المحرر موضوع: عيد القديس يوحنا دي سال  (زيارة 1152 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل nori mando

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 174
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عيد القديس يوحنا دي سال
« في: 21:04 07/04/2011 »
عيد القديس يوحنا دي سال
      الشماس نوري إيشوع مندو
   القديس يوحنا دي سال: ولد سنة 1651 في مدينة ريمس  الفرنسية. امتاز منذ صغره بالتقوى ونقاوة القلب ووداعة الحياة، وكان يجد هناءه في خدمة الحفلات الكنسية، فنمت في قلبه منذ الصغر محبة الله، وصار يشعر بميل يدفعه إلى خدمة مذابح الرب. فجعل يفكر ملياً في ذلك ويصلي بحرارة إلى البتول مريم، لكي تشفع فيه أمام ابنها الحبيب، وتستمد له منه نعمة الدعوة الكهنوتية المقدسة.
   وبعد أن أتم دروس الفلسفة ذهب إلى باريس ودخل مدرسة سان سلبيس الشهيرة، منبت النفوس الكبيرة والقلوب الكهنوتية الصحيحة. وما كاد يوحنا يسير في طريق دعوته بأمن وسلام، حتى فوجئ بوفاة والدته ثم والده. فأضطر أن يترك دروسه، ويعود إلى بيته ليشرف على تربية إخوته، وإدارة بيت أبيه. فحمل صليبه بقبول ورضى، وذكاء وتسليم تام لمشيئة الرب. لكنه بقي يعلل النفس بالعودة إلى دروسه ومتابعة الاستعداد لدعوته، حينما تزول العقبات التي كانت تعترضه في طريقه.
   وفي غضون ذلك أخذ يروض نفسه على التواضع والصبر والإماتة بكل أنواعها، ويستعد من بعيد للرسامة الكهنوتية. وكان يقول: " هل يمكن أن يستعد المرء كما يجب لمباشرة الخدم الكهنوتية ؟ إن الملائكة أنفسهم يرهبون هذه الخدمة التي طالما ارتعد من سمو عظمتها أكبر الأنام القديسين. فكيف يستطيع أن يُقدم عليها رجل خاطئ نظيري أنا ؟ ".
   وكان يردد في ذهنه كلمة الرئيس الأول لمدرسة سان سلبيس: " إن من يتقدم لقبول الدرجة الكهنوتية لا بد أن يكون مصاباً بالعمى. لأنه إما قد أعمته خطاياه وأهواؤه، أو قد أعمته طاعته لرؤسائه فتقيد بها، وترك في ذلك كل بحث وكل فكر ". وعمل يوحنا بإشارة رؤسائه، ونال الرسامة الكهنوتية سنة 1678.
   وبعد رسامته عكف على تقديس نفسه بالتأمل والإماتة وخدمة القريب. ونظم حياته وأوقاته تنظيماً مدرسياً رهبانياً. وأضحى رويداً رويداً رجلاً ناسكاً، دأبه الصلاة العقلية، ومطالعة الكتب الروحية، والتجرد عن الدنيا. وصار يلبس لباساً بسيطاً خشناً، ويصوم كثيراً، ويعيش عيشة الفقراء، ويتفقد العائلات المسكينة ليحمل إليها كلام التعزية، ودراهم الشفقة المسيحية.
   وكان الأب باريه قد أنشأ جمعية خيرية للبنات التقيات الغيورات لإعدادهن لأن يكنَّ مربيات ومدرسات في مدارس مجانية لبنات العائلات الفقيرة. وكان يرغب في مشروع مثله للشبان لأجل مدارس الصبيان، لكنه لم يفلح.
   فتقدمت مدام مايفير بالأموال اللازمة للقيام بهذا المشروع، ورغبت إلى الأب يوحنا صاحب الغيرة الكبرى على المشاريع الخيرية، أن يساعد على تحقيق هذا العمل. فقبل ما دعي إليه. وما لبث أن تفرد به، وأخذه على عاتقه. وهكذا أضحى من غير أن يدري مُنشئاً لعمل من أعظم ما عرفته الكنيسة من الأعمال الكبرى الخيرية في تاريخها، ألا وهو جمعية " أخوة المدارس المسيحية ". فتخصص يوحنا لتهذيب فرقة الأساتذة الأولين، فنبتت تلك الجمعية الجليلة. وما لبث أولئك الأساتذة أن فتحوا المدرسة الأولى، والثانية، والثالثة. ثم تعددت المدارس في باريس وفي ضواحيها وقراها. ونجحت هذه المدارس، وأقبل الأولاد عليها، ورغب الناس فيها. فانتشرت تلك الجمعية بسرعة فائقة عجيبة كما ينتشر النور في الآفاق.
   ونظم الأب يوحنا أمورها، وحولها إلى جمعية رهبانية، لا طمع لأفرادها في الكهنوت، بل غايتهم تهذيب الناشئة على المبادئ الدينية، وتثقيفها بشتى العلوم العصرية.
   وفي سنة 1702 كان أخوة المدارس المسيحية قد نصبوا أعلامهم في مدينة روما. وكانت غاية مؤسسهم من ذلك، كما يقول هو نفسه هي: 1_ أن يزرع شجرة الجمعية في تربة عاصمة الكثلكة، لكي تنمو هناك تحت أنوار شمس الرئاسة الرسولية. 2_ لكي يكون أساسها على الصخرة البطرسية، فلا تستطيع أبواب الجحيم أن تقوى عليها. 3_ لكي ينال بقرب بنيه من السدة البابوية ما يرغب فيه من تثبيت قوانين الجمعية، والموافقة على فرائضها وخططها. 4_ لكي يحصل على بركة الحبر الأعظم، ويأخذ منه التفويض لإنشاء المدارس المسيحية أينما دعت الحاجة إلى ذلك. فيشملها في روما بأنظاره، وتكون في الأبرشيات تحت رعاية الأساقفة. 5_ لكي يكون وجود بنيه في عاصمة الكنيسة عربون تعلقهم بالإيمان الكاثوليكي الصحيح، ودليلاً على طاعتهم التامة لتعاليم الكنيسة الرومانية المقدسة.
   ووسم الله هذه الجمعية بوسم الأعمال الكبرى، فكثَّر محنها، ووضع الصليب في مهدها. فاضطهدها الناس، وعاكسوا أعمال مؤسسها، وأذاقوا أعضاءها أصناف الشدائد. لكن المصاعب قوَّت عزائمهم، فصبروا وصلّوا وثبتوا، وفي النهاية انتصروا. فنجحت الجمعية نجاحاً باهراً، وكثُر أعضاؤها، وتعددت مدارسها، وعمَّ خيرها. وبقي الأب يوحنا رئيساً عليها ومرشداً لها حتى سنة 1717. ثم تنازل عن الرئاسة، وأقام الأخ برتلماوس خلفاً له، ورئيساً عاماً عليها.
   ثم تفرغ الأب يوحنا لوضع قوانين الجمعية بدقائقها وتفاصيلها، ووضع أيضاً بعض الكتب الروحية. ولما شعر بقرب أجله ترك هذه الوصية لأولاده: " أوصي أخوة المدارس المسيحية بأن يكونوا قبل كل شيء خاضعين تمام الخضوع لتعاليم وإرشادات الكنيسة المقدسة، ولا سيما في هذه الأيام الصعبة. وللدلالة على خضوعهم هذا يجب عليهم أن يبقوا متحدين على الدوام بالحبر الأعظم وبكنيسة روما، وأن يذكروا أنني إنما أرسلت أثنين منهم إلى روما ليبتهلا هناك إلى الله لكي تبقى الجمعية على الدوام خاضعة لأوامر الكرسي الرسولي. وأوصيهم بأن يكونوا كثيري العبادة للسيد المسيح، وأن يكثروا من الاقتراب من المائدة المقدسة، وأن يمارسوا عادة الصلاة العقلية، وأن تكون لهم عبادة خاصة للعذراء المجيدة، وللقديس يوسف شفيع الجمعية، وأن يقوموا بأعمالهم وواجباتهم بكل تفانٍ وتجرد. وعليهم أن يجعلوا الاتحاد الأخوي متين العرى بينهم، وأن تكون الطاعة العمياء لرؤسائهم شعارهم. لأن في ذلك عماد الكمال والنجاح في كل الجمعيات ".
   وفي السابع من نيسان 1719 رقد بالرب رقود القديسين. وبعد مدة رفعته الكنيسة إلى مصف الطوباويين، ثم أعلنت قداسته.
   وفي سنة 1724 اعترفت الحكومة الفرنسية على عهد الملك لويس الخامس عشر  بجمعية أخوة المدارس المسيحية. وفي سنة 1725 اعترفت بها الكنيسة أيضاً، وأعلنتها رهبانية شرعية مقبولة لديها، على عهد البابا بندكتس الثالث عشر ، ولم تبدل شيئاً من القوانين والفرائض التي وضعها لها مؤسسها.
   وقد أضحى أخوة المدارس المسيحية يعدون اليوم بالآلاف، فانتشروا في كل أقطار الأرض، وشيدوا مدارس عظيمة. وقد تخرج على يدهم في مدارسهم مئات الألوف من التلاميذ الذين يزينون المجتمعات بعلومهم وآدابهم وتقواهم.
   وتحتفل الكنيسة الجامعة بعيد القديس يوحنا دي سال في 7 نيسان في كل عام.