المحرر موضوع: لمحة من تاريخ الآشوريين  (زيارة 4587 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Edison Haidow

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 651
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لمحة من تاريخ الآشوريين
« في: 19:17 17/01/2012 »
بقلم / يوآرش هيدو

الآشوريون هم أحفاد الأكديين .  ولا يعرف معنى كلمة "أكد" وفيما إذا كانت سومرية أو سامية.  وهي لفظة أطلقت أولاً على مدينة كانت  تقع في أرض شنعار جنوبي بابل.  وقد ورد ذكرها في العهد القديم (التوراة) جنباً إالى جنب بابل كجزء من مملكة نمرود بن كوش (تكوين 10:10).  وقد جعل سركون الأول "أكد" عاصمة لامبراطوريته حوالي عام (2400 ق.م.) وفيما بعد عمّت التسمية لتشمل البلاد كلها.
 
وكانت مملكة أكد تشمل معظم العراق وعيلام وجزأً من بلاد  فارس وأجزاء من سوريا.  وكان الأكديون يتكلمون لغة سامية قريبة الشبه بالعبرية والعربية .  ويزعم بعض المؤرخين أن الأكديين إستعاروا من السومريين نوعا من الكتابة أطلق عليه الخط أو  القلم المسماري الذي هو عبارة عن رموز مقطعية عديدة ليدونوا بها لغتهم . ومن هذه اللغة الأكدية تفرعت لهجتان هما البابلية والآشورية.  وتضم الكتابت الأكدية التي حفظت لنا عقوداً تجارية وقوانين وسجلات تاريخية وقصصاً دينية وغيرها.  وكان العاهل البابلي العظيم (حمورابي) من أحفاد سركون الأكدي .

يذكر كاتب سفر التكوين ان "آشور" خرج من أرض شنعار وبنى مدناً عديدة من بينها (نينوى) التي أصبحت فيما بعد ، كما هو معروف، أهم العواصم الآشورية على الإطلاق .  (تكوين 10: 11-12)  
ولا يُعرف معنى الأسم  "آشور" بالضبط.  وفي الكتاب المقدّس يدل هذا الإسم على:
1.   إسم ثاني أبناء سام بن نوح، الذي يعتبر أبا للآشوريين. (تكوين22:10)
2.   بلاد آشور (تكوين 14:2).
3.    شعب آشور (إشعيا 8-31) .

كما أن هذا الأسم ينطبق أيضاً على مدينة "آشور" العاصمة الأولى للآشوريين التي تُعرف اليوم خرائبها بقلعة شرقاط على الشاطئ الأيمن لنهر دجلة.  وتبعد خرائب آشور مسافة 110 كم الى الجنوب  من مدينة الموصل.  كما أن "آشور" كان إسم الإله القومي الأعظم للآشوريين ويعتقد البعض إن  إسمهم مأخوذ من إسم إلههم هذا. وعلى إفتراض أن الاكديين هم أجداد الآشوريين والبابليين وان أول ظهور  للآكديين كان في جنوب بلاد ما بين النهرين ،  فمن المنطقي جداً أن نستنتج  أن الموطن الأصلي للآشوريين كان بلاد بابل.  ومهما يكن من أمر فان ما عُرف بآشور الاصلية يقع في الجزء الأعلى من نهر دجلة .
  
لقد بدأ ظهور الآشوريين السياسي في بلاد ما بين النهرين على شكل دويلة عاصمتها "آشور".  ويعتقد بعض المؤرخين أن تسميتهم بالآشوريين جاءت من إسم هذه المدينة التي بدورها سميت كذلك لكونها مقراً لعبادة كبير آلهتهم "آشور" الذي ذكرناه قبل قليل.  وكان أحد كبار ملوكهم يُدعى "شمشي – أدد" الأول (1813-1790 ق.م). وحوالي (1275 ق.م) تمكن "توكولتي-نينب الأول" ملك آشور، من إخضاع بابل لتصيرَ جزءاً من المملكة الآشورية حتى سقوط نينوى (612 ق.م). فتضاءلت أهمية بابل لتصبح آشور قوة عظمى وسيدة آسيا الغربية من غير منازع.  وقد تتابع على العرش الآشوري عدد كبير من  الملوك العظام مثل تغلات بيليسر الأول وتغلأت نينب الثاني ، آشور ناصر بال، شلمناصر الثاني، تغلات بيليسر الثالث، شلمناصر الرابع، ساركون الثاني، سنحاريب، أسرحدون، وآشور بانيبال .
 
في عهد آشور بانيبال بلغت الإمبراطورية الآشورية أوج مجدها وقوتها وعظمتها.  ولكن مع ذلك وفي غضون سنوات قليلة بعد وفاته كُتب لهذه الأمبراطورية العظيمة المترامية الأطراف أن تنهار. فبعد وفاته سنة(626 ق.م)خلفه ملوك ضعفاء وضعفت الإمبراطورية بدورها الى حد كبير.  وبعد سنوات قليلة إستطاع الملك الميدي "كي إكسار" ان يلحق الهزيمة بالجيش الآشوري وأن يحاصر العاصمة نينوى بعد أن تحالف مع البابليين بقيادة "نابوبولاسر" الذي كان قائداً في الجيش الآشوري عينه "سين-شار-أشكون" حاكماً على بابل.  إستطاعت المدينة المحاصرة أن تصمد لأشهر قليلة إلا أنها سقطت أخيراً ودُمرت .

لقد إقتسم الغزاة الأمبراطورية بينهم فخضعت آشور الاصلية لحكم الميديين بينما أصبحت بابل والمقاطعات التابعة لها من حصة الخائن نابوبولاسر الذي أصبح، هكذا، أول ملك لِما سُمي بالأمبراطورية البابلية الثانية.  بعد مدة قصيرة وتحديداً في عام (605 ق.م) مات نابوبولاسر وخلفه إبنه نبوخذنصر الذي حكم حتى (562 ق.م).  لقد كرّس هذا العاهل نفسه لاعادة بناء الهياكل القديمة وتجميل العاصمة بابل وأقام حولها أسواراً ضخمة.  ومن أشهر حملاته العسكرية تلك التي شنها ضد اليهود التي إنتهت بسبي يهوذا.  وقد أدى تمرد ياهوياقيم للمرة الثانية الى إحتلال اورشليم ونقل جزءٍ كبيرٍ من سكانها أسرى إلى بابل في عام (597 ق.م).  بعد إحدى عشرة سنة أي في (586 ق.م) تمرد صدقيا.  حاصر نبوخذنصر اورشليم ثانية ونقل ما تبقى من سكانها أسرى الى بابل.  ويبدو ان هذا العاهل البابلي شنّ حملات عسكرية على بلاد العرب كما أن هناك ما يشير الى حملة قادها بنفسه ضد مصر في بداية حكم أماسيس الثاني .

لقد دامت الامبراطورية البابلية الثانية ما يقرب من سبعين سنة، فبعد وفاة نبوخذنصر خلفه على العرش ملوك ضعفاء لم يدم حكمهم سوى سنين قليلة.  ففي أيام آخر ملك بابلي، نابونيدوس، سقطت مدينة بابل التي كان يحكمها نيابة أبنه (بيلشاصر) الذي ورد ذكره في الكتاب المقدّس (دانيال 5: 9،2،1) بأيدي كورش الميدي (539 ق.م).  وهكذا شربت بابل الكأس نفسها التي شربتها نينوى، وعلى يد حليف الامس، الميديين. ومنذ ذلك التاريخ ظلت بابل تحت حكم الفرس الاخمينيين حتى زمن إلاسكندر الكبير (356-323 ق.م.)، لتصبح من ممتلكات الإغريق.  إستطاع الفرثيون بعد نزاع طويل مع السلوقيين أن يحكموا بلاد ما بين النهرين نحوا من أربعة قرون (250 ق.م – 224 م).  وبعد زوال سلطان الفرثيين خضعت البلاد الى الفرس الساسانيين الذين حكموا من (224 م) حتى سقوط إمبراطوريتهم على أيدي جحافل العرب المسلمين بعد معركة القادسية الشهيرة عام (635 م).  ورغم كل هذه التقلبات ظلّ الآشوريون هم الأغلبية في هذه البلاد وكانت لغتهم لغة الثقافة والأدب حتى ظهور الإسلام .

إن سقوط الإمبراطورية الآشورية ثم البابلية لا يعني على الاطلاق إنقراض أو إختفاء الشعب الآشوري البابلي كما يزعم بعض "المؤرخين" الدجّالين الحاقدين الجهلة ناسين أو متناسين الآشوريين المعاصرين الذين يبلغ تعدادهم أكثر من خمسة ملايين بعضهم ما زال يسكن في أرض أجداده منذ آلاف  السنين الى يومنا هذا، أعني بلاد ما بين النهرين، محافظين على هويتهم القومية وعلى لغة أبائهم وأجدادهم الأماجد بُناة أقدم حضارة في تاريخ البشرية.  وتنتشر أعداد كبيرة من الآشوريين في بلدان عديدة ، سورية ، لبنان، تركيا،  الولايات المتحدة الامريكية، كندا، أستراليا، نيوزلندا، السويد، الدانمارك، هولندا، فرنسا،المانيا، روسيا،المملكة المتحدة، ايران، أرمينيا، جورجيا،  وغيرها.  وجميع هؤلاء الآشوريين يتكلمون لغة واحدة  "السريانية" التي هي إمتداد للغة البابلية\الآشورية أو شكل متطور لها .

هناك أمثلة عديدة لامبراطوريات سقطت وزالت سلطتها السياسية والعسكرية لكن شعوبها لم تنقرض.  فلماذا يفترض أولئك "المؤرخون" إنقراض الشعب الآشوري بعد زوال سلطتهم السياسية والعسكرية، من بين جميع الشعوب؟!  ألا يدل ذلك على جهلهم أو على حقدهم الأسود على أقل تقدير؟!
نعم، الشعب الآشوري ما زال موجوداً رغم كل المذابح والكوارث والاضطهادات الفظيعة التي تعرّض لها على مر التاريخ.  صحيح أن أعداداً كبيرة من الآشوريين قتلوا بحد السيف أو سيقوا أسرى الى بلدان أخرى إثر سقوط إمبراطوريتهم ، إلا أن هذا لا يعني البتة أن جميع السكان أُبيدوا.
يقول الآثاري وعالم اللغات السامية بجامعة كارديف، هاري دبليو.إف.ساكز في كتابه القيّم (جبروت آشور):
 "إن تدمير الامبراطورية الآشورية لا يعني محو سكانها.  لقد كان هؤلاء السكان في غالبيتهم فلاحين، وطالما أن بلاد آشور تحتوي على أراض زراعية هي الأخصب في منطقة الشرق الأدنى ، فان أحفاد أولئك الفلاحين الآشوريين ، كانوا كلما سنحت لهم الفرصة ، يُشيدون قرى جديدة على أنقاض المدن القديمة ويواصلون الحياة الزراعية متذكرين تقاليد المدن الكبيرة.  بعد قرون من سقوط إمبراطوريتهم وبعد العديد من التقلبات، أعتنق هؤلاء السكان الديانة المسيحية.  إن هؤلاء المسيحيين ومعهم الجماعات اليهودية المنتشرة بينهم، لم يحتفظوا بذكرى مواقع أسلافهم الآشوريين فحسب ، ولكنهم أدمجوها أيضاً مع التقاليد المستقاة من الكتاب المقدّس.  وفي الحقيقة كان الكتاب المقدّس عاملاً مهماً جداً في الحفاظ على ذكرى بلاد آشور وخصوصاً مدينة  نينوى   التي كانت مسرحاً لواحدة من أكثر قصص العهد القديم سحراً وجاذبية، أعني قصة النبي يونان........الخ".

والمعروف أن الآشوريين المعاصرين ما زالوا الى يومنا هذا يصومون ثلاثة أيام من كل عام تماماً كما فعل أجدادهم قبل أكثر من ألفين وستمئة سنة في مدينة نينوى العظيمة، أعني طلبة أهالي نينوى أي "ܒܵܥܘܼܬܵܐ ܕܢܝܼܢܘܵܝܹ̈ܐ".
         
كما يؤكد العالم الاثري الانكليزي الشهير أوستن هنري لايارد الملقب بـ (أبو الآشوريات) في اكثر من مكان من كتابه (نينوى وبقاياها – Nineveh and Its Remains) أن النساطرة أتباع كنيسة المشرق الآشورية والكلدان الكاثوليك الذين أنشقوا عن هذه الكنيسة والمسيحيين اليعاقبة هم سليلو الآشوريين .
 أنظر ص 85، 190، 191 من كتابه .