المحرر موضوع: الأستاذ مسعود البرزاني واستراتيجية إقامة الدولة الكردية ـ 2 ـ  (زيارة 1978 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حبيب تومي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1724
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الحلقة الثانية
[/size]

بقلم : حبيب تومي / اوسلو
habibtomi@chello.no
tomihabib@hotmail.com

                        مواكبة الأحداث المتلاحقة تحت قيادة البارزاني



مع تسلسل التواريخ نحاول تسليط الأضواء على مسيرة الثورة الكردية المعاصرة .
ــ في أيلول عام  1930 م تندلع انتفاضة الشعب الكردي في السليمانية بقيادة الشيخ محمود ، وانتفاضة أخرى في برزان بقيادة الشيخ أحمد البرزاني وهو الشقيق الأكبر لمصطفى البرزاني ، وتقوم الأدارة البريطانية من خلال القوة الجوية الملكية بقمع هاتين الأنتفاضتين ، وعلى النطاق السياسي فقد شهد عام 1931 تقارب بين أيران والعراق ، وكانت نتيجة التقاء المصالح بين البلدين هو اشتداد الضغط على الثورة الكردية فاضطر الشيخ محمود في السليمانية الى الأستسلام . مع هذا بقيت الحكومة العراقية والأدارة البريطانية تعتقدان ان اخضاع برزان يشكل عاملاً هاماً في فرض الأدارة الحكومية على كردستان ، فقامت الحكومة بتحريض بعض القبائل الكردية لاتخاذ مواقف عدائية من الشيخ أحمد البارزاني ، ولكن هذه المحاولات لم تجدِ نفعاً ، فقد استطاع الشيخ احمد من بناء جسور التفاهم مع رؤساء العشائر وإحاطتهم بخطر المؤامرات التي تحاك بغية شق الصف الكردي .
ـ الحكومة العراقية تقرر شن هجوم عسكري على برزان وذلك في نيسان 1932 ، ولكن قبل هذا وحسب ( الدكتور عثمان علي ص587 وسنعتمد على هذا المصدر بصورة رئيسية في هذه الفقرة ) يقتبس معلومات من الأستاذ مسعود البارزاني ، من ان الحكومة أرادت استدراج الشيخ أحمد البارزاني بالحضور الى قائمقامية الزيبار لاعلان الولاء والطاعة للحكومة ، لكن هذه اللعبة لم تنطلي عليه ، وكان له معلومات وافية عن نوايا الحكومة . فكان أن هيأ مقاتليه وقسمهم الى ثلاثة اقسام ، وكانت القوة الرئيسية تحت قيادة الملا مصطفى البارزاني ، والثانية بقيادة محمد صديق البارزاني ، والثالثة تحت قيادته . وقد أبلى البرزانيون في هذه المعركة بلاءً حسناً وتكبدت القوات الحكومية خسائر كبيرة مما حدا بسلاح الجوي الملكي البريطاني بشن غارات عنيفة على مركز بارزان والقرى التابعة لها .
إن رجحان كفة الميزان لصالح  القوات الحكومية المعززة بالغطاء الجوي للسلاح الملكي البريطاني كان يدركه الشيخ أحمد ولكن ايمانه بقضيته وموقفه المبدأي من القضية الكردية كان يدفعانه الى  مواصلة القتال  رغم التفاوت الكبير في ميزان القوى العسكرية ، فهو يقول :
 .. إني اعلم جيداً انه ليس بإمكان عشيرة صغيرة كعشيرتنا مقاومة قوة بريطانيا وقهرها ، ولكن الحياة هي وقفة شـــرف . أريد ان أرضى الله وضميري ويهمني ان يسجل التاريخ اننا قاتلنا الأستعمار البريطاني وعملائه بإمكانياتنا القليلة ولم نركع لهم ( الحركة الكردية المعاصرة 590 ) .
أن ثورة برزان الأولى 1930 ـ 1932 تعتبر بحق بمثابة المخاض للشعب الكردي وهي تجربة حية لصقل المواهب العسكرية لقائد الشعب الكردي ملا مصطفى البارزاني  في بحر العقود القادمة .
العقد الذي اعقب سنة 1932 م يعتبر دور سبات بالنسبة للثورة الكردية .
 حركة برزان الثانية امتدت بين عامي 1943 ـ 1945 م وكانت هذه المرة تحت قيادة الملا مصطفى البارزاني ، ومن مميزات هذه الفترة التفاف الأكراد حول قيادة البرزاني نظراً للظروف المعاشية الصعبة التي كانت تعصف بالمنطقة بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية واسباب أخرى تتعلق بهزيمة القوات الحكومية وانتقالها الى موقف المدافع بدلاً من الهجوم .
لقد كانت سياسة البارزاني العسكرية في معظم فصولها مقرونة بالدعوى الى التفاوض والحوار مع الحكومة بغية الحصول على المطالب الكردية ، والمطلع على مجريات الأمور بين البارزاني والحكومة العراقية سيصادف أمامه حزمة من المطالب الكردية ومناورات تفاوضية وأخرى عسكرية من جانب الحكومات العراقية المتعاقبة .
ــ في 25 كانون الثاني من عام 1944 الحكومة العراقية تصدر قراراً بصدد المسألة الكردية ويلعب الوزير الكردي ماجد مصطفى في وزارة نوري السعيد دور الوسيط  بين الحكومة والبارزاني ، ويشهد الوضع نوع من الأنفراج ، فيتوجه نوري السعيد برفقة الوزير ماجد مصطفى الى كردستان ويؤكد على تحقيق حقوق الأكراد في إطار العراق الموحد .
صدر القرار الحكومي في 25 كانون الثاني عن حقوق الأكراد وكان من جانب واحد  فحسب ، ومع ذلك لقي معارضة من لدن القوى القومية العروبية النافذة في وزارة نوري السعيد على اعتبار انه احتوى على تنازلات لملا مصطفى البارزاني .
في هذه الفترة زار البارزاني بغداد ، وكانت فرصة للقوميين العرب لمهاجمة حكومة نوري السعيد معبرين عن استيائهم للأستقبال والحفاوة التي قوبل بها . وقد اضطرت السفارة البريطانية في بغداد للطلب من البرزاني على مغادرة بغداد .
ــ في منتصف نيسان عام عام 1945 قدوم سفير بريطاني جديد الى بغداد مع ظروف دولية متغيرة على مسرح الحرب التي خرجت منها بريطانيا كدولة منتصرة مع قوات الحلفاء الأخرى . ويتميز موقف هذا السفير بالتشدد إزاء المسالة الكردية ، وفي هذا الأثناء تسقط حكومة نوري السعيد وتأتي حكومة برئاسة حمدي الباججي وتتنصل من من قرار 25 كانون الثاني بشأن حقوق الأكراد .
وتلجا الحكومة الى عدد من الأجراءات في هذه المنطقة ، منها إصدار احكام غيابية بالأعدام بحق 35 شخصية من الضباط الأكراد والشيوخ البرزانيين ، وأعلان الأحكام العرفية في كل من راوندوز وعمادية ودهوك وعقرة ، وبدأت العمليات العسكرية يوم 6 آب من بافيستان نحو سيدكة وبعدها بشهر كان الهجوم من عقرة نحو برزان ، لكن هذه العمليات أخفقت في في إحراز أي تقدم عسكري ناهيك عن الخسائر التي لحقت بالقوات المهاجمة .
بعد أن منيت القوات العسكرية الحكومية بخسائر كبيرة أمام تفوق المقاتل الكردي في القتال ، والخبرة العسكرية المتراكمة لقيادته العسكرية المتمثلة بقيادة الملا مصطفى البارزاني ، إضافة الى عامل الجغرافيا في طبوغرافية الأرض الجبلية التي يعرف قممها ووديانها وشعابها حق المعرفة المقاتل الكردي .
وكخروج من المأزق العسكري للحكومة لجأت مرة أخرى للأستعانة بالقوات الجوية البريطانية ، وهكذا تتكرر الأحداث بالطريقة التي حدثت في اوائل العقد الرابع من القرن الماضي .   
إن الحكومة العراقية كان يؤرقها وجود الثورة الكردية وسيرورتها وانتشارها في عموم المجتمع الكردي كحقيقة قائمة . لقد كان القضاء على هذه الثورة وإجهاضها جزء من استراتيجيتها التي كانت  تتلائم مع توجهات حكومتي تركيا وأيران ، والتي كان يسعدها وضع حد لهذه القضية ، خوفاً من انطلاق شرارتها بين الأكراد في بلديهما .
بغية وضع حد للثورة فقد اشتد ضغط الجيش العراقي المدعوم من بريطانيا على برزان نقطة انطلاق الثورة ، ويفيدنا ( الدكتور خليل جندي ص70 ) : أمام هذا الهجوم الشرس ومنعاً لأراقة الدماء والحفاظ على القوة الكردية المسلحة ، قرر البارزاني والشيخ أحمد ترك كردستان العراق مع النساء والأطفال والتحرك الى كردستان أيران وخاصة الى مهاباد ذات الحرية والأمن النسبيين ، ويستطرد الكاتب ان عدد المهاجرين حددها أيكلتن بعشرة آلاف ، أما البارزاني فقد أكد بنفسه بأن أكثر من 35 ألف رجل وأمراة وطفل من قبيلة البارزانيين ومختلف القبائل الموالية .. دخلوا كردستان أيران في 11 /10 / 1945 م .


في اول مقابلة بين البارزاني وقاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد ، وضع البارزاني قواته تحت تصرف الجمهورية الفتية للذود عنها ، ومنح رتبة الجنرال في الجيش كما مر في الحلقة السابقة وطفق الضباط المرافقين له بتدريب المقاتلين لتشكيل نواة الجيش الكردي .
بعد سقوط مهاباد ـ سنتطرق لذلك لاحقاً ـ كان الوضع محبطاً ومعقداً ، وقد فضل المقاتلون المخاطرة والعودة الى العراق حيث ينتظرهم المصير المجهول ، لكن مصطفى البارزاني كما يقول (د . زهير عبد الملك ص168 ) حذر المقاتلين من العودة الى العراق ، وفعلاً فقد نفذت الحكومة العراقية حكم الأعدام بأربعة ضباط  من العائدين وذلك يوم 17 / 6 / 1947 م .
 أما  البارزاني نفسه فكان قد اصطحب معه 600 مقاتل واتجه صوب الأتحاد السوفياتي في مسيرة حربية تاريخية استغرقت زهاء 50 يوماً ، اصطدم خلالها بالجيوش العراقية والأيرانية والتركية ، دون ان يتكبد خسائر تذكر .
ويفيد الدكتور قاسملو انه في 18 حزيران عام 1947 يكون البرزاني وقواته قد دخلوا اراضي الاتحاد السوفياتي بعد اجتياز نهر آراس وقطع مسافة 300 كم بعده .
وعلينا ان ننتظر الى عام 1958 حيث ترسو الباخرة  السوفياتية جورجيا وهي تقل الملا مصطفى البارزاني ورفاقه العائدين وهم يحلون على تراب الوطن بعد المنفى الطويل  .
إن الخارطة اعلاه تبين الطريق الذي سلكه المرحوم ملا مصطفى البارزاني ورجاله في تلك المسيرة التي ينبغي ان يذكرها التاريخ الكردي .
                 
    جمهورية مهاباد الكردية

يا أيها العدو مازال يعيش
 الشعب الذي يتكلم الكردية
لا يقول أحد بأن الأكراد قد انقرضوا .
الأكراد سيعيشون دائماً ولن ينزل علمهم أبداً .
هذا هو النشيد الوطني لجمهورية مهاباد الذي اقتبس من اغنية كردية شائعة ، وكان العلم لهذه الجمهورية يتألف من ثلاثة ألوان ، الأحمر والأبيض والأخضر وفوقه شمس صفراء وسنابل القمح . الشمس ترمز الى الحرية والسنابل الى اهمية التعليم ، ويلاحظ ان العلم الكردي يخلو من الخنجر الذي أراده المرحوم عبدالكريم قاسم رمزاً للأكراد ربما مقاربة بالسيف العربي . فالعلم يرمز هنا الى الحرية والسيادة  للبلاد والتقدم والتعليم والبناء للشعب .
وفي هذه الجمهورية الفتية شكل الجيش الوطني الذي عرف بقوات ( البيشمرك ) ، وهكذا استخدم هذا المصطلح لأول مرة في مهاباد .
في ظروف دولية مواتية كان قيام الدولة الكردية في مهاباد ، حيث تساعدها استراتيجية الحرب العالمية الثانية والتي  تقتضي احتلال أيران من قبل بريطانيا والجيش الأحمر بغية أيصال الأمدادات العسكرية من دول الحلفاء الى الأتحاد السوفياتي وتم احتلال ايران عام 1941 م ، ونصب فيها حكومة ضعيفة برئاسة الشاه محمد رضا .
مدينة مهاباد والمنطقة المحيطة بها بحوالي 20 ـ 40 كم كانت القوى الكردية قد أزالت أي نفوذ للسلطة الأيرانية ، وهي منطقة شبه معزولة عن انتشار قوات الحلفاء البريطانية والسوفياتية .
 كانت ثمة حركة سياسية كردية تعرف باسم : كومالا جيان كردستان والتي تعمل في المدن والقرى الكردية وسوف تتمخض هذه الحركة لميلاد حزب سياسي وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي تأسس سنة 1945 ، وله برنامج واضح يتناول مصلحة الشعب الكردي .
لقد لعب قاضي محمد دوراً بارزاً في تشكيل هذا الحزب ، وانتخب الأعضاء القياديين في هذا الحزب قاضي محمد ليكون رئيساً لجمهورية مهاباد ، وكان يتحدث اللغة الروسية وقليلاً من الانكليزية ولغات اخرى  .
 لقد سعى المثقف السياسي الكردي قاضي محمد الى دولنة القبائل الكردية ، في تنظيمات سياسية . لقد طبق في الجمهورية الفتية استخدام اللغة الكردية في الدوائر الرسمية والمدارس وصدرت بعض المطبوعات الدورية ومنها مجلة للأطفال وتشكل اول مسرح كردي ويقول الدكتور قاسملو أن المرأة الكردية أخذت دوراً هاماً في الحياة الأجتماعية والسياسية . وشكل الجيش الكردي باسم قوات البيشمركة كما مر قبل قليل . وشكلت وزارة وهي تتكون من 13 وزيرا بينهم وزيري الحربية والخارجية .
أمست جمهورية كردستان او جمهورية مهاباد مركزاً عزيزاً جاذباً لقلوب الأكراد ، وكانت تستقبل بصدر رحب الوطنيين الأكراد من العراق وسوريا وتركيا ، وكانوا يتأملون ان تسطع شمسها الى المناطق الكردية الأخرى في الشرق الأوسط  .
بعد ان وضعت الحرب الكونية أوزارها ، كان على القوات الأمريكية والأنكليزية والسوفياتية ان تنسحب من أيران بموجب اتفاقية عرفت ( بتصريح طهران ) والتي وقعها كل من ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا  والرئيس الأمريكي روزفلت والرئيس السوفيتي ستالين ، ونصت الأتفاقية على الأنسحاب من أيران بعد خمسة اشهر من انتهاء الحرب .
في اعقاب هذا الأنسحاب بدات الحكومة الأيرانية ببسط نفوذها على كل مناطق ايران بما فيها المناطق الكردية ، وعندما دخلت القوات الأيرانية الى مهابات بقي جميع القادة برئاسة قاضي محمد في الجمهورية باستثناء البرزاني حيث انسحب الى نخدا وبعدها الى مانو .
 حكمت المحاكم الأيرانية على قاضي محمد وبعض أعوانه بالأعدام وفي فجر يوم 30 / 3 / 1947 اعدم قاضي محمد مع ابرز قادة الجمهورية الكردية في مهاباد في ساحة القناديل الأربعة ، ويقول الدكتور زهير عبد الملك ص199  بذلك أسدل الستار على اول جمهورية كردية . وعندما سمع ملا مصطفى البارزاني بسقوط مهاباد قال : إن الجيش الأيراني لم يهزم الأكراد بل ان بريطانيا والولايات المتحدة هزمتا الأتحاد السوفيتي ، وهي إشارة الى تلاعب الدول الكبيرة بمصائر الشعوب الصغيرة على المسرح الدولي .
حبيب تومي / اوسلو
                                      يليها الحلقة الثالثة             
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 المصادر
1 ـ باسيلي نيكيتين : الكرد دراسة سيولوجية وتاريخية ، تقديم لويس ماسينيون ، نقله من الفرنسية وعلق عليه الدكتور نوري طالباني ، دار الساقي ط2 سنة 2001 بيروت
2 ـ الأستاذ محمود فهمي درويش والدكتورين مصطفى جواد واحمد سوسة : دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960
3 ـ  د. هوستن سميث : أديان العالم ، تعريب سعد رستم ، حلب 2005
4 ـ إعداد  الدكتور زهير عبد الملك : الأكراد وبلادهم كردستان بين سؤال وجواب ، السويد سنة  1999
5 ـ الدكتور عثمان علي : دراسات في الحركة الكوردية المعاصرة ، تقديم الأستاذ الدكتور محمد هماوندي ، أربيل عام 2002 م .
6 ـ سعد سعدي : معجم الشرق الأوسط ، فكرة د . وليد هندو ، مراجعة الأب الياس الخوري ، ومي زيادة العاقوري ،  دار الجيل بيروت 1998 م
7 ـ د . عبد الرحمن قاسملو : كردستان أيران ، ترجمة غزال يشيل أوغلو ، دمشق 1999
8 ـ جواد ملا : كردستان والكرد وطن مقسم وأمة بلا  دولة ، تقديم : د . جمال نبز ، دار الحكمة لندن ط2 سنة 2000 م .
9 ـ  الدكتور خليل جندي : حركة التحرر الوطني الكردستاني في كردستان الجنوبي  ( 1939 ـ[/font] [/b]