المحرر موضوع: ليبيا: بين الثورة والتثوير..!!؟  (زيارة 958 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي
ليبيا: بين الثورة والتثوير..!!؟

باقر الفضلي

لا ضرر ولا ضرار لو تريث المرء قليلاً، قبل أن يسبق الأحداث، دون روية أو تأكد من مصادر المعلومات وحقيقتها؛ فتجنب الحدس والتكهن، فيه من الحيطة ما يجنب المرء الوقوع في الخطأ؛ كما وفي الإنتظار قليلاً حتى تنجلي ضبابية الأحداث، فيه من الرشاد ما يبعد المرء عن التسبب في إلحاق الضرر بالآخرين، من خلال إفتراضات تفتقر الى المصداقية أو تبتعد كثيراً عن واقع الحال وملابسات الحقيقة..! 


وليس بعيداً عن هذا السياق شأن السياسة وما يستتبعها من صياغة الشعارات، ورسم الخطط والأجندات وغيرها من الفعاليات؛ ويأتي تحديد الموقف من الأوضاع الجارية في ليبيا ضمن هذا الإطار..!


لقد فاجئت أحداث ليبيا في السابع عشر من شباط/2011 الكثيرين، رغم أنها في بدايتها، بانت وكأنها إمتداد لما جرى في تونس أو في مصر، وما يحدث في المغرب والجزائر، أو ما يدور في البحرين حاليا، أو من جانب آخر، وكأن جميع تلك الأحداث ترتبط فيما بينها بخيط مشترك جامع، مما دفع بالكثيرين من المتابعين والمهتمين بالشأن السياسي في المنطقة، أن يرصفوا حساباتهم طبقاً لمقياس واحد، آخذين بما جبل عليه الناس من القول؛ "تعددت الأسباب والمصير واحد"، ووفقاً لتلك الحسابات وطبقاً لنتائجها الإفتراضية، فإن ما إنتهى اليه الحال في تونس، ينبغي أن ينتهي اليه في مصر والمغرب والجزائر والبحرين وأخيراً وليس آخراً في ليبيا وهكذا دواليك، فمسطرة القياس لديهم هي واحدة في جميع الأحوال، ولا يهم بعد ذلك إن إختلفت الظروف الموضوعية والجذور التأريخية المادية للواقع الإقتصادي والإجتماعي، في أي بلد من تلك البلدان..!


 ولكن حسابات "الشرق الأوسط الكبير أو الفوضى الخلاقة"، تظل هي نفسها أداوات التغيير التي إنتهجتها السياسة الأمريكية سابقاً أم التي تنتهجها الآن أم لاحقاً في منطقة الشرق الأوسط، يحفزها الى ذلك طبيعة أنظمة الحكم الإستبدادية السائدة في المنطقة، وإبتعادها عن "الديمقراطية" بصيغتها المعولمة "المتحضرة"، كنهج في السياسة والحكم، ومنها على سبيل المثال، الدول العربية..!!؟


وهنا يكمن وجه الغرابة في تلك التحليلات، فما يجري في ليبيا حالياً، وما إنتهى اليه الأمر هناك، من ضرورة التعجيل بالوصول للنهاية التي يسعى اليها القائلون بحتمية " الثورة " ، وبالتالي حماسهم بالمسك بأذيال دولٍ مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول المتحمسة على إستعجال ما تدعيه "بالتغيير" في ليبيا، كدولتي قطر والإمارات العربيتين، أن تضفي هذه الدول شرعية دولية على ما تنوي القيام به ضد ليبيا لتجاوز الحصانة السيادية التي تتمتع بها ليبيا بإعتبارها دولة عضو في الأمم المتحدة، لها من الحقوق ما لغيرها من الدول الأعضاء الأخرى، وهكذا إنتهى الأمر بقرار مجلس الأمن المرقم/ 1973 في 18/3/2011 ، القاضي بفرض عدد من العقوبات العسكرية ضد ليبيا ومنها الحظر الجوي، وبتأييد غريب من نوعه ولأول مرة، من قبل جامعة الدول العربية، التي تشكل ليبيا أحد أعضائها..!؟


إذن، وطبقاً لنفس السياق المذكور، لا بد من "الثورة" ولا بد من إسقاط الدولة القائمة بقيادة معمر القذافي، حتى لو تم ذلك بقوة التدخل الأجنبي والإحتلال، فالتغيير المطلوب يستدعي من الأسباب ما يجعله ممكناً بهذه الطريقة، خاصة وإن من عوامل تحقيقه، إنخراط بعض النخب السياسية من قيادات المعارضة لأنظمة الحكم الإستبدادية في هذا الإتجاه، والتي لم يكن نظام حكم معمر القذافي إستثناء منها، خاصة وإن تجربة الإستعانة ب "العامل الخارجي" من أجل "التغيير"، ليست بالجديدة على صعيد الواقع العربي، فقد سبق وأن جرى تجريبها منذ وقت غير بعيد بالنسبة لأمثال تلك النخب السياسية المعارضة، وهذا ما يبعدنا عن مقولة الصدفة أوالحراك الشعبي العفوي، كما جرى عليه الحال في تونس أو مصر، بهذا القدر أوذاك..!؟


ولكن هل حقاً ما تعلنه دولاً مثل فرنسا وأمريكا وبريطانيا، على لسان رؤسائها ووزراء خارجيتهم، وجوقة الفضائيات الناطقة بالعربية بما فيها تلك ذات الجنسيات العربية القحة، ولا أستثني جامعة الدول العربية، المهزوزة ألماً وغيضاً وحسرة لما يجري بحق الشعب الليبي من "إبادة وحشية" على يد القذافي، لتنتصر له، بدعوة شركات النفط الإحتكارية العالمية، ممثلة بالدول الغربية وأمريكا، لتأخذ على عاتقها نصرة الشعب الليبي، وإنقاذه من براثن الدكتاتورية القذافية؛ أقول هل حقاً كل هذا الذي يجري أمام أعيننا، وآخره قرار مجلس الأمن رقم 1937 ، وما بعده خطاب السيد أوباما مساء يوم 18/3/2011 الذي يمهد به الى التدخل العسكري ضد ليبيا إن لم يقدم القذافي على تنفيذ قرار مجلس الأمن المذكور على الفور، وإن لم ينسحب من الأماكن التي إستعادتها قواته العسكرية، هل حقاً كل هذا يجري من أجل صالح الشعب الليبي، ولسواد عيونه، خاصة إذا ما علمنا بأن ليبيا هي دولة نفطية، وليست بعيدة عن سوق التنافس والصراع الدوليين حول مكامن النفط في الشرق الأوسط وأفريقيا، كما هو الحال بالنسبة للسودان..؟؟!!


ربما يبدو السؤال خارج عن معناه ومبتغاه، إذا ما عرفنا دوافع تلك الدول التي جاهدت كثيراً من أجل الخروج بقرار من مجلس الأمن يضفي على خطواتها القادمة، الشرعية الدولية في بسط حلولها على مشيئة الشعب الليبي، ووضعه أمام إمتحان جديد، ليس أقل ألماً ومعاناةً مما فرضته أمريكا وحلفاؤها عام/2003 على الشعب العراقي، الذي كان هو الآخر، قد عانى ما فيه الكفاية من إستبداد الدكتاتورية ثلاثين عاماً ونيف، وبات بعد كنسها بقوة "العامل الخارجي"، محتاراً  في فك طلسم  "التحرير أوالإحتلال" طيلة ثمان سنوات، بكل تداعياته المأساوية الشاخصة أمام العين حتى اليوم، وأقل ما فيها إرتباط العراق بالإتفاقية الأمنية الأمريكية _ العراقية..!!؟

ومما لا شك فيه، فإن الشعوب هي وحدها من تمتلك الحق في تقرير مصائرها، ومهما كان بريق كلمة (الثورة) جذاباً  وأخاذاً بالنسبة للشعوب الرازحة تحت نير الإستبداد والدكتاتورية، فالثورة بإعتبارها عملية تغيير جذرية إقتصادية_ إجتماعية، لها خصائصها وظروفها وشروطها الخاصة، فهي من حيث الواقع الموضوعي، حالة لا يمكن إستنساخها وفقاً لمشيئة الأفراد، فكيف إذا إنصرف الحال الى فرضها وفقاً لمصالح ومشيئة قوى خارجية ذات أجندات ومصالح خاصة، وذلك بتحويل العملية الثورية برمتها، وحتى قبل نضوج عوامل تفجرها  الى حالة من "التثوير" المتعجل والسابق لأوانه، فالحالة الليبية لا يمكن أن تختزل بشخص معمر القذافي حسب، بل إنها قضية شعب مناضل مجيد ووطن موحد عتيد..؟!!


إن كل ما يتمناه المرء، هو أن يتلمس الشعب الليبي المجاهد، وهو أمام منعطف حاد في حياته السياسية، كل ما يصب في خدمة مصالحه الآنية والمستقبلية، وما يجنبه المزيد من المعاناة، فهو وحده القادر على رسم طريق الخلاص الصحيح من براثن الإستبداد، وإعادة بناء مستقبله المشرق في ظل حياة برلمانية ديمقراطية يسودها العدل والمساواة والحرية..!
18/3/2011