المحرر موضوع: هل هي ثورة أم عاصفة صحراوية؟  (زيارة 1002 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل آدم دانيال هومه

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 121
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هل هي ثورة أم عاصفة صحراوية؟

   من حق جميع المواطنين السوريين، بدون استثناء، التظاهر سلميا وبطرق حضارية إسوة بباقي شعوب الأرض التي تدرك جيدا الفرق الشاسع بين المظاهرة السلمية والفوضى العارمة. ومن حقهم التعبير عن آرائهم ومعاناتهم ومطاليبهم بكل حرية وبدون أي رادع، وكذلك من حقهم الطبيعي والمطلق إبداء احتجاجاتهم على الواقع المزري الذي يعيشونه نتيجة القبضة الحديدية لرجال الأمن، بكل تسمياتهم، الذين لاعمل لهم سوى ملء جيوبهم وبطونهم على حساب الفقراء والمساكين، وإقلاق راحة المواطنين. ومن حقهم التظاهر ضد الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة ممثلا بشخصيات فاسدة على أعلى المستويات بحيث تعيث في البلاد فسادا وإفسادا، وسلبا ونهبا لثروات الشعب السوري البائس بدون وازع من ضمير، وبدون رقيب أو حسيب.
   أجل! من حق كل مواظن سوري، أي كان، الممطالبة بتغييرات جذرية تطال البنيان السياسي والاقتصادي والدستوري للبلاد، وإنهاء هيمنة الحزب الواحد، ووضع دستور دائم للبلاد يكفل لجميع المواطنين المساواة العادلة في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن المعتقد الديني أو القومي أو السياسي أو الطبقي بحيث تُصان بموجبه حرية المواطن وكرامته. وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة تطال بنيان الدولة من القاعدة حتى القمة، وعلى جميع المستويات. وإقامة نظام ديمقراطي علماني مقرونا بإلغاء المادة الثالثة من الدستور الحالي التي تعتمد الإسلام شرطا أساسيا للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وفتح المجال على مصراعيه أمام كل مواطن سوري كفؤ وقدير للترشح لهذا المنصب بصرف النظر عن معتقده الديني أو السياسي. وإطلاق حرية الصحافة والإعلام بحيث تمارس دورها الطبيعي والفعّال، وبدون رقابة من أي جهة كانت، ومهما كانت. وصياغة قانون جديد للأحزاب والتنظيمات السياسية، والمؤسسات الدينية والاجتماعية، ومحاسبة كل من عمل على هدر المال العام، وتصرّف في أموال الدولة بالنصب والاحتيال، وإحالته أمام القضاء بعد الحجز على كل أملاكه وممتلكاته وأمواله المنقولة وغير المنقولة في الخارج قبل الداخل. وتطهير الأجهزة الأمنية من كل الفاسقين والفاسدين والمفسدين ومحاسبتهم على كل جريمة اقترفوها بحق أي مواطن سوري، مهما كان وأينما كان، وخاصة اولئك  الذين غادروا الوطن مرغمين فرارا من ملاحقة السلطات الأمنية لا لذنب أتوه، أو جرم اقترفوه وإنما لعدم إيمانهم بعقيدة البعث الشوفينية التي تصرّ وتعمل على صهر جميع القوميات في بوتقة القومية العربية، وكل من لاينتسب إلى حزب البعث يعيش على هامش المجتمع منبوذا ومحروما من كل الامتيازات الخاصة بالبعثيين والذين يلتاطون وراءهم.
   أجل! يحق لكل مواطن سوري شريف ومخلص أن يطالب، بإلحاح، على  إلغاء مصطلح (الأقليات والطوائف)، على المستوى الرسمي لأن مبدأ سيادة القانون يلغي أي معنى للقول بوجود أقلية أو طائفة في الدولة طالما أن جميع المواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات، لذلك يغدو الحديث عن الأقلية والطائفة بمثابة إذكاء لنار الفتنة والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد بما يهدّد وحدتها الوطنية. ويحق له، في الوقت ذاته، المطالبة بتنقية المناهج الدراسية، في جميع المراحل بدءأً من رياض الأطفال وحتى الجامعة، من النصوص الدينية التي تدعو إلى التطرف الديني والكراهية ضد الأديان الأخرى. واستئصال الأفكار العنصرية والشوفينية والظلامية، ومنع استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية، وفصل الدين عن الدولة، ورفض الأنظمة الشمولية تحت ستار الدين أو القومية أو العنصرية. ومراقبة النشاطات التي تجري في الجوامع، وخطب الأئمة التي تحرّض على الإرهاب باسم المقاومة.
   نعم! يحق لكل مواطن سوري، أينما كان، أن يتظاهر احتجاجا على المظاهر السلبية التي تفشت في المجتمع السوري كالبطالة التي تفاقمت في الآونة الأخيرة ما أدى إلى انكفاء العقول والطاقات الشابة على الذات يأسا وقنوطا داخل الوطن، أو الهجرة من البلاد لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، في الوقت الذي يظل الوطن بمسيس الحاجة إلى تلك العقول والطاقات من أجل البناء والتطوير، ناهيك عن ظاهرة التسوّل المقينة والمشمئزة التي تعششت في خلايا الطبقات الدنيا والتي تتمثل، بكل سلبياتها وبشاعتها، أمام دور العبادة وفي الشوارع العامة على امتداد المدن السورية.
   أجل! من حق كل مواطن سوري أن يطالب، وبإلحاح، بملاحقة كل المسيئين، كائنين من كانوا، ومحاسبة كل المقصّرين في أداء واجباتهم المهنية، وكل الفاسدين الذين شجّعوا على انتشار الرشوة في كل مفاصل الدولة. وفضح كل العملاء وزبانية السلطة، في كل مدينة وقرية وحي. اولئك الطفيليون المصابون بعقدة النقص، الذين باعوا ضمائرهم، وداسوا على كراماتهم ليستمدوا سعادتهم من شقاء وتعاسة المواطنين الشرفاء حيث كانوا سببا رئيسا في قطع أرزاق آلاف المواطنين الأبرياء، وزجّ الآلاف  في السجون المظلمة من خلال وشايات كاذبة وملفّقة. وقد ساهموا، من خلال وشاياتهم الدنيئة، إلى غياب المئات من الأبرياء الذين اعتقلوا داخل بيوتهم وفقد لهم كل أثر مخلفين وراءهم عائلات منكوبة وأطفال يتامى يعيشون على أمل أن يأتيهم الغيب بخبر عن آبائهم وأمهاتهم.
   أجل! من حق كل مواطن سوري أن يتظاهر احتجاجا على كل مايسيء إليه شخصيا، وإلى وطنه بشكل عام. ولكن، كل ذلك، بعيدا عن الغوغائية والهمجية، واتباع أساليب التحريض والاستفزاز، والالتجاء إلى العنف، أو إلحاق الضرر بالأشخاص والممتلكات الخاصة أو العامة. وعلى كل السوريين الشرفاء أن يقفوا بالمرصاد صفا واحد في وجه كل من يحاول إثارة النعرات القومية أو الطائفية، أو تلقي الدعم من جهات خارجية في سبيل الإساءة إلى المصلحة الوطنية العليا وشقّ الصف الوطني. ومن أجل ضرب أمن واستقرار سوريا، وتمزيق الوحدة الوطنية، والعيش المشترك والتي تقود، كلها، إلى مزالق خطيرة من الإرباك والفوضى، ومن ثم إلى مهاوي الخراب والدمار.
   على الرغم من كل مثالب ومساوئ النظام الحاكم في سوريا، على امتداد أربعة عقود، إلا إنه، وبشهادة العدو قبل الصديق، كان النظام الوحيد من بين جميع الأنظمة العربية والإسلامية الذي يتسم بالتسامح الديني، إضافة إلى الأمن الذي ظل يرفرف فوق ربوع سوريا من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال مقرونا بالاستقرار والوئام والسلام والأمان.
   بعد كل هذا، هنالك سؤال يتبادر، بإلحاح، إلى ذهن كل المواطنين السوريين المخلصين الشرفاء بشكل عام، والمسيحيين السوريين منهم بشكل خاص، وعلى وجه الخصوص الآشوريون السوريون. لماذا تتدفق كل هذه التظاهرات من الجوامع، وفي أيام الجمع بالتحديد، ولا تنطلق من المدارس والمعاهد والجامعات؟. فساحات الجامعات كانت ولم تزل وحدها، في كل زمان ومكان، منطلقا  لكل تغيير وإصلاح. وكان الطلاب، على مر التاريخ،  هم الذين يهزون عروش الطغاة. أما أن تنطلق تلك التظاهرات من الجوامع والمساجد مدجّجة بصيحات (الله أكبر)  فيخال لكل سامع بأن المتظاهرين يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح وهم في طريقهم إلى الجهاد. إن مثل هذه الصيحات هي بمثابة ناقوس الخطر الذي يذكر المسيحيين السوريين بسورة السيف التي ذاقوا منها الأمرين على امتداد أربعة عشر قرنا. وماأدراك ما سورة السيف.
   يقف المسيحيون السوريون عامة، والآشوريون خاصة من التظاهرات التي تعمّ بعض المدن السورية في خشية وريب شديدين لأن المشهد العراقي لازال ماثلا أمامهم بكل قبحه وبشاعته ودمويته. وشبح  أبو مصعب الزرقاوي وهو يمتشق سيفه اليماني فوق عرش إمارته الإسلامية في العراق ليفصل رؤوس ضحاياه عن أجسادهم بشهوة وسادية قلّ نظيرها ثم مايلبث أن  يتوضأ بدمائهم ويستغفر ربّه ليقيم صلاته، لازالت تلك المشاهد الرهيبة تبعث القشعريرة في أجسادهم والرعب في قلوبهم. ناهيك عما آلت إليه الثورة المصرية اليانعة من مآس وويلات جديدة على أقباط مصر الذين شاركوا في تلك الثورة المجيدة منذ اندلاع شرارتها الأولى ولكنهم لم يقطفوا من ثمارها سوى الحرائق التي أضرمت في كنائسهم، وسفك دماء أبنائهم على أيدي الغوغاء السلفيين المتعصبين الذين كشروا عن أنيابهم ومخالبهم وعاثوا في القطيع المسالم فتكا وافتراسا وكل واحد منهم يردد بهيجان: (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان).[سورة الأنفال: 12]
   خشية المسيحيين السوريين من أن يكون مآل الأحداث في سوريا ذاتها في العراق. وبأن هناك إمارة إسلامية يُعد لها وراء الكواليس. و هم على يقين بأنه على مذبح تلك الإمارة ستكون نهاية الوجود المسيحي في الشرق، ومعهم كل المفكرين العلمانيين والتنويريين.
   لقد حزّ في نفوس الآشوريين السوريين الذين هم، بكل تأكيد، آشوريو الانتماء ولكنهم سوريي الولاء بالدرجة الأولى. وإخلاصهم وتفانيهم لسوريا هو فوق كل اعتبار. وتتلاقى أهدافهم وتطلعاتهم واهتماماتهم الوطنية بذات االأهداف والتطلعات والاهتمامات الوطنية لكل السوريين المخلصين الشرفاء. لقد حزّ في نفوسهم كثيرا أن يروا رئيس دولتهم يتقدم بالتهنئة من الأكراد بمناسبة عيد النوروز الذي يعتبر رأس السنة لجميع الشعوب الإيرانية في حين لم يتوجه بالتفاتة كريمة إلى الشعب الآشوري بمناسبة رأس السنة الآشورية والذي صادف في الفترة ذاتها مع العلم بأن الآشوريين هم أصلاء وليسوا دخلاء على بيئة سوريا الطبيعية التي استمدت اسمها من (آشوريا) بحسب اعتراف جميع المؤرخين العرب والأجانب منهم.
   بوركت سوريا وعاشت حرّة مستقلة
   وبورك الشعب السوري بكل أطيافه الزاهية.

آدم دانيال هومه
سدني _ استراليا
adamhomeh@hotmail.com