كنا واقفين على طابور الانتظار ريثما نعبر النقطة الحدودية اللئيمة مع أعدائنا الأحباء ريثما يدققون في وجوهنا و تاريخنا و نبضنا و اشواقنا و عيون مائنا..
فاذا بطفلة في غايةالجمال و السذاجة بدات تبكي بحرقة لا توصف و معها رجل أشبه بالسكير بدأ ينهال عليها ضربا بجنون..:"اهدأي ، أخرسي أنفاسك الصاخبة يا مجنونة كفاك تتطلبين" ، و لم أصدق أنه أبوها و حدقت في عينيه دون ان افهم سر قسوته و ضيق خلقه قلت له :"ما بك يا رجل أيعقل ما تفعله بهذه الدمية البريئة"، و ما لبث أن تحنن احدهم و أعطاها قطعة نقود معدنية لا تساوي شيئا لكن المسكينة فرحت بها ، و بادر آخر لانتشال قطع أخرى من جيبه فسكتت تماما و شاركتهم بالعطاء فاعطيتها قطعة نقود و شحذت منها ابتسامة لكني فشلت في اضحاكها اذ فقدت دموعها و بدات تتحجر، ثم سالت ابوها ما الخبر علام كل هذا الغضب و الانفعال ، و بعد ان بحشت في قلبه باصرار عرفت انه يعاني من سكرات الخبل..:" اننا على عجلة من أمرنا ، لدينا حالة وفاة أمها توفيت و هذي ابنتي الوحيدة"
جاء دوري في التدقيق و عبرت بسلام ثم استلمت امتعتي و ركضت الى البقالة كمن يبحث عن كنز و اشتريت لها عصيرا و ماءا و شوكولاتة لكني أضعت الفتاة و ابوها في زحمة الناس فحزنت كثيرا، و ما ان وجدتهما من جديد حتى قدمت لها هديتي الوضيعة ،لكنها فاجأتني برفضها و كشرت في وجهي متظاهرة باللامبالاة ، بل و أرتني أنها تمكنت بتجميع القطع المعدنية التي لا تساوي شيئا قد تمكنت من شراء لوح شوكولاتة رخيصة.
تذكرت احدى صديقاتي و هي تحذرني من تهوري في التعاطف مع الناس قائلة :"لا تعطي لأحد شيئا لم يطلبه منك فأنت لا تقدري دائما أن تعرفي ما هي الحاجة الحقيقية للآخر ما لم يعرب عنها". و امتلأت الحافلة فجاء الأب ينتشل طفلته الى حافلة اخرى فرجوتها ان تمنحني قليلا من الفرح و تقبل هديتي فمدت يدها من وراء ظهرها وانتشلتها بخفة ثم اخفت وجهها و غابت يسحبها ابوها المفجوع.
لم اتمكن من نسيانها لأنها ثاني طفلة أقابلها خلال أشهر قليلة بنفس الاسم و ترتطم بارضي اذ افاجأ ان اسمها حياة..حياة