وجه اليقين حتمية أن يحسبوا ألف حساب وحساب لهذه الجماهير وغضبها الذي إذا استعر.. سيكون كالنار لا تُبقي ولا تذر. وإن القول الفصل سيكون للشعب، الذي إذا أراد الحياة يوما.. (...).