المحرر موضوع: الوعي اليبرالي الحجر الأساسي لبناء المجتمع الديمقراطي  (زيارة 880 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عباس حسن الجابري

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 1
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني



شهد العالم خلال القرن المنصرم ( أي التاسع عشر )  عدة مراحل في تغير اتجاهاته السياسية والعملية . بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ودخوله في مرحلة التنظيم الدولي السياسي والتي سبقتها مرحلتي التقسيم والهيمنة الاستعمارية بانشاء عصبة الأمم المتحدة التي من أهدافها الرئيسية هو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وما حققته هذه المنظمة الدولية من انجازات ملموسة. ومن خلال ثلاث سنوات من عمرها أقدمت على اصدار اعلان حقوق الانسان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والذي يشتمل على ثلاثين مادة تغطي كلا من الحقوق المدنيه والسياسية وكذالك الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأنسان  . وأوجبت الاعتراف من قبل الأنظمة الحاكمة للدول بحقوق الحريات المنصوص عليها في اعلان حقوق الانسان ووضعها موضع الاهتمام والتنفيذ .

ان الاعلان الأممي لحقوق الانسان تعامل بالعمق مع ارادة الانسان في هذه الحياة، لكونه ولد مقدسا ويموت مقدسا، ومن خلال ما يحمله من افكار عقلية وسلوكيات عملية ومناهج ثقافية وستراتيجيات سياسية ونظم اجتماعيه، وله الحق ان يعيش في حياة كريمة وعدم المساس بحقوقه الوطنية والسياسية التي يطمح من خلالها لمستقبل أفضل بعيدا عن التجاوزات الفكرية والسلطوية.

ان بريطانيا وحلفائها الأوربيين أسقطوا أعتى امبراطورية في التسلط والهيمنة، ثم قسموا أجوائها الى كيانات وأنظمة ومن ثم استعمروها وهيمنوا على انظمتها، ولكن تركت ارادة شعوبعا بنظام ديمقراطي يتعامل مع اليبرالية ضمن بعض الطقوس السياسية . لكن وكما قلنا ارادات الهيمنة والتدخلات السلطوية قائمة على هيكلة السلطة الادارية وكذالك مع الوصايا الاستعماريه وهذه الحالات لاتعطي معنا كاملا لأرادة الشعوب . وجعل هذه الأنظمة في مهب رغباتها واتجاهاتها السلطوية مما أعطى شرعيه للكفاح والنضال ضدها. وبأنتهاء الحرب العالمية الثانيه كذالك شهد النظام الدولي تغيرا في ميزان القوه في العالم وخاصة بعد دخول الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي الى منظمة الأمم المتحدة وتغير أسمها من عصبة الأمم الى اسمها الحالي منظمة الامم المتحدة . ومن خلال هذا التغير بدء التسابق من قبل هاتين الدولتين على قيادة العالم سياسيا وعسكريا، ومن خلال هذا التسابق أيضا قسم العالم الدولي الى قسمين سياسيا واديولوجيا، وهما اديولوجية رأس المالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، وأديولوجية شرقية أشتراكية يقودها الاتحاد السوفيتي . وقد استنتج من هذا التناحر الفكري الايدولوجي تحالفا  عسكريا سياسيا، وهما الحف الأطلسي الذي تأسس عام 1949 ، بقيادة امريكا والى جانبها حلفائها الأوربيين، وحلف وارشو الذي تأسس سنة 1955 بقيادة الاتحاد السوفيتي سابقا وضم الدول الاشتراكية بعد دخول المانيه الغربية الى حلف شمال الاطلسي . ومن خلال هذان الحلفان المتناقظان ايديولوجيا، قامت الحرب الباردة بين المعسكرين وهي حرب وقائية اعلاميه ومخابراتية.

ان الحرب الباردة وكماذكرنا كانت وباء على الأنظمة الاستعمارية التي لها معاهدات مع بريطانيا وحلفائها المستعمرين . ان الاحزاب الوطنيه والأشتراكية والمستقلة لعبت دورا مهما في الساحة العالمية وخاصة العربية السياسية باسقاط الأنظمة الاستعمارية، واتسمت هذه الفترة  بالنهج التحريري، وامتدت من اوائل الخمسينيات من القرن المنصرم وحتى أواخرها، ولكن آليات التحرير كانت مزدوجة وقد غيرت بآليات حركية مغايرة في اواخر الستينيات من خلال الانقلابات المعاكسة، وأكثر هذه الانقلابات يتم اعدادها وتخطيطها بمناهج كالوسية تتم مابين الانقلابيين من خلال احزابها السياسية  من جهة، ومن جهة أخرى مع الأجهزة المخابراتية البريطانية والامريكية، من خلال توغل هذه المخابرات في صفوف الجماهير واصطيادها، من قوميين وأثنيين ، واصحاب الهويات المغلقة التى لا تشكل خطرا على المصالح الغربية في المنطقة . ان هذه العناصر ذو امنيات ضيقة ومصورة ذاتيا، وتكون مغاليه في الطموح السلطوي وأيضا ذو أفكار قابلة بالتفاوض على حساب الشعب والوطن مقابل ابقائها في السلطة,

ان الانقلابات العسكرية التي حصلت في الخمسنيات والستينيات كما ذكرنا لم تحقق شيأ من ارادة الشعوب، بل بالعكس صنعنت لها دكتاتوريات واحاطتها بأسوار سلطوية مغلقة وحجبت عنها نور الارادة الفكرية وتحكمت بمصيرها وتجاهلت حقوقها المشروعة . أن الحكم الدكتاتوري هو حكم مغلق تقوده عصابات وجماعات وأفراد ذو نفوس ضيقة وأفكار انتهازية، وتشجع مثل هذه الأنظمة فئات أمية منتشرة في الميدان السلطوي الذي تتبناه الأنظمة الامبريالية ويروج لها الاعلام المأجور، لتثبيت مصالحها في المنطقة، مستغلة الولاء المصلحي من قبل هذه العناصر.

وهنالك صفة خاصة للدكتاتورية ظهرت في عدة أنظمة شهدها القرن الماضي قبل الحربين العالميتين، مثل المانية وأيطاليا تبنتا المذهب الفاشستي والنازي قبل الحرب العالمية الثانية. ومن خلال الانقلابات العسكريه ظهرت الدكتاتورية في العالم الثالث والتي غلب على طابع الحكم فيها الحكم العسكري، مثل الحكم في مصر والعراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية والشرق أوسطية . ان الحكم الذي يثبت عنوة وغير منطلق من ارادة الشعوب، لابد وان يشيد على ركائز الدكتاتورية والتولتارية (الشوفونية)،  والعنف السلطوي .

ان الحكم الذي لا يكون ايجابيا في قراءته وتوصياته السلطويه، سيكون دائما سياساته بعيدة عن ارادة الجماهير، ويكون أيضا قراراته وتشريعاته حصرا لصالح النظام وتثبيت وجوده.

 وبعد  قرون من الدكتاتوريات والعبوديات، يعود اليوم مرة ثانية الوباء السياسي والفكري لضرب الفكر العربي من خلال اقامة الجمهوريات الانقلابية التي قام بها بعض الضباط الأميين والانتهازيين من خلال الفرص الانتهازية، وكما ذكرنا التي تبين في آخر المطاف ان هؤلاء الافراد المولودون من رحم السياسات الغربيه، نتيجة لخشية الغرب من وقوع هذه الدول الغنية بالنفظ والثروات، بأيدي الأحزاب الوطنية والمستقلة والذين يحترمون ارادة شعوبهم الوطنيه.

ان الديمقراطية تعتبر النقيض للتوليتارية والدكتاتورية والتسلط  وكذالك الكفيله بحمايت المجتمع المدني من الأفكار التقليدية والاستبدادية وهيمنة العصابات الطائفية والعرقية والأثنية والعصبية  والهويات المغلقة على نفسها . اما مفهوم الديمقراطية التشريعي هو حكم الشعب نفسه بنفسه ويتحقق عن طريق الانتخابات بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ويحدد صلاحيات وحقوق وواجبات كلا السلطتين، دستورا وقانونا عاما، وأحيانا تختلف بعض الاجراءات بين مكان وآخر وحسب البلدان والتقاليد السائدة في المجتمع .

رغم ان الديمقراطية جذورها بابلية وعقلنتها يونانية، ولكن وجدت لها فلسفة علمية نشأت في بريطانيا منذ سبع قرون حين وقع الملك (جون) دستور( الماجناكارتا) سنة 1215م ، رغم انه كان توقيعه خلاف رغبته، ولكن اراد ان يشعر اسميا واعترافا منه بان هناك سلطة تشاطره بالحكم.

صحيح ان الديموقراطية تعتبر العقار الفلسفي المظاد لوباء الدكتاتورية، ولكن الديموقراطية لايمكن ان تتحقق بصورة ايجابية وفعلية بدون اليبراليه لانها هي المحور الأساسي لتفعيل مباديء الديموقراطية في المجتمع واظهارها  لحيز الوجود .

تعتبر اليبرالية حجر الزواية البناء لمؤسسات الديموقراطية في  أرضية السياسة لدى المجتمع المدني . ولابد وان نتعرف على الوعي اليبرالي ونعيش مع حقائقه الحركية السياسية الانسانية ومن خلال هذا التفهم ايضا لهذه الحقائق يمكن ان نأخذه ككنف سياسي، تحتمي به مبادئنا، وكخندق ثقافي نعالج به أفكار ومبادئ الدكتاتورية والشمولية والشوفونيه والعنف السلطوي، وهذا من خلال ما تعرفنا عليه من مبدعين ورواد المذهب الحركي لها.

ان اليبرالية حاليا هي مذهب أو حركة وعي اجتماعي سياسي داخل المجتمع تهدف مبادئها الى تحرير الانسان كفرد أوجماعة وشعب من القيود السلطوية الثلاثة السياسية والاقتصادية والثقافية وقد تتحرك وفق أخلاق وقيم المجتمع الذي يتبناه.

تتكيف اليبرالية حسب ظروف كل مجتمع وخصوصياته التي تفرض الاختلاف كحقيقة لابد أن نتعامل معها فكريا وعمليا، فمثلا كمجتمع عالمي متحرر الى مجتمع عربي محافظـ أو مجتمع عربي مسلم في مقابل مجتمع مسلم غير عربي والى آخره.

من آثار الافكارروحيا، فاليبراليه هي أيضا حركة سياسية واقتصادية معا، ففي السياسة تعني تلك الفلسفة التي تقوم على استقلال وحرية الفرد والتزام الحريات الشخصية وحماية الحريات السياسية للمجتمع المدني وتأييد النظم الديموقراطية والبرلمانية والاصلاحات الاجتماعية . ان المنطلق الرئيسي في الفلسفة  اليبرالية  هو ان الفرد هو الاساس بصفته الكائن الملموس للانسان بعيدا عن التجريدات والتنظيرات، ومن هذا الفرد وحوله تدور فلسفة الحياة اولا، ومن حقه الحياة بحرية واستقلال وسلام وعدالة، وهذا يتبع بقية الحقوق المرتبطه بحق الاختيار، بمعنى حق الحياة كما يشاء الفرد، لا كما يشاء له، ومن ذلك حق التعبير عن الذات بمختلف الوسائل وحق البحث عن معنى الحياة حسب قناعته مع الالتزام بمبادئ مجتمعه الاخلاقية والسياسية والقانونية والدينية، اذا كان البلد متحررا ومستقلا وتسوده النظم اللبرالية والديموقراطية، وكذالك لا يوافق ما يملى ويفرض عليه بايجاز العبارة .

اليبرالية لاتعني أكثر من حق الفرد، فالانسان يختار كامل الاختيار في عالم الشهادة، لتكون كل من الحريه والاختيار حجرا الزاويه في الفلسفه اليبرالية، فلا يوجد تناقضا هنا بين مختلف المنظرين بهذا الخصوص، مهما اختلفة اتجاهاتهم سوى كنا نتحدث  عن (هوبز ) او (لوك )  او غيرهم .

هوبز كان سلطوي النزعة سياسيا، ولكن فلسفته الاجتماعية بل حتى سلطويته السياسية التي كان ينظر لها كانت مطلقة من حقوق الحرية والاختيار الاول . اما لوك كان ديمقراطي النزعة ولكن ذالك ايضا تابعا من قراءاته ومن دافع السلوك الانساني الفردي الاول  وكانت حرية الاختيار النتيجه النهائية في اتجاهه الفكري. اما العلاقة بين اليبرالية والاخلاق من جهة ومن جهة أخرى اليبرالية والدين، تبينا من أن اليبرالية أنائية السلوك اتجاه الفرد طالما انه لم يخرج من دائرته الخاصة لحقوق الحريات ولكنها صارمة خارج ذالك الاطار، أو كما يقال، فان تكون متفسخا اخلاقيا فهذا شانك ولكن لاتؤذي الأخرين كموقف اخلاقي تجاه الاخرين، مثلا تقود سيارة متهورا أوتعتدي على فتاة في الشارع، اوغيرها من التفسخ الاخلاقي فهذا لا يعود خاصا بك بل بالمجتمع ككل، فهذا لا يعني باخلاق الفلسفة اليبرالية والمعنى هو يدل على ان التفسخ الاخلاقي والتدني السلوكي للقيم والتعامل الثقافي يحدده المجتمع ولكن هناك تعامل سلطوي وقوانين ضمن الفلسفة والمأخوذه عن طبيعة وسلوكية وميول المجتمع التشريعية وبحماية السلطة التنفيذية (الحكومة).

 ان النظام اليبرالي وكما ذكرنا لا يتراجع عن ما يريده الشعب من معتقدات وانتماءات عقائديه سواء كانت دينية اوغيرها من الانتماءات السياسية الايدلوجية باستثناء المعتقدات الوراثية والطائفية والعرقية  والاثنية والهويات المغلقة، وكذالك النظريات والفلسفات التوليتارية، اي الشمولية والدكتاتورية بخلاف الديمقراطية.

ان انفراد الديمقراطية في السلطة وفي صلاحياتها، تؤكد أنه  لابد وان تكون هناك ملابسات وقعت خارج اطار مضمون الاراده الشعبيه.، ومنها استغلال بعض العناصر المغالية في السلطة والتكتلات العنصرية والحزبية المراوغة الذين يتمسكون بالسياسة( الديماغوجية)، والتي يستشري من خلالها الفساد الاداري والرشوه والمحسوبيه والمنسوبيه . ان الديمقراطية المنفرده التي تخلو من الاطر اليبراليه لاتضع حدا لهذه الحالات وخاصة بعد وصول هذه السلوكيات الى السلطة . وكمثال حي هذا ما حصل في العراق بعد اطاحة النظام الدكتاتوري ، وفي اندنوسيا في حكم الدكتاتور سوهارتو والفلبين بعد اقصاء الدكتاتور ماركوس . مثل هذه الديمقراطيات التي سادت ادارتها  بعض الجماعات الفردية، وسبب انحرافها عن مسارها الصحيح هو غياب القانون اليبرالي . ان القانون اليبرالي بالمفهوم الفلسفي هو الكفيل بازاحة الغموض  والضبابية التي تثيرها بعض المفاهيم المغلقة التي تطمح الى الوصول للمحطات السلطوية والذي يفرضها الامر الواقع ضمن متطلبات واحداث معينة لتغيير الواقع المتردي وكما حصل في الكثير من البلدان.