المحرر موضوع: هل يصبح يوم 19 نيسان 2011 عيد الوحدة المسيحية؟  (زيارة 1463 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مــراقـــــــــب

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • *
  • مشاركة: 6290
    • مشاهدة الملف الشخصي
هل يصبح يوم 19 نيسان 2011 عيد الوحدة المسيحية؟

لم يكد المسيحيون يستفيقون من صدمة انتخاب البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الايجابية حتى عاجلتهم صدمة ايجابية ثانية لم يتوقعوها بهذه السرعة، وهي صدمة اللقاء الرباعي في بكركي الذي يجمع قادة الاحزاب السياسية المارونية الابرز وهم: أمين الجميل، ميشال عون، سليمان فرنجية وسمير جعجع... على ان يتبعه في المستقبل القريب اجتماعاً موسعاً لكل رؤساء الاحزاب المارونية الاخرى.

البطريرك الراعي يتبع اسلوب "الصدمات" في مقاربة المسائل والملفات بإيقاع سريع ومن دون إضاعة الوقت والجهد، يثبت منذ اعتلائه السدة البطريركية انه رجل قرار ومبادرة، وانه "بطريرك الامور المعقدة" لأنه يفضل ان يبدأ من الملفات الصعبة والحساسة والدقيقة فيجعل من موضوع المصالحة وترتيب البيت المسيحي الداخلي والماروني تحديداً أولوية مطلقة لأن هذا هو الاساس وهذا هو المدخل الصحيح ومن دونه عبثاً يبني البناؤون...

لقاء بكركي طال انتظاره وينتظره المسيحيون على أحر من جمر وبقلوب تملأها السعادة والارتياح والفرح، خصوصاً ان المبادرات السابقة في السنوات الاخيرة الماضية لعقد لقاء مسيحي مماثل جرى إغراقها بالشروط والشروط المضادة وادخلت عملية المصالحة المسيحية في دوامة الصراعات والتجاذبات السياسية، وجرى الخلط بين العام والخاص، بين المبادىء والتفاصيل، بين الثوابت والمتغيرات. ولطالما جرى تقديم المصالح الخاصة على المصلحة المسيحية العليا واتسمت السياسات والتوجهات بضيق الافق والحسابات... أما اليوم فإن البطريرك الراعي يقدم على هذه الخطوة الجريئة متسلحاً بإيمان كبير وثابت وارادة صلبة ودعم ابناء الكنيسة التي يرعاها بأكثريتهم الساحقة. ونحن واثقون ان خطوته هذه ستنجح في تحقيق اهدافها لانها حرة ومتفلتة من خلفيات واعتبارات سياسية وتزخر بمعان، وابعاد روحانية ووجدانية في هذه الايام المباركة والمقدسة من عيد الفصح المجيد التي تعلمنا التضحية والفداء ونكران الذات.

ولنكن واقعيين في تقييمنا لهذا اللقاء المرتقب، فلا نبالغ في تحميله اكثر مما يحتمل ولا نتصور انه سيردم الهوة الواسعة التي تفصل بين أطرافه وسيلغي الاختلافات والانقسامات والفوارق، ولكن يبقى ان مجرد التئام هذا اللقاء حدث مهم في حد ذاته، وهذه واحدة من المرات القلائل التي يكون فيها الشكل أهم من المضمون، والصورة أهم من الكلام، والمشهد أهم من النتائج.

يكفي ان القيادات المسيحية ستلتقي تحت سقف بكركي بعد طول فراق وان صفحة جديدة تفتح ومرحلة جديدة ستبدأ. يكفي ان لقاء بكركي سيقر مبدأ التلاقي والحوار والانفتاح بروحية الشراكة والمحبة والباقي تفاصيل، والتقدم يصبح "مسالة وقت". المهم ان نبدأ من نقطة معينة وان تعي القيادات المسيحية مسؤولياتها التاريخية فتنطلق عن سابق تصور وتصميم في مسار مصالحة وحوار وتفاهم انطلاقاً من الأسس والاعتبارات التالية:

اولاً: من غير المقبول ولا المعقول ان يظل الموارنة اسرى الماضي وحروبه وعقده، بعدما طوت البلاد صفحة الحرب وخرجت منها نهائياً ابتداء من وثيقة الوفاق الوطني... ومن غير المقبول ولا المعقول ان تنعقد وتكتمل مصالحات "مسيحية - اسلامية" و"اسلامية-اسلامية" فيما تظل المصالحات "المسيحية - المسيحية" متعثرة ومتعذرة،وكيف يمكن للانسان ان يتصالح مع جيرانه قبل ان يتصالح مع اهل بيته وأبناء جلدته؟

ثانياً: آن الأوان لخروج المسيحيين من حالة الانقسامات والصراعات التي طال أمدها وكانت السبب الاول في ما آلت إليه اوضاعهم من إحباط وتقهقر والمانع الاول لعودة القوة والعافية إلى الجسم المسيحي المنهوك القوى والمشتت القدرات... الحرب التي خاضها المسيحيون دفاعاً عن وجودهم وأمنهم ومستقبلهم لم تضعفهم ولم تدفعهم إلى الهجرة والمغادرة بل زادتهم تشبثاً بأرضهم... لكن الانقسامات والخلافات والحروب الداخية "المسيحية - المسيحية" هي التي هجّرت المسيحيين وبعثرت عائلاتهم وطاقاتهم، وهي التي أحبطتهم وأشعرتهم بأن قضيتهم في خطر ولم تعد في ايدي أمينة وعاقلة ومسؤولة... واذا كانت موجة الهجرة الاكبر والاوسع سجلت بعد الصدام الدموي المسيحي او ما سمي يومها ب "حرب الالغاء" حيث بدأت منذ ذلك الحين عملية الانحدار للوضع المسيحي نحو القعر، فإن استعادة الساحة المسيحية توازنها لا يكون إلا مع عودة اجواء التلاقي والتفاهم بين سياسييها الذين لا يزالون يحملون ومع الاسف أوزار واحقاد تلك المرحلة السوداء الماضية.

وهنا لا بد لنا من الاعتراف بأن المصالحة واللقاء ووحدة الكلمة من شأنهم ان يوقفوا الخط الانحداري ويعلنوا بدء العد العكسي للخروج من الحلقة المفرغة والصعود من الهاوية...

ثالثاً: ليس للمسيحيين اذا تاقوا إلى الوحدة والتلاقي ان يتخلوا عن تنوعهم السياسي ويخافوا عليه فالمصالحات والتفاهمات ليست سبيلاً إلى الغاء الفوارق والاختلافات، والمطلوب هو " التنوع ضمن الوحدة"، تنوع الآراء والاساليب والتحالفات والخصائص ضمن وحدة الثوابت والمبادىء التي يختزنها ويجسدها الخط التاريخي للبطريركية المارونية... بكركي تعمل وطنياً في الثوابت والمبادىء وعلى السياسيين ان يعملوا في السياسة والتفاصيل ولكن عليهم ان يتحلوا بروح المسؤولية والتضحية والمحبة، وان يسقطوا الأحقاد والبغضاء والصغائر من ذهنيتهم وتصرفاتهم وسلوكهم السياسي والاجتماعي وان يضعوا المصلحة المسيحية العليا فوق كل المصالح الخاصة والذاتية.

رابعاً: على القيادات المسيحية ان تبحث عن المساحات والقواسم المشتركة حيث التلاقي والتعاون والتنسيق ممكن، لا بل واجب وضروري. فإذا كانت المصالح الخاصة المرتبطة بالمال والسلطة والنفوذ تباعد وتضع مسافات فاصلة وهوات واسعة وهوامش خاصة للحركة والموقف، هناك ما يكفي من القضايا والمسائل والملفات المسيحية التي تقرّب وتفرض توحيد المواقف والطاقات، هذه القضايا التي لها علاقة بوجود المسيحيين وأمنهم السياسي ومستقبلهم ومصالحهم العليا ودورهم في لبنان والمنطقة والتي تحتاج إلى نقاشات وحوارات ورسم خطط وسياسات مستقبلية... وفي لقاءات مسيحية لاحقة تنيثق من لقاء بكركي وتتفرع عنه، سيكون جدول أعمال حافل بقضايا تهم اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً مثل الهجرة والتجنيس والتوطين وبيع الاراضي والانتشار الجغرافي والديمغرافي، والتوازن الوطني والطائفي والحضور المسيحي في ادارات الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية وقانون الانتخابات والطائفية السياسية وحقوق المغتربين في استعادة الجنسية وفي الاقتراع والمشاركة...

خامساً: اللقاء الماروني في بكركي يحصل في ظرف لبناني دقيق يدعو إلى القلق وعدم الارتياح مع ارتفاع حدة الانقسام بين فريقين ومحورين، واشتداد الصراع الطائفي والمذهبي وتحديداً الصراع "الشيعي - السني" الذي لم يسبق ان بلغ هذه الدرجة من الحدة والخطورة ليس في لبنان وحسب وانما في كامل المنطقة العربية. وفي حمأة هذا الصراع وجب على المسيحيين ان يتنادوا لمراجعة اوضاعهم وحساباتهم، واعادة تحديد موقعهم وصياغة دورهم الفاعل والمؤثر. فموقعهم لم يكن يوماً تبعياً وانما كان دوماً ريادياً وطليعياً، ودورهم لا يستقيم إلا اذا كان قيادياً نابعاً من قوة ذاتية وغير مستمد من قوة الآخرين أو ضعفهم، والا اذا كان دوراً محورياً وجامعاً وبمثابة جسر تلاق وتفاعل بين مكونات الوطن... وهذا يكون بشكل اساسي بالالتفاف حول موقع رئاسة الجمهورية ودعمه وتقويته لأستعادة صلاحياته وليستطيع رئيس الدولة بالتالي من لعب دور الحاكم والحكم والفصل في الامور الخلافية الاساسية.

سادساً: لبنان يقف الآن في قلب العاصفة العربية وعلى خط الزلازل الاقليمية . واذا استطاع ان يظل في مأمن وآمان ، فإنه لن يظل في منأى عن تأثيراتها وارتداداتها، ومن الصعب ان يبقى لفترة طويلة محافظاً على هدوئه وتماسكه. وهذا الوضع المضطرب غير المسبوق في المنطقة العربية يدفع بالمسيحيين إلى وضع سياسات وتوجهات جديدة تسهم في تفعيل دورهم في لبنان وتفعيل دور لبنان في العالم العربي من دون التورط في صراعات ومحاور اقليمية ترتب على لبنان اعباء واثماناً باهظة لا طاقة له على تحملها ولا مصلحة له فيها.

شكراً غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي... لقد حققت للمسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً حلماً طالما راودهم وطالما دعوا إليه ونادوا فيه ، لقد سئم المسيحيون عموماً وجيلاً كاملاً من الشباب المسيحي خصوصاً هذه الاحقاد وهذه الصراعات والخلافات وآن الاوان للخروج من المصالح الضيقة والشخصية والسلطوية إلى ما هو أسمى وأهم إلا وهو... الوجود المسيحي في لبنان والشرق إلى أين؟

وفي النهاية لا بد لنا من طرح سؤال ستجيب عنه الايام القادمة:

هل يصبح يوم 19 نيسان 2011 عيد الوحدة المسيحية في لبنان؟

المسيحيون ينتظرون النتائج ويضرعون إلى الله ليضع يده لمساعدة البطريرك الراعي في هذه المهمة الشاقة، انه وحده العليم القدير...

http://www.lebanese-forces.com/web/MoreNews.aspx?newsid=137907