المحرر موضوع: الكلدان والاشوريون شعب واحد ...بقلم ريمون برنو  (زيارة 2026 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Farouk Gewarges

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 614
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الكلدان والاشوريون شعب واحد
                                                                  بقلم : ريمون برنو
توطئة   
                                                       
الكلد اشوريون شعب يعيش حياة الضياع والبؤس والشقاء, شعب تعيس تائه في أرجاء المعمورة ليس يدري مصيرهُ. شعب ضعيف الحول والحيلة يعيش في عالم يسود فيهِ الظلم وتسيطر عليهِ العنصرية المقيتة, شعب يبحث عن الاستقرار في عالم حل فيهِ الظلم محل العدالة، والكراهية محل المحبة، والاضطهاد محل الاخاء والعبودية محل الحرية. ومع هذا نراهُ شعباً أبياَ يرفض الاستسلام لمقادير الدهر والخضوع للاستعباد والقبول بالذل والاهانة، وهكذا نراهُ يتحدى الظروف التي أبت الا ان تكون ضدهُ ضارباً في أرجاء البرية باحثاً عن وطن يأويهِ وعن اناس يحترمونهُ ويعاملونهُ كبقية البشر. انه شعب يبحث عن هوية "الانسان" ويطمح في ان يُعتبر أنساناَ كبقية البشر وأن تكون لهُ حقوق كبقية البشر وان يعيش حياة كبقية البشر. أنه شعب لايحلم بالجنة الارضية او سلطانها وصولجانها ولا يطمع في حياة اليسروالبحبوحة. انهُ يرضى أن يعيش حياة بسيطة وان يكسب رغيفهُ بعرق جبينهُ وان يكتفي في حياته بما يحصل عليهِ بأجتهاده الشخصي, ولكنهُ أيضاً يريد أن يعيش حياة تحمل لهُ في طياتها الكرامة وبقية الحقوق الانسانية. فما الذي ياترى سلب الشعب الكلد اشوري حُريتهُ وكرامته ومن ياترى يستطيع أن يحقق لهُ طموحهُ واستقرارهُ؟   
                                                                                               
قد تكون الظروف مسؤولة الى حدٍ ما عن سلب حرية وكرامة الشعب الكلد اشوري، وقد يكون المسؤول عن خلق هذه الظروف أُناساً أقوى وأدهى منهُ، الا ان المسؤولية الاولى والكبرى تقع على هذا الشعب نفسهُ لانهُ رضى بمحض ارادتهُ أن ينقسم على نفسهِ وأن يصبح أداة طيعة بيد الغرباء لفترة طويلة من الزمن. واليوم هو الوحيد أيضاً الذي يستطيع أن يعوض عما فات وأن يفرض على الشعوب الاخرى وجودهُ ومن ثمة حقوقهُ وكرامتهُ. ولكي يبلغ هذا الشعب المسكين أمانيه ويحقق طموحاتهُ, عليه أن يفرض وجودهُ على الشعوب الاخرى ليس كأنفار مبعثري، الشمل ممزقي الكيان بل كشعب قوي لهُ نفوذهُ القوي والمباشر على كل من يعاديه ويعمل على أذلالهُ. ولكن قبل ان يفرض الشعب الكلد اشوري نفسهُ على الشعوب الاخرى لا بد لهُ أولاً من فرض وجودهُ على أبنائهِ الذين لاينفكون عن التنكر لهُ والازدراء بهِ والاشمئزاز منهُ, وما أكثر الكلد اشوريين الذين ينكرون على بني قومهم هويتهم القومية مدعين أننا فقدنا مقوماتنا يوم خسرنا سلطاننا ودولتنا وأصبحنا قومية صغيرة أمتزجت مع أقوام غريبة كبيرة فرضت علينا لغاتها وثقافاتها حتى انصهرنا فيها بمرور الزمن وأصبحنا جزءاً منها لا يتجزء .                       

 صحيح, أن للشعوب الكبيرة دائماً تاثيراً واضحاً وملموساً على الاقليات الصغيرة التي تتعايش معها وغالباً ماتفرض الشعوب التي تشكل الاكثرية الساحقة من السكان لغتها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها على الاقليات الصغيرة. لاسيما في البلدان النامية التي تمارس مؤسساتها الحكومية والتثقيفية نوعاً من الازدراء بالاقليات وبلغاتها ودياناتها. غير ان هذا لا يعني البتة  ان الاقلية تخسر لامحاله مقوماتها القومية وتنصهر كلياً في بوتقة الاكثرية. قد تقع الاقلية تحت ضغوط الاكثرية وتندمج فيها وتأخذ منها, ان طوعاً وان قسراً , وقد تتفاعل الاقلية مع الاكثرية أيجابياً ويتجانسان بالتفكير والثقافة والعادات. غير أن الاقلية تبقى متميزة عن الاكثرية طالما حافظت على مقوماتها القومية وخصائصها الجنسية, اي طالما حافظت على كيانها الاصلي الاصيل رغم التأثيرات الخارجية. ولنا في القومية الكلد اشورية التي هي بيت القصيد في مقالنا هذا أروع مثال اذ حافظت هذه القومية على جذورها العرقية وهويتها القومية الاصيلة رغم انها لاقت في حقبات عديدة من تاريخها المرير صنوفاً كثيرة من الاضطهادات البربرية وأنواعاً شتى من التفرقة العنصرية المقيتة والتي كانت جميعها ترمي الى استئصال جذورها الاصيلة والقضاء على وجودها القومي. ورغم انها وقعت في الدهور الاخيرة تحت ضغوط ثقافات أمم أكبر منها عدداً وأعظم منها صولاً وجولاً. وللذين يحسبون أن القومية الكلد اشورية قد انصهرت مع قوميات أخرى وأضمحلت, أو انها أنقرضت وطواها النسيان . نود ان ندرج هنا مقومات القومية وعواملها لنبرهن لهم ان القومية الكلد اشورية لاتزال قومية حية نشيطة وانها لم تفقد بعد من خصائصها ومقوماتها القومية.   
                                   
عوامل القومية ومقوماتها:

هنالك مقومات كثيرة وعوامل مادية ومعنوية عديدة تصقل شخصية الانسان وتقسمهُ على جماعات بشرية متميزة يطلق على كل واحدة منها قومية ومن اهم هذه المقومات هي : اللغة ، الاصل المشترك, التاريخ المشترك, الدين والاقليم.

1- اللغة : لقد برزت في النصف الاخير من القرن الثامن عشر طائفة من المفكرين أعطت اللغه أهمية بالغة في تحديد الانتماء القومي معتبرة واياها المعيار الحاسم الذي يميز الجماعات البشرية بعضها عن بعض. ومن أشهر اباء هذه النظرية وروادها مفكران المانيان هما جوهان كوتلب فيخته ( 1762-1814) وجوهان كوتفرد فون هردر (1744- 1803). ولقد سميت هذه النظرية فيما بعد بالنظرية الالمانية نسبة الى كون هذين المفكرين المانيين.

   لقد أُعتُبر هذان المفكران اللغة حجر الزاوية في صرح القومية والعامل الاكثر أهمية في نشوء القومية  اذ انها "بمنزلة الوعاء الذي تتشكل بهِ وتحفظ فيهِ وتنتقل بواسطتهُ أفكار الشعب" وهي أيضا " بمثابة مخزن لكل ما للشعب من ذخائر الفكر والتقاليد والتاريخ والفلسفة والدين" وعليه تستنج هذه النظرية " ان الذين يتكلمون بلغة واحدة يكونون كلا موحداً لا يقبل الانفصام ربطتهُ الطبيعة بروابط متينة, وان كانت غير مرئية". كما ويعتبر فيخته اللغة سيدة الفكر ومسيرته اذ يقول:" ان اللغة التي ترافق وتحدد وتحرك الفرد حتى أعمق اغوار تفكيرهُ ومشيئتهُ...تجعل من اللملومة  البشرية  التي تتكلم بها جماعة متماسكة يديرها عقل واحد".

لقد لعبت " نظرية اللغة " دوراً فعالاً وكان لها تأثيرها المباشر في توحيد المانيا التي كانت مجزأه الى ما يقارب من الفي وحدة سياسية كما ولقيت تأييداً كبيراً في أوربا بأستثناء فرنسا التي كانت تحتفظ بمقاطعة الزاس التي يتكلم سكانها بالالمانية وظهر فيها مفكرون اخرون ينبهون الاذهان الى دور اللغة في تحديد القومية مثل ماكس نوردر الذي اصر في كتاباته على ان " الفرد يندمج بالمجتمع باللغة وباللغة وحدها، وباللغة يصبح عضواً في الشعب الذي يتكلمها. باللغة، وباللغة وحدها يتلقى كل تراث الامة الفكري والشعوري والاخلاقي والاجتماعي المنحدر من قرائح الكتاب والشعراء والمفكرين السالفين منهم والمعاصرين".
ورغم ان هذه النظرية تعرضت الى بعض الانتقادات الداعية الى ان القومية لا ترتبط باللغة. واللغة لاتحدد الانتماء القومي للشخص، غير انها كانت وماتزال النظرية السائدة بين الباحثين في اصول القوميات ومقوماتها، وحتى الذين لايعتبرون اللغة قوام القومية الوحيد يعترفون ان اللغة هي اكثر العوامل أهمية وفاعلية في تكوين شخصية الانسان وفي تحديد انحداره القومي.
 
2- الاصل المشترك: هنالك فريق من المفكرين يعتقدون ان وحدة الجنس ورابطة الدم اكثر اهمية من اللغة في تحديد الانتماء القومي اذ نجد بين الشعوب التي ترتبط مع بعضها بقرابة الدم تضامناً غريزيا يجعل من هذه الشعوب اسرة كبيرة واحدة يشارك اعضاؤها بعضهم بعضا في السراء والضراء في حين اننا لانجد مثل هذا الشعور عند الذين تربطهم رابطة اللغة, فالامريكي مثلا لايتضامن مع الكندي الذي يتكلم الانكليزية مثله بينما يتضامن الاري مع اخيه المنحدر من نفس الاصل وان كان يعيش في وطن اخر ويبعد عنه الاف الاميال. وهنالك مفكرون اخرون يوفقون بين نظريتي اللغة والاصل المشترك يقولون ان مقومتي اللغة والاصل المشترك يشكلان دعامتي القومية وركنيها الثابتين.

3- التاريخ المشترك: ان قسماً من الباحثين يعتبر القومية روحية في جوهرها تقوم على عوامل غير ملموسة مثل شعور الفرد واختلاجات قلبه وهكذا يستنتج هؤلاء ان القومية متأصلة الجذور في الماضي وهي نتاج عوامل واحداث نفسية تكونت عبر القرون تاركة بصماتها على ابناء الشعوب ومخلفة فيهم سمات خاصة تميز بعضهم عن بعض كما ويعتبر دعاة هذه النظرية التاريخ المشترك من اهم دعائم القومية والعامل الوحيد الذي يشد أبناء القومية الواحدة بعضهم الى بعض، ويؤلف بين قلوبهم لان القرابة المعنوية التي يخلقها التاريخ الواحد أعظم في اثارها الفعلية من انتساب حقيقي الى دم من الدماء او عنصر من العناصر.

ولان للتاريخ المشترك هذا التأثير الكبير على نفسيات الناس نرى الدول التي تعطي اكثر أهمية للمقومات القومية الاخرى تعتمد على التاريخ المشترك بما فيه مناقب الاباء والاجداد وبطولاتهم في دغدغة مشاعر المواطنين وبث النخوة فيهم بلوغا الى مراميها. فإبان الحرب العالمية الثانية مثلا نرى روسيا الشيوعية التي لاتعير في الحالات الاعتيادية اهتماماً كبيراً للتاريخ تجد في نفس هذا التاريخ وتذكير مواطنيها به امضى سلاح لتذكية الروح القومية والدفاع عن سيادة الوطن الذي كان على وشك الانهيار والاستسلام للغزو الاجنبي القوي.

4- الدين مع انبثاق حركة الاصلاح الديني في اوائل القرن السادس عشر بدأ الدين يأخذ دورا كبيرا في صياغة وتكوين الشعور القومي حتى اصبح الانتماء الديني مصدراً لأثارة مشاعر الوحدة والاخاء والمصير المشترك بين الناس. ولقد يشهد لنا التاريخ بما للدين من اهمية ومنزلة رفيعة في قلوب الناس اذ ما اكثر الجماعات البشرية التي تعتز بدينها اكثر من اعتزازها باي شيء اخر معتبرة اياه أقدس مقدساتها التي تستحق الدفاع عنها بالنفس والنفيس وللتواريخ شواهد كثيرة على استشهاد جماعات كثيرة من الناس في سبيل الدفاع عن دينهم. ولهذه الاسباب ذهب بعض المفكرين الى القول ان الدين تفوق احيانا على اللغة كعامل في تكوين الشخصية القومية وهذه الظاهرة لاتزال سائدة في الكثير من مجتمعات الانسان المعاصر لحد اليوم اذ نجد الملايين من البشر لاتزال تفضل الدين على الوطن والقومية وبقية الانتماءات الاخرى التي يعتز بها الانسان كما وان هنالك من يعتبر الدين والقومية أمرين متلازمين ومتعادلين يتعذر التمييز بينهما مثل معظم العرب والكلداشوريين الذين يرون في دينهم قوميتهم وفي قوميتهم دينهم.

ورغم ان فريقا من المفكرين اعتبرا الدين اهم عوامل القومية واقوى دعائمها لا بل ورمزا للجنسية لم نجد بين المهتمين بالدين وعلمائه من يعتبره دعامة القومية الوحيدة. اما بين الذين لا يولون الدين اهمية كبيرة نجد من يعتبره سيفا ذا حدين يستعمل الواحد كعامل مساعد للوحدة والثاني كعامل عائق لها، واذا استعمل للفرقة فيشكل الدين " العقبة الاساسية " في سبيل أبناء القومية الواحدة. وحتى بين أبناء العشيرة الواحدة وخير مثال على هذه النقطة التناحر الموجود بين الشعبين الانكليزي والارلندي وايضا التنافر الذي كان موجودا بين الاشوريين النسطرة والكلدان الكاثوليك.

5- الاقليم : يرى بعض الباحثين ان للاوضاع الجغرافية اثراً كبيراً في تكوين الشخصية القومية وان للاقليم ( الوطن) بصورة خاصة اثراً كبيراً في تكوين الناس وحياتهم بما في ذلك شكلهم الجسمي وعاداتهم وتقاليدهم. ولعل احسن من عبر عن هذه الفكرة عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في كتابه " عقد الاجتماع " ويعزو اصحاب هذه النظرية عدم تكوين قومية واحدة من الانكليز والامريكان مثلا , رغم وحدة اللغة، الى الانفصال الجغرافي والى نفس السبب يعزون عدم تكوين قومية واحدة من الاسبان واهالي امريكا اللاتينية الذين يتحدثون لغة واحدة كما وان هنالك من يعتبر الارض التي يعيش عليها الناس هي الرابطة الاولى بينهم.

الخاتمة:

بعد التطرق الى المقومات القومية والنظر فيها نرجع لنقول اذا كانت اللغة المعيار الحاسم في تحديد الانتماء القومي وتعيين هوية الشعوب القومية, فالكلداشوريون شعب واحد لان لغتهم كانت منذ اقدم العصور وماتزال حتى يومنا هذا لغة واحدة.
واذا كان الاصل المشترك هو الاساس في تكوين القومية فنقول ان الكلد اشوريين حسب هذه النظرية ايضا شعب واحد لان اصلهم واحد وهم ابناء دم واحد. واذا اعتبرنا التاريخ المشترك ووحدة الاقليم والدين والثقافة والمصالح الاقتصادية والمصير المشترك من دعائم القومية واركانها, فنقول ان الكلد اشوريين يشتركون في جميعها ولهم خصائصهم الخاصة التي تميزهم عن بقية الامم الاخرى .

وطالما يكون للكلد اشوريين لغتهم وارضهم ودينهم وبقية المقومات القومية التي تميزهم عن الشعوب الاخرى , فكيف نستطيع اذن ان ننكر عليهم وجودهم كقومية متميزة, وكيف نستطيع ان لا نعترف بان الكلدان والاشوريين شعب واحد؟