المحرر موضوع: الآشوريون أصالة وأثبات وجود  (زيارة 1818 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Shomar

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 33
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الآشوريون أصالة واثبات وجود 
                       
بعد أن قدمت الأمة الآشورية آلاف الشهداء في تاريخ نضالها الطويل و المرير من اجل الحرية و تقرير المصير على أرضها , و بعد أن بذلت الغالي و الرخيص من أجل الحفاظ على وجودها القومي الآشوري , و في هذه الآونة التي تنتظر الأمة الآشورية تحقيق نتائج على صعيد قضيتها القومية و مطالبها المشروعة العادلة على الساحة العراقية بلاد أشور ,
نقرأ بين الحين و الآخر تصريحات استفزازية من قبل بعض مدعي السياسة و بعض منتحلي ثياب الكنيسة , لا تخدم إلا المصالح الشخصية و مصالح أعداء القومية الآشورية.
و كثيرا ما يكتب بعض أشباه الكتاب عبارات التشكيك بأصالة الآشوريين الحاليين و ينفون تواصلهم مع أجدادهم الآشوريين مؤسسي أشور و نينوى,
و يستشهدون بمراجع هزيلة ضعيفة و مستحدثة, لا يتفق معها النسبة الكاسحة من المؤرخين و المفكرين , آشوريين و غير آشوريين.
إن المقولة التي تتكلم عن إبادة الآشوريين لا تمت للحقيقة بصلة وما يؤكده التاريخ المكتوب يؤكد إن المقولة لا تعد إلا افتراء و تزويرا للحقيقة لتحقيق مكاسب تختلف أسبابها من زمن لآخر .
و سأعرض بعض الشواهد التي تثبت أصالة الشعب الآشوري و تواصله عبر القرون الطويلة الماضية .
يؤكد" كيتسي" و" غير" و غيرهم أن الجيوش المنتصرة على الآشوريين أبادت الوجهاء و النبلاء من الآشوريين أما بقية السكان بقوا أماكنهم , و بقايا الجيش الآشوري اقتادها شقيق الملك آشور بانيبال إلى حران شمال غرب نينوى و بعدها انسحب إلى مقاطعة ايسالا في الشمال في اورارتو. و بعد الاجتياح الميدي لهم بقي قسم من الجيش الآشوري  و السكان التابعين له في جبال عسالة و القسم الأخر التجأ إلى كركميش ( جرابلس الحالية)  , و رغم تدمير الجيش هناك أيضا بقي السكان المسالمين في مدنهم دون أن يفنوا .
و هذا ما يؤكده المؤرخ الآشوري ب.غ.أرسانيس فيقول بأنه أثناء الحروب و تدمير أشور التجأ الآشوريون إلى جبال أشور العاصية و عاشوا هناك سنين طويلة جدا و يقول أن بعد سقوط الدولة الآشورية  خرج عشرة من القادة الآشوريين و بكامل جيوشهم باتجاه نصيبين و أسسوا دولة جديدة باسم "اسرايا" أي العشرة و اتخذت فيما بعد اسم" اسراوينا" ثم اورهي "أورفة"
و لهذه المدينة من التاريخ العريق ما يطول ذكره .
و يذكر مؤلف آشوري أخر و هو هوامير منشي  بأنه أثناء المعارك تمكن قسم من الجيش الآشوري فك الحصار و الخروج باتجاه جبال أشور ذات التحصينات المنيعة و التي لم يستطع أحد من اختراقها لسبب طبيعتها الجغرافية القاسية .
بعد انقضاء عدة سنوات أخذ الآشوريون بالعودة إلى بلادهم الأصلية , وهذا ما يؤكده  المؤرخ الإنكليزي " س. لويد "  وكذلك الملك كير الفارسي في بيانه الصادر بعد "66"سنة من سقوط الدولة الآشورية حيث يذكر أن من بين الأسرى الذين اقتادهم كير أعاد الآشوريين إلى أماكنهم الأصلية.
يذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت بأن أغنى المستعمرات الملحقة بالمملكة الفارسية كانت بلاد أشور و ما كان ليسميها كذلك لو صدقت فكرة فناء الآشوريين. و نظرا لأهمية هذه المستعمرة و خوفا من فقدانها شن داريوس حملته الشعواء ضد قادة الانتفاضة الآشورية و ذكر خبر إعدام  أحدهم على أحد النقوش البخيستونية  لداريوس الأول , كما يتكلم أيضا في نقوشه عن بناء القصر في سوزي و كيف جلب له الآشوريون شجرة الأرز من لبنان .
و في نقشه الثالث نجد ذكر الغزوات الآشورية  كما في نقوش برسيبوليس.   

أما في كتاب هيرودوتس أبو التاريخ , فيصف فيه اللباس و التقاليد و العادات و عمل الآشوريين و محاكمهم و مجتمعهم  و يصف بدقة متناهية القوات الآشورية في جيش كسيركس ابن داريوس الأول ابان حربه المستمرة مع اليونان , علما أن هيرودوت زار بلاد أشور بعد مضي مائة و خمسون عاما على سقوطها و لا يوجد له دافع ليسمي ذلك الشعب بالآشوري لولا وجوده فعلا و من غير المنطقي أنه لا يفرق بين أسماء الشعوب و هو أبو التاريخ .
يقول الأكاديمي ب.طواريف أن نينوى و أشور لم تمحيا من الوجود مثلما يتكلم البعض استنادا للمعلومات السطحية لكسينوفونت في كتب اناباسيس , بل أن بلاد آشور التي اصبح اسمها آثور حسب الغة الفارسية , اصبحت مقاطعة فارسية و فيما بعد تبرز نينوى عاصمة بلاد أشور كمستعمرة عسكرية في عهد الأباطرة الرومان .  و رغما عن ذلك كتب كسينو فونت و الذي كان أحد القادة العسكريين المشاركين في حملة كير الأصغر ضد ارتوكسيرس الثاني من سلالة الأخمينيين , كيف قابل السكان الآشوريين في مدينتي نينوى و كلخو و سمى هاتين المدينتين ب  لاريسا و ميزوبيلا " , الروح المباركة للبيت , بين الشطين"
كتب المؤرخ الروماني اريان في وصفه لحملة  ذو القرنين , كيف استراح الجيش المكدوني في بلاد أشور بعد عبوره لنهر دجلة عند الجبال الغارونيونيه , و ذكر أن المعركة الشهيرة بين الاسكندر المكدوني وملك الفرس داريوس الثالث وقعت عند قرية آشورية هي غوغاميلا بالقرب من أربيل و من مدينة مسبيلا التي أسسها الآشوريون على الضفة المقابلة لنهر دجلة على حسب ذكر  المؤرخ س.لويد , و يذكر اريان أيضا كيف استخدم الاسكندر المكدوني العمال الآشوريين قسرا في بناء المنشآت المائية و ترميم القديم منها بعد أن احتل بلاد الرافدين.
كما وصف العالم الإغريقي و المؤرخ المشهور سترابون (63 ق.م -24م)
عاصمة الآشوريون مدينة أشور و ذكر في مخطوطاته و في 17 كتابا أن سكان هذه المدينة أعيدوا إلى هناك بعد احتلال بلاد الرافدين من قبل الملك الفارسي كير الأول و قد قاموا بترميم معابد الإله أشور و سجدوا له. و حيث أن الإله أشور يخص الآشوريين فقط و هم وحدهم الذين يسجدون له فقط و الذين استمروا  بعبادته حتى العهد البارفيني  فالسكان الذين أعيدوا هم حكما و قطعا آشوريين.
و في مؤلفات ديودور الصقيلي (90ق.م- 21 م) مؤلف "المكتبة التاريخية"
و التي تحوي أربعين كتابا يصف فيها تاريخ الشرق القديم و اليونان و روما و صفحات واسع عن الملكة الآشورية سمير أميدا و عن المجتمع الآشوري في تاريخ كتابته للعمل .
يكتب المستشرق الفرنسي غ.ماسبيرو : "أن الآشوريين المشردين و الذين حررهم كورش بعد سقوط بابل , عادوا إلى مدينة أشور و أعادوا بناءها و اغتنوا في حياتهم لاعتمادهم الزراعة و التجارة " .
لا نهمل البيان الصادر من قبل القيصر البارفيني ميتريدايت أبان حروبه مع الحاكم سيليقكين عام (141 ق.م) و يذكر أن وفد آشوري وصل إلى ميتريدات من إحدى المدن الآشورية  ليعبر عن كلمة الصداقة و حسن الجوار.
هذا بالإضافة إلى مئات المؤلفات و المخطوطات لعشرات من المؤرخين و الباحثين و المستشرقين و الذين يؤكدون استمرار الهوية الآشورية و تدحض فكرة فنائها .
لقد تشكل التجمع العرقي الآشوري زمن مجتمع  مالكي العبيد و شكل عرقا ذو سيادة و ثقافة آشورية الأقدم و الأقوى من غيرها , و أبان سقوط الإمبراطورية الآشورية كان لهذا المجتمع القومي خصائصه الثقافية و تميز بوحدة الأرض و اللغة و الوعي العرقي الذاتي , و لعل تلك الأسباب هي الأقوى التي بوجودها حالت دون فناء الآشوريين أو امتزاجهم  بالمحتلين.
و فيما بعد يرتبط تاريخ الآشوريين اللاحق ارتباطا وثيقا بمصائر الإمبراطورية الرومانية  و من ثم البيزنطية و بالإخمينين و البار فانيين و الساسانيين في إيران و بالخلافة العربية و الإمبراطورية العثمانية.

و كما هو مؤكد فإن المسيحية دخلت بلاد أشور في القرن الأول للميلاد و ترسخت في القرن الثاني ومنذ ذلك التاريخ فإن تاريخ الآشوريين وثيق الصلة بالمسيحية , حيث كان الآشوريون من أوائل الشعوب التي اعتنقوا هذه الديانة الجديدة على إثر غياب السلطة و كذلك القيادات الدنيوية و تمكنت الكنيسة من توحيد الآشوريين تحت لواء القيادة الدينية و منذ ذلك العهد يتداخل التاريخ الدنيوي للشعب الآشوري بشكل دقيق  مع تاريخ الكنيسة الآشورية .
و ما يعكسه التاريخ أن الإمبراطوريات التي حكمت بلاد ما بين النهرين كان هدفها الأول من احتلالها لهذه البلاد هو الاستحواذ على خيراتها و ليس الاستقرار فيها على عكس  العناصر البدوية التي غزت البلاد و ما رافق الغزو من مذابح و مجازر و تشريد و تدمير للهيكل العام للمجتمع  الآشوري , و التي كانت غايتها الاستقرار في البلاد المعطاء و انتزاعها من يد أصحابها .
إن الأوضاع الشاقة و الاستعباد الذي عاينه الشعب الآشوري , و ازدياد اضطهادهم السياسي و الاقتصادي لأقصى حد يفسر تبنيهم السريع للمسيحية و كان ذلك على يد الرسل مار (باثليميو) و مار (توما ) و مار
(أدي) و مار (ماري ) و تلامذتهم , و منذ ذلك الحين قام الشعب الآشوري ببناء مؤسساته الكنسية في جميع أقاليم وطنه , و بشهادة المؤرخين و الباحثين فإن إمارة حدياب كانت من المراكز الأولى للآشوريين  التي تجذرت فيها المسيحية إلى جانب إمارة اورهي , و حدياب واحدة من الممالك الآشورية التي نشأت قبل الميلاد بقرون و كان لها كيانها الخاص بها خلال فترة الحكم السلوقي (331-127ق.م) و استمرت إلى العهد الساساني (226-651م) و كانت تشمل أقساما واسعة من بلاد أشور و تغطي المنطقة المحصورة بين زاكروس شرقا حتى حوض دجلة من الغرب , و من الزاب الأعلى إلى الزاب الأسفل , و كانت واحدة من الدول التي تشكلت منها الإمبراطورية الفرثية باسم حدياب و أصبحت ملجأ للمسيحيين المضطهدين من قبل الرومان و بهذا كانت واحدة من قلاع الكنيسة الشرقية الآشورية و احتلت  الصدارة في إدارة شؤون الكنيسة الآشورية في المناطق الواسعة لحدياب و أورهي و المناطق الواقعة من نهر الزاب الأسفل جنوبا و حتى أقاليم وطن القبائل المستقلة شمالا , و كانت أربيل مركز حدياب و منذ القرون الأولى للميلاد تقوم بإدارة شؤون أبرشيات الكنيسة و تقدم الخدمات لأبناء الشعب الآشوري في جميع الأقاليم , و كانت الكنيسة في حدياب و غيرها من المناطق في بلاد ما بين النهرين تستخدم الأناجيل الأربعة التي كان (طيطانوس الحديابي ) المتوفى سنة 180 للميلاد المعروف باسم ( ابن الآشوري ) قد جمعها في النصف الثاني من القرن الثاني و أطلق عليها ( الدياطسرون) التي تعني" من خلال الأربعة" , و ظلت هذه الأناجيل قيد الاستخدام في الكنائس إلى القرن الخامس حيث حلت محلها تدريجيا النسخة الجديدة من الإنجيل المسماة (بشيطا) أي البسيط . و لمؤسس الأدب الآشوري بارديسان (194-222م)  صفحات في تاريخ الكنيسة الآشورية في تلك الحقبة .   
إن التاريخ الكنسي للآشوريين يحمل جملة من الشواهد التاريخية التي لا تقبل الجدل بأصالة الشعب الآشوري وتواصل وجوده الذي يمتد في عمقه التاريخي إلى أشور "الشورايا" . و لهذا التاريخ صفحات لا يمكن اختزالها في كتاب أو مقال واحد .
إن التصاق الإنسان الآشوري بكنيسته كان تعبيرا و استجابة واعية لواقعه , و كان لخضوع بلاده للاستعمار عاملا جذريا للبحث عن الهوية الذاتية و ليعبر من خلالها  عن عطائه و إنجازاته و باعتناقه المسيحية وجدت الشخصية الآشورية ذاتها المفقودة , و قامت ببناء هيكل كنسي لا مثيل له لا يزال تعتبر من أعظم الإمبراطوريات الكنسية التي قامت على مر العصور.
إن الشواهد المادية و الفكرية التي  تركها الشعب الآشوري في موطنه تعبر عن القدرة الفائقة على الصمود التي أبداها الشعب الآشوري في الاحتفاظ بأرضه التاريخية , التي لم تستطع الحملات الغازية و حملات الإبادة الجماعية ضده أن تقضي على وجوده و انتشاره , طوال القرون الطويلة
الماضية و التي اتسمت بعمليات التصفية الجماعية و التهجير و إخلاء الأرض بالقوة . و رغم الظروف السابقة و اتخاذها طابع الشمولية في القرن الرابع عشر و في القرون اللاحقة , فإن الأديرة و المدن و القرى الآشورية لم تستطع هذه العناصر الغريبة محوها , بسبب كثرتها , و الشواهد القائمة تعكس واقع تجربة إنسانية طرفاها الإنسان الآشوري باني الحضارة و التقدم من جهة و البداوة و الهمجية من جهة أخرى .

و يحاول بعض الساسة و رجال الدين الآشوريين من جهة و الساسة البرجوازيين و مثقفي القبائل من جهة أخرى البرهان على أن الآشوريين المعاصرين لا يملكون لا تاريخا و لا حضارة و لا أدبا و لا لغة خاصة بهم , كما لا يجمعهم جامع مع الآشوريين القدماء , و أنهم فقط نسبوا لأنفسهم اسم ذلك الشعب العريق . و هدفهم يختلف من طرف لأخر و من حقبة لأخرى لكنها تشترك و تتلخص في محاولة تجريد الآشوريين من السلاح في نضالهم ضد مغتصبي أرضهم و إفقادهم الثقة بقوتهم و إركاعهم أمام ثقافة القبائل الغازية لهم , إن الوقائع التاريخية تدحض بقوة كل هذه الافتراءات و التخرصات المعادية.

منقول عن الدكتور بطرس تشابا
  آشوري