المحرر موضوع: !سوريا: جامعة الدول العربية الى أين..؟؟  (زيارة 1543 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باقر الفضلي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي
!سوريا: جامعة الدول العربية الى أين..؟؟

باقر الفضلي

ربما يجد التساؤل أعلاه جوابه في منطوق وفحوى قرار مجلس الأمن  رقم/1973 في 17/3/2011 المتعلق بالشأن الليبي(1)، ليتضح للجميع من قراء وكتاب ومعلقين ومعارضة بقسميها "خارجية وداخلية"، وكافة طبقات وفئات الشعب السوري، خارطة الطريق التي تسير بموجبها الموقرة "جامعة الدول العربية" و"البعض" من تشكيلات المعارضة السورية، من الساعين الى توفير الحل المناسب للأزمة السورية القائمة، التي باتت نارها تسري في الجسد السوري سريانها في الهشيم..!؟


وليس الإفتراض هنا، قائماً من خيال أو آت من فراغ، فمنذ بدايات الحراك السياسي في سوريا قبل عشرة أشهر، والذي إقترن بالتدخل شبه المباشر لبعض الأطراف الإقليمية في الأزمة السورية، وعلى وجه الخصوص، البعض من دول الخليج ومنها بالذات دولتي السعودية وقطر، مؤطرة بتدخل ودعم الجارة الشمالية تركيا؛ منذ بدء ذلك الحراك، تصاعدت حمى عملية البحث عن طريق يعجل في الوصول الى أهداف تلك الجهات المتخندقة والمتمترسة وراء طلب التغيير المنشود من قبل فئات واسعة من الشعب السوري، فتلبست تلك الأطراف رداء التغيير، وأطلقت نداءاتها الأولى بضرورة اللجوء الى "التدخل الخارجي" لحسم الأمر وتحقيق "التغيير" الذي تريد..!؟؟(2)


فإدراكاً منها لتداعيات السيناريو الليبي المدمرة، وخشية أن توجه لها أسهم الإتهام مجدداً من كونها تسهم في عملية التخطيط لتدمير سوريا بعد ليبيا، سارعت الجامعة العربية وعبر خطوات مدروسة الى رسم خارطة طريقها الجديد الى سوريا غير آبهة بكل الإنتقادات التي وجهت اليها من قبل الرأي العام العربي على وجه الخصوص، بعد أن أهدرت حكمتها في قرارها الأول بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية وهي من الدول المؤسسة للجامعة وبعيداً عن الإجماع المطلوب في مثل هذه القرارات، لتعطف عليه قرارها الثاني بتشكيل فريق المراقبين العرب، الذي أخفقت تلك الجامعة نفسها بإقرار ما ورد في تقريره الختامي من الحقائق التي وثقها المراقبون على أرض الواقع وصادق على مصداقيتها رئيس هيئة المراقبة الفريق الدابي في مؤتمره الصحفي، لتأتي ثالثة الأثافي بقرارها الثالث، الذي بموجبه حملت ملف الأزمة السورية الى مجلس الأمن بأمل الحصول على قرار أممي يدين سوريا بمواصلتها العنف ضد المواطنين، ويعجل في إتخاذ التدابير الضرورية ل"حماية المدنيين" ويفرض تنحي الرئيس السوري من المسؤولية وتسليمها الى نائبه السيد فاروق الشرع، متجاهلة كل ما جاء من حقائق ثبتها فريق المراقبين العرب، بخصوص العنف المقابل الذي تمارسه الأطراف الأخرى ومن عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود الى داخل سوريا..!؟


الى هنا وبإيجاز، يمكن للمرء أن يتكهن ويتوقع المآل الذي قد تنتهي اليه خارطة طريق الجامعة العربية المرسومة لحل الأزمة السورية القائمة، ومن هنا أيضاً، يمكن له أن يرى طبيعة مسار تلك الخارطة ومدى "صدقية" مراعاة المصالح السورية كدولة ذات سيادة وعضو في هيئة الأمم المتحدة بوجه عام، أومصالح الشعب السوري على وجه الخصوص..!؟


 فمجرد ترحيل ملف الأزمة السورية الى مجلس الأمن، وحده كاف ليفضح كل خفايا المسار المذكور، وليس أدل على ذلك ما واكب تلك المسيرة من مواقف منحازة للتحالف الأمركي _ الغربي، الداعم والموحي بشكل مطلق لكل خطوات الجامعة العربية بشأن الأزمة السورية، بدءً من تعليق عضويتها في الجامعة وإنتهاء بوقف عمل فريق المراقبين العرب رغم تمديده لشهر آخر وموافقة سوريا على التمديد، بل ولأبعد من ذلك، القول بما تمخضت عنه الخطوة الأخيرة للجامعة العربية، وفي بداية طريقها، من تقديم لمشروع القرار "العربي _ الغربي" الى مجلس الأمن في الحادي والثلاثين من كانون الثاني الماضي، والذي تصدرت في دعمه كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ليحتدم بسببه النقاش على طاولة مجلس الأمن ولينتهي الأمر الى عدم إجراء  التصويت على القرار بسبب التهديد بإستخدام حق الفيتو من قبل روسيا والصين، ومعارضة عدد من الدول أعضاء المجلس للدورة الحالية، بمن فيهم دولة جنوب أفريقيا رئيس المجلس، وليستمر بعد ذلك التداول والنقاش بين الفرقاء في مجلس الأمن من أجل الوصول الى قرار يرضي رغبات التحالف الغربي _ العربي، ولكن إنتهى الأمر الى فشل تمرير مشروع القرار المذكور في الرابع من شباط الحالي، بعد فشل كافة المحاولات التي بذلتها أمريكا والحلف الغربي في إقناع روسيا والصين بعدم إستخدام الفيتو ضد مشروع القرار...!؟


الغرابة؛ أنه ولهذا الحد، فلن تتوقف الجامعة العربية من السير على هدى ما خططت له من قبل، من "خارطة طريق" بإتجاه الوصول الى الهدف المرسوم من قبلها بشأن الأزمة السورية، ويبدو الأمر وكأن أقطاب هذه الجامعة، قد أغمضوا أعينهم وسدوا آذانهم أمام جميع الطرق التي يمكن بإعتمادها لو توفرت النية الحسنة، فإنها ربما ستؤدي الى نزع فتيل الإنفجار، وتبعد عن المنطقة شبح كارثة إنسانية شاملة، تبدو علائمها بارقة في الأفق، ولكن يبدو أن أقل ما كان يسعى اليه أقطاب تلك الجامعة والخليجيون منهم بالذات، هو ما تم رسمه في خارطة طريقهم بإتجاه أن تجري عملية "التغيير" في سوريا على هواهم، وعلى ما تريده أمريكا وتحالفها الغربي، غير واعين لطبيعة وجذور الأزمة في البلاد، وأين تكمن حقيقة مصالح الشعب السوري والدولة السورية، ولكن جل ما كان يهمهم، هو أن تجري الأمور وفقاً لما رسمته أجندة التحالف الأمريكي_الغربي، وبموجب ذلك رسموا خارطة طريقهم في اللجوء الى مجلس الأمن لإستصدار قرار " التغيير" الذي تتطلبه الأجندة المذكورة، وليس أدل على ذلك من شنهم الحرب الإعلامية ومن خلال التجييش الإعلامي الذي تقوده الفضائيات الخليجية مثل قناتي "الجزيرة والعربية" والقنوات الفضائية الغربية المساندة،  مثل قناة ال_ ب ب سي على وجه الخصوص..!!؟
 

ولكن ولا غرابة أيضاً في واقع الحال، أن تأتي الأمور وكما رسم لها من قبل في حالة إخفاق تمرير مشروع القرار العربي _ الغربي في مجلس الأمن، فقد جاءت ردة الفعل الأمريكية_ الغربية_ العربية بعد الفيتو الثنائي من قبل دولتي روسيا والصين، في صورة فاقت في توقعاتها، كل حسابات التحالف المذكور، ولتبلغ في شدتها حالة من الإنفعال _ الهستيري _ على حد تعبير وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف..!!؟


 أما على صعيد صاحب مشروع القرار والمقصود به "الجامعة العربية"، فكانت ردة فعلها عبارة عن حالة لا يمكن توصيفها إلا بأنها ضرباً من أشكال الإنتقام الذي يفتقر الى كل حكمة وبصيرة كان يفترض أن يتحلى بها قادة تلك المنظمة في مثل هذه الظروف، ليثبتوا وعلى أقل تقدير، بأنهم يحتكمون لمنطق العقل لا منطق الإنفعال، قبل الإنجراف وراء دوافعهم الذاتية وإلتزاماتهم التابعة، التي لا تخدم مصالح أعضاء المنظمة بأي حال من الأحوال، بل على العكس من ذلك، فإن قرار مجلس التعاون الخليجي بسحب سفراء دولهم من دمشق، وقرار الرئيس التونسي بالطلب من السفير السوري مغادرة تونس، وتجميد مجلس الشعب المصري لعلاقاته مع مجلس الشعب السوري، ناهيك عن قرار الجامعة العربية، سحب بعثة المراقبين المتواجدين في دمشق، إن جميع تلك الإجراءات، تثبت بلا منازع بأنها تعبير عن حالة الإحباط التي أصابت الجامعة العربية ممثلة بقيادة نبيل العربي ورئاسة دولة قطر، كما وتعبر عن تسرع لا يعني غير تعقيد للأزمة ودفعها بإتجاه إنفجار كارثي لا تعرف حدوده في المنطقة،  ناهيك عن الغليان الإنفعالي الذي خيم على خارجيات التحالف الغربي _ الأمريكي، لتأتي قراراتها متوافقة في مضامينها مع القرار العربي بسحب السفراء من سوريا، وأظهر كل هذا، بأنه لا ينم إلا عن تخطيط مسبق تبناه الحلف الأمريكي_ الغربي وتولت تنفيذه الأمانة العامة للجامعة العربية الحالية بقيادة دولة قطر..!!؟؟


وحينما أشرت في بداية هذه المقالة الى فحوى ومضمون القرار الأممي رقم/1937 في 17/3/2011 ، المتعلق بالشأن الليبي، إنما كنت أشير في الحقيقة، الى السيناريو المتوقع ل "خارطة طريق مجلس الجامعة العربية" بقيادة قطر والأمين العام السيد نبيل العربي، وما يمكن أن تبيته تلك الخارطة بالنسبة الى الدولة السورية_ عضو الأمم المتحدة وأحد المؤسسين لها، والعضو المؤسس للجامعة العربية_ من مصير لا يقل في آثاره ونتائجه عما حل بمصير دولة ليبيا؛ من تدمير للبنى الإقتصادية والإجتماعية التحتية، ومن إزهاق لأرواح عشرات الألوف من الإبرياء الليبين من المدنيين ب سلاح الناتو الشهير "حماية المدنيين"؛ لقد كنت في الحقيقة أحذر وأشير الى هذه التداعيات لقرار مجلس الأمن المذكور بشأن دولة ليبيا، وأعيد وأكرر في هذه المقالة محذراً من السيناريو الجديد المرسوم ضد سوريا؛ السيناريو الذي قد يختلف في أشكاله للتنفيذ وآلياته في التدمير، ولكنه لا يختلف في محتواه ومضامينه وفي جوهره وأغراضه القريبة والبعيدة وتداعياته المستقبلية عن جوهر القرار المتعلق بالشأن الليبي، والذي كان من حيث مضمونه خروجاً فضاً وإنتهاكاً للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا ما سبق وأن أتينا على ذكره في مقالات سابقة..!!؟؟

وليس من باب المغالاة القول؛ بأن ردود الفعل الحادة التي ظهرت على عدد من دول التحالف الغربي (أمريكا، بريطانيا، فرنسا، إلمانيا)، التي أعقبت فشل مشروع القرار العربي_الغربي بسبب الفيتو الثنائي لكل من روسيا والصين في الرابع من شباط الحالي، وتلك التي إنتابت دول مجلس التعاون الخليجي ومجلس الجامعة العربية، والتي أشرنا لها فيما تقدم، إنما تأتي برهاناً قاطعاً على ما حذرنا منه وما  يبطنه مشروع القرار العربي _ الغربي نحو دولة وشعب سوريا، فيما لو تم إمراره في مجلس الأمن...!!؟


 ولكن ومع كل ما يمكن أن يبنى على فشل تمرير القرار، والذي في جوهره لا يخرج عن تأثيرات حالة الصراع الدولي على صعيد مجلس الأمن، فإن إنعكاساته على الساحة السورية ستكون أكثر وضوحاً منها على الساحات الأخرى؛ وهذا ما عبرت عنه بوضوح، حالة إزدياد وتيرة العنف التي إجتاحت العديد من المدن السورية، والتي كان آخرها، التفجير الإرهابي في صباح العاشر من شباط الحالي والذي إستهدف  مدينة حلب، وقد سقط بسببه ما لا يقل عن 28 شهيداً وأكثر من 200 جريح من العسكريين والمدنيين بما فيهم عدد من الأطفال، ليعبر عن عمق الأزمة السورية من جهة، وعن فشل كافة "الحلول" بما فيها خيار التدويل أوخيار التدخل الأجنبي التي تطرح بعيداً عن منطق الحوار ، من جهة أخرى..!!؟؟

ومع كل ما أشرنا اليه فيما تقدم، فإن جلسة مجلس الأمن الأخيرة، قد كشفت وبوضوح عن حقيقة وجود العنف من الطرف الآخر، الذي حاولت الأمانة العامة للجامعة العربية تجاهله، بل والتعتيم عليه، من خلال حجبها لتقرير رئيس فريق المراقبة المرسل الى سوريا وبموافقتها من قبل الجامعة العربية، والأنكى من ذلك إعتراض أمينها العام على طلب حضور رئيس فريق المراقبين أمام مجلس الأمن للإستماع لأقواله...!!؟

إن كل ما يمكن قوله في ختام ما تقدم، وعلى وجه الخصوص؛ ما يتعلق بموقف الجامعة العربية من الأزمة السورية؛ هو هشاشة المواقف التي ظهرت عليها الأمانة العامة لهذه الجامعة، والتي جسدتها قراراتها المتعلقة بالأزمة السورية، تلك القرارات التي كشفت للعيان؛ بأن الجامعة العربية بتصرفها هذا، قد مثلت مجرد طرف منحاز في النزاع القائم حول الأزمة السورية، وهي قد وجدت مكانها فسيحاً في ربط وجودها مع خطط الناتو بالنسبة لتلك الأزمة، فإرتضت أن تكون حصان طروادة في محاولتها إستقدام التدخل الأجنبي، والإسهام المباشر وغير المباشر في التهيئة لتدمير دولة عضو من أعضاء هذه الجامعة كما حصل بالنسبة لدولة ليبيا؛ فبتحويلها ملف الأزمة السورية اليوم الى مجلس الأمن، تكون قد أثبتت باليقين الذي لا يقبل الشك، بأنها ماضية في مسيرها على نفس الطريق الذي سارت عليه من قبل بالنسبة لدولة ليبيا، ولا يغير في الأمر شيئاً إن إختلفت الأساليب والاليات ومجمل السيناريو؛ وما تصعيد العنف بعد فشل مشروع قرارها الى مجلس الأمن إلا أحد الأشكال الجديدة والمتوقعة ل سيناريو بديل في شكله على الأرض، بعد أن أخفق تنفيذ السيناريو الليبي بشكله الكلاسيكي..!!؟

 وما يعلن الآن عن خطط جديدة للجامعة العربية في إعادة تشكيل فريق للمراقبة مشترك مع ممثلين عن الأمم المتحدة، أو ما يشاع في الأمم المتحدة عن توزيع مشروع قرار سعودي يدعم خطة سلام عربية لسوريا، ضد نص مماثل في مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، أو ما يقال عن بدء الجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشة للوضع في سوريا يوم الاثنين القادم عندما تلقي نافي بيلاي مفوضة الامم المتحدة السامية لحقوق الانسان كلمة امامها، كل هذا يدخل في إطار البحث عن السيناريو البديل للسيناريو الليبي في التدخل بالشأن السوري الذي أخذ "التحالف الأمريكي_الغربي_العربي"، مواصلة السعي المحموم للتوصل اليه مهما بلغت الصعوبات والعراقيل...!!؟؟(3) 

وليس بعيداً عن ذلك، المساعي المتهالكة للجامعة العربية بإتجاه عقد مؤتمر القمة العربية القادم في بغداد في آذار القادم، حيث وبعيداً عن التكهن، فإن تلك المساعي وفي هذا الوقت بالذات، وفي ظل ظروف العراق والمنطقة الحالية، لا يمكن النظر اليها بعيداً عن تلك المحاولات التي ما إنفكت الأمانة العامة للجامعة العربية اللجوء اليها وإستخدامها، كوسائل شرعية لتمرير مشروع قرارها "العربي" المدعوم والموحى به من قبل الناتو؛ وما مؤتمر القمة العربية المنوي إنعقاده في آذار القادم، إلا أحدى تلك الوسائل المذكورة التي ستستخدمها الأمانة العامة المذكورة من أجل الحصول على تأييد ودعم المؤتمر لمشروع قرارها بالتدخل في الشأن السوري، والركض به الى مجلس الأمن مجدداً لتأطيره بقرار من الشرعية الدولية طبقاً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة..!!!؟؟   

ومع ذلك، يظل التساؤل مشروعاً حول دور الجامعة العربية في الأزمة السورية، والى أين تسير بها في نهاية المطاف..؟؟!!
10/2/2012
 (1)  قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 - ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
 (2)  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=287449
 (3)  http://ara.reuters.com/article/topNews/idARACAE81Q0FO20120211?sp=true