المحرر موضوع: الكلدان منذ بدا الزمان الجزء الاول . بقلم عامر حنا فتوحي  (زيارة 2831 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل kaldanaia

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 871
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
العراقيون القدماء
سكان العراق اﻷصليون (Native Mesopotamians) :
يعود تاريخ  اﻹستيطان المعروف في العراق إلى ما  قبل 100,000  عام ق.م  ، وتشير
المكتشفات اﻵثارية إلى أن أقدم إستيطان واسع في العراق القديم كان إبان العصر الحجري
أن تاريخ اﻹستيطان المعروف في وادي
ً
القديم اﻷوسط في حدود 60,000 ق.م ، علما
الرافدين قد بدأ مع العصور الموغلة في القدم التي تقع ضمن ما يصطلح عليه بأسم دورة
ورم -Würm- أي آخر العصور الجليدية التي يرجع زمنها للفترة من 120,000 ق.م إلى
15,000 أو 10,000 سنة ق.م ، ومع أننا لم نعثر حتى اليوم على آثار اﻹنسان العراقي
القديم التي تنتمي لمطلع دورة ورم ، إﻻ أنه توفرت لدينا من العصر الحجري القديم -
Paleolithic- في العراق آثار إنسان النياندرتال -Neanderthal- التي تعود إلى ما يسمى
بالعهد المستيري -Mousterian- ، وتعود آثار إنسان نياندرتال العراق المكتشفة في كهف
شانيدر الطبقة D ، إلى ما يسمى بالعصر الحجري القديم اﻷوسط -Middle Palaeolithic-
وتحدد تواريخ الهياكل العظمية ﻹنسان نياندرتال العراق واﻷدوات المستيرية التي أستخدمها
أن أقدم اﻷدوات الحجرية ﻷنسان النياندرتال قد عثرنا
ً
بحدود 60,000 سنة  ق.م علما
عليها في بردة بلكا قرب جمجمال -Chamchamal- / كركوك إنما يرقى زمنها إلى نحو
100,000 عام ق.م وتعود هذه اﻷدوات إلى الطور اﻵشولي -Acheulian- الذي يعد
أطول أدوار العصر الحجري القديم ، ويهمني قبل أن أعرج على التركيبة السكانية العراقية
القديمة التي أدت إلى نشوء أول مدنية معروفة في التاريخ (في اﻹقليم البابلي) ، أن أعرف
ببعض المراحل التاريخية التي مر بها وطننا اﻷم بعد الطور اﻵشولي مع ذكر أهم خصائصها
ّ ، وهي على النحو التالي :
العصر الحجري القديم اﻷعلى -Upper Paleolithic- :
شغل العصر الحجري القديم اﻷعلى في أوربا فترة العصر الجليدي الرابع أي قبل 60,000
أو 45,000 عام ق.م وتقابل العصور الجليدية -Ice Age- في أوربا ما تسمى بالعصور
الممطرة -Pluvials- في الشرق القديم وشمال أفريقيا وقد ساد فيها نوع من اﻹنسان المتطور
الذهن المسمى باﻹنسان العاقل -Homo Sapiens- ، ويسمى هذا الدور في العراق بالدور
البرادوستي نسبة إلى جبال برادوست  ، وتعود إلى  هذا الدور اللقى المكتشفة في كهف
شانيدار -Shanidar- الطبقة B ، كما وجدت آثاره في كهفي زرزي -Zarzi- وهزارمرد
-Hazar Mird- ضمن حدود محافظة السليمانية والتي تعود إلى 20,000 عام ق.م .
العصر الحجري الوسيط -Mesolithic- :
يقع زمن العصر الحجري الوسيط بعد العصر الجليدي الرابع واﻷخير ، ويطلق عليه في
العراق أسم العصر الزرزي -Zarzian Culture- نسبة إلى لقى كهف زرزي التي أكتشفتها
 م وهي ذات الباحثة التي
الباحثة اﻵثرية دوروثي كارود -Dorothy Garrod- عام 1928 ّ
كشفت لقى كهف هزار مرد ، وقد وجدت آثار هذا العصر في مناطق أخرى من العراق26
منها الطبقة C من كهف شانيدار وفي زاوي جمي -Zawi Chemi- على الزاب اﻷعلى
أي بالقرب من كهف شانيدار وكذلك في بالي كورا -Balegawra- وملفعات -Malfa'at
- وكريم شهر -Karim Shahir- ، وفي هذا العهد الذي يمتد من 12,000 إلى 8,000
عام ق.م بدأت في العراق القديم أولى محاوﻻت الزراعة التي أعتمدت الشعير البري تؤيد
ذلك بقايا الشعير البري المزروع الذي يتميز عن الشعير البري بعدد من المواصفات المتميزة
أهمها شكله وزيادة عدد حبوبه ، كما تؤكد ذلك مكتشفات أدوات الصوان في منطقة بردة بلكة
-Parda Balka- القريبة من جمجمال -Chamchamal- .
العصر الحجري الحديث -Neolithic- :
يبدأ العصر الحجري الحديث في حدود اﻷلف الثامن ويمتد إلى 5600 ق.م ، ويقسم في
- ممثﻼ
العراق وبعض بلدان الشرق القديم إلى ثﻼثة أدوار ، وهي -Proto-Neolithic ً
ّ
بالطبقات A & B2 من كهف شانيدار ، وكذلك بلقى زاوي جمي وكريم شهر وملفعات
- ممثﻼ في جرمو -Jarmo-
وكرد جاي . ثم دور ما قبل الفخار -Pre-Pottery Neolithic ً
بالطبقات 6-16 حيث لم يعثر على أية آثار للفخار فيه إﻻ في الطبقة الخامسة الحديثة وما
فوقها من طبقات أحدث ، كما يتمثل هذا الدور بالطبقات دون الطبقة العليا من زاوي جمي
وكذلك في الطبقات التسعة التي تقع تحت الطبقات الخمسة العليا من طبقات تل شمشارا -
Tell Shemshara- الذي يتألف من ستة عشر طبقة وقد عرف هذا التل كمستوطنة في عهد
سﻼلة أور الثالثة بأسم -Shashrum- .
دور الفخار -Pottery Neolithic- ويتمثل في الطبقات العليا الخمس من جرمو
ً
وأخيرا
والطبقات السفلى من تل حسونة -Tell Hassuna- والطبقات السفلى من تل الصوان -Tell
Al-Sawwan- ومواقع أخرى ، وإلى هذا العصر يعود نمط الزراعة المستقرة وتدجين
المعيز والخراف الجبلية والطير البري وﻻ سيما في مستوطنة جرمو التي عرف سكانها
ً صناعة أسلحة متطورة كالرماح الخفيفة والقوس والنبال .
أيضا
العصر الحجري- المعدني -Chalcolithic- :
يقع زمن العصر الحجري-المعدني في حدود 3500-5600 ق.م ويقسم إلى اﻷدوار التالية :
أ- حجري-معدني قديم -Early Chalcolithic- والذي يشمل دوري حسونة (حسونة وتل
الصوان وشمشارا وغيرها من مواقع) ودور سامراء (تل الصوان وشمشارا تل حسونة) ،
بين
ً
إنتقاليا
ً
والحقيقة فإن دور سامراء كما يذهب إلى ذلك بعض اﻷساتذة الكبار يعتبر دورا
الدورين الواقعيين حسونة وحلف ، ذلك أنه يمتلك صفات أواخر دور حسونة ومطلع دور
حلف -Halaf- ، وﻻ يمتلك إﻻ في حاﻻت إستثنائية نادرة صفات تميزه عن كﻼ الدورين
السابق ذكرهما .
ب- حجري-معدني وسيط -Middle Chalcolithic- ويشمل أدوار حلف القديم والوسيط
والمتأخر ، ويشتمل على النصف الثاني من دور سامراء كما يشمل دور العبيد اﻷول والثاني
وتقع في دور العبيد اﻷول الطبقات 15-19 من أريدو ، كما يقع في الدور الثاني طور فخار
الحاج محمد وفخار رأس العمية بالقرب من كيش .
ج- حجري -معدني متأخر -Late Chalcolithic- والذي يشمل دور العبيد الثالث -Ubaid
 بدور العبيد القديم ، ثم دور العبيد الرابع -Ubaid IV- والذي
ً
III- الذي كان يسمى سابقا27
كان يسمى بدور العبيد المتأخر 5300 ق.م -Eridu / Ubaid (Late)- ، كما يشمل دور
أوروك القديم الطبقات 7-12 أي بحدود 3700 ق.م ، ودور أوروك المتوسط أو الوسيط
ويضم الطبقتين 5-6 من موقع أوروك .
يتسم العصر الحجري المعدني بنمو بذور الحضارة الراقية التي أبتدأت بشكل واضح المعالم
في مستوطنة جرمو / العصر الحجري الحديث التي عرفت بناء بيوت الطين المستديرة ،
وقد شهد العصر الحجري المعدني تطور العمارة الرافدية وإبتكار العجلة ودوﻻب الخزف
، وتطور عملية تدجين الحيوانات فشملت الجاموس واﻷبقار والحمير والبط والكﻼب التي
تم تدجينها في أوروك بين أواخر اﻷلف الخامس ومطلع اﻷلف الرابع ق.م أي فترة أسﻼف
الكلدان القدماء ، كما تطورت وسائل الزراعة فشملت زراعة القمح التي تطلبت مهارات
في صناعة المحراث وتنظيم الري والسدود ، كذلك نشأت في هذا العصر بدايات الكتابة
أو بأشكال بدائية تجريدية ،
ً
ممثلة بخرزات الطين والفخار -Clay Tokens- المعلمة رقميا
أصغر يماثل
ً
على تجويفات تضم خرزا
ً
وقد أحتوت هذه الخرزات الطينية والفخارية أحيانا
عددها عدد الماشية المملوكة أو الممتلكات الشخصية لصاحب الخرزة .
العصر شبه التاريخي -Proto-Literate or Proto-Historic- والعصر التاريخي -Historic- :
أثبتت التنقيبات اﻵثارية في وسط وجنوب العراق وجود شعب (غيرسومري) قديم مارس
منذ طور أريدو 4900-5300 ق.م حتى طور العبيد 3500-4300 ق.م حياة متحضرة
في منطقة ما تسمى بالقطر البحري الكبير أي (مستوطن أسﻼف الكلدان التاريخي) الذي
ومن اﻷحواز
ً
يمتد من الحافات السفلى لمرتفعات حمرين شماﻻ حتى قطرايا / قطر جنوبا
ً
وكانت أشهر مدنه أريدو وأور وأوروك وكيش ولما لم تكن
ً
حتى مدينة ماري غربا
ً
شرقا
الكتابة قد أبتكرت بعد فقد أطلق العالم ﻻندزبيركر -Landsberger- التسمية اﻹفتراضية
(الفراتيون اﻷوائل) -Proto Euphratin- على ذلك الشعب الذي كانت عاصمته مدينة
(نون كي) -Nun ki- و يعني أسمها باللغة العتيقة أصل
ً
أريدو -Eridu- التي تكتب مقطعيا
أو باب الحياة أو الرفاهية وفي قراءة أخرى بيت النخيل ، وبديهي أن أريدو كانت مدينة اﻹله
إنكي / أيا (صاحب الكلمة الكلية القدرة أو أمير السحر) الذي كان بمقدوره وفق الميثولوجيا
الرافدية القديمة أن يقول للشيء كن فيكون ، وهو والد (إله مدينة بابل الرسمي) مردوخ
أن بعض المؤرخين العراقيين
ً
(إله المدنية والحضارة واﻹعمار) ومن الجدير بالذكر أيضا
أستخدموا تسمية الفراتيون اﻷوائل التي أستحدثها ﻻندزبيركر فيما أستخدم البعض اﻵخر
تسمية اﻷكديون القدامى ومنهم الدكتور سامي سعيد اﻷحمد في كتابه الموسوم (السومريون) .
وقد أدت الدراسات الﻼحقة إلى التأكد من أن ذلك الشعب المتواجد في جنوب وادي الرافدين
أن بابل كانت هي اﻷخرى
ً
كان هو منبع الهجرات التي كانت تنتهي في بابل ونواحيها ، علما
تكنى بتسمية نون كي ( أصل الحياة أو المنبت الطيب) ، كما أن بابل وفق جداول أثبات
الملوك وبعض اﻹشارات المدونة في اﻷلواح المسمارية واﻹسطوانات الملوكية تعد دونما
جدال من أقدم المدن العراقية القديمة إن لم تكن أقدمها قاطبة وهذا ما سنتركه لموضوع ﻻحق
 أنه قد سبق لي وأن نشرت هذه المعلومات في سلسلة من المواضيع على
ً
منفصل ، علما
صدر صفحات مجلة (بابل اليوم) التي تصدر في الوﻻيات المتحدة.28
ما يهمني التأكيد عليه هنا ، هو أن هذا الشعب الذي أستخدم لغة أصلية (رافدية محلية) عتيقة
دخلت بشكل حيوي ومؤثر في تركيب البناء اللغوي للشعب السومري سكان إقليم الشمال
اﻷصليين، وذلك بعد هجرتهم إلى وسط وجنوب الرافدين في منتصف اﻷلف الرابع قبل
الميﻼد ، ومن تلك المفردات التي أستخدمها هؤﻻء اﻷوائل (مﻼخا / مﻼك ، نكارا / نجار
، دقﻼت / دجلة ، دامكار / تاجر ، بوراتا / فرات ، آبن المعدلة إلى بنا / محراث أي بدنا
، إيد أي إيذا / يد ، أنكار المعدلة إلى أكارا / فﻼح ، بوم -Pum- أي بوما / فم  ، بحارا /
خزف والعديد من المفردات التي ما زال الكلدان يستخدمونها حتى يومنا هذا) ، مما دعا
بعض العلماء واﻵثاريين إلى إعادة النظر في نظرية الهجرات السامية أو كما يحلو للبعض
أن يسميها بالجزرية أو العربية التي سادت كتب التاريخ حتى الربع اﻷول من النصف الثاني
للقرن المنصرم ، وذلك قبل التأكد من بطﻼنها ﻷسباب عديدة منها :
أن أقدم الحضارات المعروفة في الجزيرة العربية هي الحضارات ذات اﻷصول الحبشية في
منطقة اليمن ، ﻻ يعود تاريخ أقدمها ﻷكثر من ألف ومائتي عام قبل الميﻼد فيما تعود حضارة
أسﻼف الكلدان (الفراتيون اﻷوائل) وفي مستوطن الكلدان التاريخي بالذات ﻷكثر من 5300
عام ق.م ، كما تعود أولى المستوطنات العراقية إلى اﻷلف العاشر قبل الميﻼد ناهيكم عن
الوجود البشري الذي يعود إلى الدورين اﻵشولي والمستيري من العصر الحجري القديم
(الباليوليتي) 100,000 ق.م واﻷوسط (الباليوليتي) 70,000 ق.م / (مستيري) 50,000
ق.م عﻼوة على العصر الحجري الوسيط في العراق بحدود 10,000 ق.م ، هذا من ناحية
الفارق الزمني الهائل بين إنسان وادي الرافدين والجزيرة العربية ، ومن الناحية اللغوية
بين الفراتيين القدامى من عنصر سكان البحر المتوسط
ً
شديدا
ً
 وعرقيا
ً
لغويا
ً
فإن هنالك تباينا
(أسﻼف الكلدان) وبين الناطقين بالحبشية القديمة في اليمن وجنوب غرب الحجاز (اﻷفارقة
المضربين بجنس الجزيرة) ، إضافة إلى عدم توفر أي دليل مادي يدعم أهلية الجزيرة ﻹمداد
بﻼد الرافدين وسوريا بالموجات البشرية الﻼزمة بأستثناء سكان منطقة العروض (جنس
 للجنوب الرافدي وتتألف من البحرين (دلمون /
ً
ً طبيعيا
البحر المتوسط) التي تعتبر إمتدادا
تلما = كوز الماء) وقطر (قطرايا = الصخرة الكبيرة) والكويت (تصغير كوت أي بيت /
تسمية مستحدثة) التي كان يحدها من الغرب النهر الرابع من أنهار الجنة -Pison- بحسب
 وادي حفر الباطن) وهو ما أكدته صور المسح الطبوغرافي الملتقطة
ً
العهد القديم (حاليا
أن هذا القسم الهام من منطقة العروض كان حتى وقت
ً
بواسطة اﻷقمار الصناعية ، علما
إبرام إتفاقية اﻹستانة عام 1913م ثم التقسيم المجحف لبﻼد ما بين النهرين في إتفاقية سايكس
  من (مستوطن  الكلدان
ً
بيكو  عام 1916م إقتطاع قائمقامية الكويت عام 1921  م جزءا
التاريخي)  ، ومما يدعم مسألة عدم أهلية الجزيرة لضخ الموجات البشرية الكبيرة طبيعتها
وتوزعها بين صحارى مجدبة وجبال قاحلة وسواحل ضيقة مقفرة
ً
ومناخيا
ً
طبوغرافيا
(الحجاز وتهامة واﻹحساء) ، وقد وصل اﻷمر ببعض العلماء إلى إثبات نظرية الهجرات
المتعاكسة أي أن هنالك هجرات قديمة من وادي الرافدين إلى الجزيرة بدليل أن سكان واحة
نجران الذين طردهم الخليفة عمر بن الخطاب إلى سوريا ومن ثم وادي الرافدين (منطقتي
) وتعني اﻷخيرة في اللغة الكلدانية (المستديرة) كانوا من المتحدثين
ً
النجف وعاقوﻻ ﻻحقا
بالكلدانية القديمة مما يؤكد الرأي القائل بأنهم كانوا من بقايا الكلدان الذين ساهموا في تأسيس29
مدن يثريبو (يثرب / المدينة) وتيمو (تيماء) وغيرها على عهد اﻷمبراطورية البابلية الحديثة
باﻹمبراطورية الكلدانية (تسمية إختيارية مستحدثة) ، كما توصلت
ً
التي يسميها البعض مجازا
الباحثة العراقية الدكتورة حياة إبراهيم المختصة بالتاريخ الكلداني إلى حقيقة أن الكلدان ليسوا
من القبائل اﻵرامية البدوية وإنما هم سكان القطر البحري الحضريين مؤكدة في ذلك ما
ذهب إليه العهد القديم والحوليات اﻵشورية التي كانت تفصل بين جيوش الكلدان والقوات
المتحالفة معها من آراميين وغيرهم وكذلك بعض مراسﻼت اﻹقليم البابلي التي أوضحت
ذلك بصورة دقيقة (حول عﻼقة اﻵراميين بالكلدان أنظر موضوع أصل التسميات القديمة بين
القومية واﻹقليمية) ، مما يؤكد أصالة الكلدان في منطقتهم التاريخية (القطرالبحري) ، وإلى
عدد من المؤرخين واﻵثاريين أبرزهم مورتكات وكارلتون وفون كريمر
ً
هذا ذهب أيضا
وكويدي وهومل وهوتجنسون -Hutchinson- الذي أفاد في كتابه الموسوم (قصة اﻷمم)
 من المجتمع الذي أستوطن بابل
ً
: أن الساميين (أسﻼف الكلدان القدماء) الذين يكونون جزءا
(اﻹقليم) يجب أن يكونوا قد جاءوا من وطن (القطر البحري) اﻷكثر مدنية من صحارى
جزيرة العرب القاحلة ، وهذا هو عين ما توصلت إليه في كتابي اﻷكاديمي (اﻵشوريون ..
سكان دولة أم قومية / ديترويت 2001م) حيث تبين لي من المقارنة اللغوية والفحوص
اﻷنثروبولوجية (اﻹطﻼع على تنوع الهياكل العظمية وطبيعة الجماجم المكتشفة في مقبرة
أريدو وحضارة العبيد) عﻼوة على الدﻻﻻت اﻵثارية اﻷخرى .
لهذا لم يذكرالكلدان في حوليات حكام الدولة اﻵشورية إﻻ كشعب حضري متمدن ومنفصل
ومتميز عن اﻵراميين البدو الذي أنفصلوا  في زمن سابق عن جذرهم الكلداني المستقر
بسبب عامل الهجرة المتواصل من الزراعة إلى حالة البداوة
ً
(المديني) العتيق وأنتقلوا عكسيا
، ووفق ذات السياق الحضري المتمدن جاء ذكرالكلدان بحسب كتبة العهد القديم وﻻ سيما
في سفر التكوين وأسفار إرميا ودانيال وإشعيا مما يؤكد بأن سكان القطر البحري قد حملوا
تسميات عديدة خﻼل تاريخهم الطويل (7300 عام) ، وذلك إما نسبة للمدينة التي يؤسسونها
أو لواقعة تميزهم عن بقية أفخاذ أرومتهم ، ولذلك يقول عنهم الدكتور فوزي رشيد في كتابه
قد عاشوا بين
ً
الموسوم (الملك نبوخذنصر الثاني) ص37 : إن الكلديين / الكلدان عموما
السومريين ، مع أن الشائع خطأ بين غير المختصين هو أن الكلدان لم يؤسسوا إﻻ السﻼلة
البابلية الحادية عشر حسب 539-626 ق.م ، غير إن العديد من الدﻻﻻت العلمية والتاريخية
التي أوردناها تؤكد بأن الكلدان القدماء -Proto Kaldee- قد حملوا طوال تاريخهم الطويل
تسميات مختلفة منها تسمية (اﻷكديين) نسبة إلى مدينة أكد التي أسسها شرو كين / سركون
الكبيرأو كما يلقب باﻷكدي .
وتشير مسلة شروكين إلى أن مدينة (أكد) قد بنيت بتراب بابل ، بمعنى أنها كانت ضاحية
من بابل (كا دنكر را أو بابيلم)  مثلما أطلقت عليهم تسمية عمورو باللغة الرافدية القديمة
ومارتو بالسومرية والتي تعني (الغربيين)  وهو مجاز لغوي يعني (الشماليين) ﻷنهم دخلوا
بابل من البوابة الشمالية ، وسنشرح هذا اﻹلتباس في المفاهيم أو باﻷحرى المعنى المجازي
الذي تأتى من دخول أحفاد الرافديين اﻷوائل (من عموريين / كلدان) إلى اﻹقليم البابلي عن
طريق البوابة الشمالية (عشتار شكي بات ﻻ بيشه) أي (عشتار قاهرة اﻷشرار أو اﻷعداء)
) وبالتالي إستخدامهم لحركة الكماشة ﻹحتواء بابل
ً
 (بوابة عشتار إختصارا
ً
وتسمى حاليا30
التي كانت تتألف من (أكثر من 75 مدينة وما يزيد على 420 بلدة) وهو ذات اﻷسلوب الذي
السكان اﻷصليون الكلدان (كيش دو / المنتصرون) في دورتهم ﻹحتواء بابل
ً
أعتمده ﻻحقا
من الداخل منذ السﻼلة البابلية الثانية أواخر اﻷلف الثاني ق.م .
المهم في هذا الموضوع من بحثنا أن نبين بأن السكان اﻷصليين للعراق القديم (الكلدان
اﻷوائل) قد سبقوا السومريين في اﻹستيطان في الحوض اﻷوسط واﻷسفل من وادي الرافدين
وإلى ذلك يذهب اﻷستاذ باقر في الصفحة 64 من كتابه (مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة)
حيث يقول : وسنرى من كﻼمنا حول الساميين أن السومريين لم يكونوا أقدم المستوطنين
في السهل الرسوبي . والسهل الرسوبي هنا كما نعرف هو (المساحة الجغرافية) التي تمثل
المستوطن التاريخي الرئيس للكلدان (القطر البحري) وعاصمته القديمة (أريدو) بتركيبتها
العرقية الرافدية  القديمةالتي تدعمها اﻷسانيد المختبرية لحضارة العبيد التي تبعد  ثمانية
كيلومترات عن أور الكلدان ، بأنهم في الواقع ووفق كل هذه اﻷدلة المادية وتراثهم اللغوي
 (الكلدان .. أمة عريقة منذ القدم)
ً
وبيانات الكتاب المقدس عن كلدان أور قبل سيادتهم سياسيا
وتسمية الخليج ببحر الكلدان (تام تي شا مات كلدي) قبل ما يزيد على ألف عام من حكم
السﻼلة البابلية الحادية عشر والتي يسميها المؤرخون المحدثون السﻼلة الكلدية ، عﻼوة
على أن أسم أول ملك حكم أريدو قبل الطوفان ، أي منذ أن نزلت الملوكية من السماء بحسب
ّ ما هي إﻻ دﻻئل دامغة
ً
جدول ملوك سومر هو الملك إيلوليم (تسمية كلدانية) ، وهذه جميعا
في ذات المنطقة على (تنوع تسمياتهم) ، وبالتالي
ً
على حضورهم القومي المتواصل تاريخيا
تأكيد تواجدهم اﻷقدم بين كل سكان وادي الرافدين ، والذي يعود بحسب الدﻻﻻت المادية
والوثائق المتحفية إلى عام (5300  ق.م .) .
وجدير بالذكر ، أن تسمية وادي الرافدين -Mesopotamia- ليست تسمية أجنبية متأخرة
كما يعتقد البعض ، مع أنها قد أشتهرت بعد إستخدامها من قبل المؤرخ اﻹغريقي فوليبوس
120-202 ق.م -Polybius- في منتصف العهد السلوقي عندما أطلقها على القسم الشمالي
من العراق القديم إلى حدود بغداد أي ما يرادف مصطلح الجزيرة الذي أستخدمه البلدانيون
ً
، ومع أن اﻷغريق كانوا يستعملون جريا
ً
العرب ثم صارت تطلق على القطر كله ﻻحقا
على العادة المحلية تسمية أثرا (الوطن) التي ترجموها إلى أسيرا ثم (آسيريا) ﻹقليم الشمال
والتسميتان القديمتان (بابلونيا) لﻺقليم  البابلي  و(بارابوتاميا / حافات الرافدين) للقسم
الصحراوي الذي يضم باديتي الشام والعراق ، غير أنهم كانوا يخلطون بين بابل وآشور في
أحيان كثيرة .
إﻻ أن ما يؤكد قدم هذه التسمية (بﻼد ما بين النهرين) وأصالتها البابلية هو إنها قد تأتت
من اﻹستخدام القديم لهذه التسمية التي عرفت منذ العصر البابلي القديم ، حيث أستخدمت
بصيغتها القديمة مات بريتم -Mat Biritim- أي أرض المابين كما أستعملت كصفة للمنطقة
الواسعة من اﻹقليم البابلي التي كانت تحيط أو تقع بالقرب من كوثى / كوتم أو كودوآ القديمة
-Kutha / Guduâ or Kutûm- ، حيث كان أسم تلك المنطقة يقرأ بيرت ناريم -Birit
Narim- أي ما بين النهرين وهما دجلة إيد دقلت / دكنا-Id-digna- ونهر الفرات -إيد
بوراتم-Id-Puratum- وما زال الكلدان يستخدمون هذه التسمية المحلية الوطنية العريقة بين
النهرين / وادي الرافدين حتى يومنا هذا بلفظتها الحديثة (بيث نهرين) .