هجرة شعبنا من جديد.. شباب عنكاوا أنموذجا
روند بولص / عنكاوا
ساتطرق في هذا الموضوع الى ظاهرة الهجرة التي بدأت تنشط من جديد بين شريحة الشباب من ابناء شعبنا في المناطق التي تعتبر الاكثر امنا واستقرارا وانتعاشا من الناحية الاقتصادية ومنها بلدتنا الحبيبة عنكاوا، مقارنة بالمناطق الساخنة الاخرى من العراق، التي نزح منها وغادرها الالاف من ابناء شعبنا الى المهجر.
ان ظاهرة الهجرة هي داء اجتماعي ينخر جسد المجتمع ويربك توازنه ويهدد مستقبله، لانه نزيف وهدر للطاقات البشرية وهجرة للعقول وضياع للكفاءات والمهارات.
وكانت الهجرة في بلدنا، على أشدها ابان الحكم البائد، بسبب حروبه الطائشة، وقمعه واستبداده لشعبه، اضافة الى الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة للمواطن العراقي في تلك الحقبة المظلمة. وهذه الظروف الامنية والاقتصادية الصعبة تركت ظلالها واثارها الثقيلة على ابناء شعبنا في أقليم كوردستان، حتى بعد تحرره من براثن الدكتاتورية والذي أصبح فيما بعد بوابة الخلاص من جحيم النظام، وفي فترة التسعينيات هاجرت آلاف العوائل من ابناء شعبنا الى الغربة ومجاهلها، وقد اصاب هذا الداء الفتاك رغم مبرراته الكثيرة، مجتمعنا الصغير في عنكاوا، التي لم تعرف الهجرة من قبل.
حيث تركت اثارها السلبية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث تفككت وتبعثرت الاسر و تغير النسيج والتركيبة الاجتماعية فيها واصاب الفتور والوهن عزائم من تبقى فيها.
ولكن بعد سقوط النظام الدكتاتورى عام 2003 ، وتقدم العملية السياسية في البلاد نحو بناء مجتمع حر في ظل نظام ديمقراطي، استبشرنا خيرا، وبعد استقرار نسبي للاوضاع الامنية وتحسين الحالة الاقتصادية في الاقليم، وبدأنا نلتمس طلائع الهجرة المعاكسة، اي عودة العشرات من العوائل ومئات الافراد الى ارض الوطن، وكانت عنكاوا سباقة في احتضان ابنائها العائدين الى احضانها من بلدان الغربة، وكان من بينهم العديد من اهل الكفاءات العلمية العليا.
وكنا نتوقع ازدياد وتيرة العودة مع مرور الايام، ولكن بعكس التوقعات اذ بعد حين توقفت ظاهرة العودة الى الوطن، لتباشر وبشكل ملحوظ ظاهرة الهجرة الجديدة قوامها الشباب، حيث هاجر وخلال هذه الاشهر القليلة العشرات من شباب عنكاوا الى عالم الغربة، وفشلت عشرات المحاولات الاخرى اضافة الى طوابير أخرى في الانتظار.
مما يثير الاستغراب ان تستجد الهجرة في عنكاوا وخاصة بين شريحة الشباب، وهي التي تعتبر بنظر الاخرين البقعة الاكثر امنا واستقرارا وانتعاشا في العراق وفي الاقليم، حيث استقطبت نزوح الاف العوائل من ابناء شعبنا الذين نزحوا من المناطق الساخنة في العراق، وجنبتهم مشقة الهجرة الى دول الجوار. لذلك يكبر التساؤل ويصبح اكثر الحاحا لماذا الهجرة في هذا الوقت؟ وما هي اسبابها؟
وقد تكمن الاسباب برايي فيما يلي:
1- عدم وضوح الرؤيا المستقبلية لدى هؤلاء الشباب، حيث فشل المجتمع بمؤسساته المختلفة (السياسية والثقافية والاجتماعية والادارية والدينية) باستيعاب و احتضان هؤلاء الشباب واستثمار واستيعاب طاقاتهم الخلاقة و توجيهها نحو الابداع والعمل البناء من اجل خلق حالة أطمئنان لديهم على مستقبلهم وتعزيز ثقتهم بانفسهم وتنمية روح الانتماء في وجدانهم. ان فشل هذه المؤسسات في اداء واجباتها تجاه شريحة الشباب خلقت عند الكثير منهم حالة لامبالاة و الشعور بالتهميش.
2- حرمان أو عدم منح الفرص المناسبة للشباب للمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، وعدم منحهم مناصب ادارية وقيادية مناسبة لغرض اثبات قدراتهم وقابلياتهم ومشاركتهم في القرارات المهمة. حيث تم احتكار معظم المناصب من قبل شخصيات سياسية تقليدية.
3- تشرذم احزابنا القومية في اجندات ضيقة الافق والفكر، وعدم تبنيها برنامجا واضحا يكون الشباب قوامها وعمادها، وهذه الاحزاب ساهمت بشكل أو باخر في زعزعة الاوضاع وزوغان وضبابية الرؤية لدى شعبنا وخاصة لدى شريحة الشباب التي بحاجة الى وضوح وشفافية كي تثق بمجتمعها و قيادته.
4- غياب دور المنظمات الشبابية غير الحكومية، المهتمة بشؤون الشبيبة وتطلعاتها وتنمية قابلياتها وتفعيل دورها. حيث اليوم لا نجد منظمة غير حكومية واحدة انبثقت عن شبابنا ومن ابناء شعبنا، في حين نجد العشرات منها ومن قوميات مختلفة من حولنا تنشط في هذا المجال.
5- غياب وشحة المرافق الثقافية والرياضية والترفيهية، التي تعتبر ضرورية في تنشئة جيل صحي وواعي يعرف معنى الحياة وكيفية الاستمتاع بها.
6- سهولة السفر و وفرصة الحصول على اللجوء، في بعض الدول الغربية، يعتبر عاملا مشجعا على هذه الهجرة.
7- نقص في فرص العمل المناسبة وحكرها على اصحاب السلطة والنفوذ، وانخفاض وتدني الرواتب و ارتفاع الاسعار، وشحة الخدمات،
8- عولمة المعلومات ووصائل الاتصال كالانترنيت والموبايل والصحون اللاقطة، والتي تعتبر نافذة على العالم المعاصر، حيث نجد الشباب في الدول الغربية ينعمون بالحرية والرفاهية دون قيد أو رقيب.
طبعا هناك اسباب اخرى سايكولوجية و فردية وشخصية تلعب دورها في تغذية شعور الشباب بالاغتراب، وهم في أوطانهم وبين ذويهم وأهلهم. ان هجرة الشباب هي اخطر أنواع الهجرة واشدها تاثيرا على المجتمع ومستقبله، لذلك لا بد من تداركها ومعالجة اسبابها قبل فوات الاوان وقبل استفحال الامور، الشباب امانة في اعناقنا، لذلك الكل مسؤول من موقعه والكل حسب قدرته ونفوذه في درء هذا النزيف البشري القادم.
روند بولص / عنكاوا
Rawandbaython@hotmail.com[/font][/size][/b]