المحرر موضوع: مسيحيو العراق من التقتيل والتهجير الى التكريد  (زيارة 1632 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رزاق عبود

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 390
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مسيحيو العراق من التقتيل والتهجير الى التكريد
[/color]

قبل، واثناء الحرب العالمية الاولى، وعدت بريطانيا الكثير من الشعوب بتحقيق مطامحها في الحرية، والاستقلال، وتكوين دول قومية. واشترطت، مقابل وعدها، وقوفهم الى جانبها في حربها ضد العثمانيين وعقدت مع بعضهم عهود، ومواثيق، ووقعت اتفاقيات دولية بهذا الخصوص. فقد وعدت الشريف حسين بمملكة عربية موحدة وحارب رجال الثورة العربية التي كان يقودها الى جانب القوات البريطانية ضد المسلمين الاتراك، ولولا مساعدتهم، ودعمهم لما نجحت بريطانيا في دحر الجيش العثماني. كما وعدت الاشوريين، والاكراد بكيانات مماثلة بعد الحرب. ولكن الوعد الوحيد الذي وفت به هو لبني صهيون: اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها. الشريف حسين انتهى منفيا في قبرص. وابنه طرد من سوريا فعوض بعرش بغداد بعد ثورة العشرين وفاز الملك عبدالله بامارة شرق الاردن التي ضمت اليها فيما بعد الضفة الغربية بعد هزيمة 1948 حيث حارب الانكليز الى جانب الصهاينة ضد "حلفائهم، واصدقائهم" العرب. الاكراد بقوا موزعين بين اربع دول. اما الاشوريين فانتهت انتفاضتهم في تركيا الى مجازر رهيبة اضطرتهم للهرب الى العراق، وسوريا، ولبنان. ولم تكد الجراح تلتئم حتى تعرض الاشوريون في شمال العراق الى مذبحة جديدة على يد ضابط عثماني سابق من اصل كردي تنكر لقوميته وصار رئيس اركان الجيش العراقي، وارتبطت باسمه اكبر مجزرة ضد مسيحيي العراق بكر  صدقي. الذي اغتاله اسياده البريطانيون بعد فترة للتخلص منه. فمات غير ماسوفا عليه. ولكن اسمه دخل التاريخ كجزار رهيب واول من قام بانقلاب عسكري في العراق، والوطن العربي. وهرب الالوف من الاشوريين مرة اخرى الى سوريا، ولبنان. وبقي المسيحيون العراقيون جميعهم من اشوريين، وسريان، وكلدان، وعرب  يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية رغم انهم سكان البلد الاصليين واحفاد بناة حضارة وادي الرافيدن التي يتفاخر بها الان من جاء من الصحاري، والقفار. ولم يشفع لهم انهم عراقيون اصلاء، وادخلوا الطباعة، والصحافة للعراق الحديث كما ابتدع اجدادهم الكتابة في العراق القديم. بعد ثورة 14 تموز1958 شعروا لاول مرة كغيرهم من من العراقيين بكرامتهم، وعزتهم، وتساووا مع الجميع بكل الحقوق، والواجبات. فالتفوا حول الثورة ودعموها كبقية الفئات المظلومة في العهد الملكي. وبعد اشتداد المؤامرات ضد ثورة تموز وزعيمها عبد الكريم قاسم. تعرض المسيحيون في العراق الى حملة مطاردات، ومضايقات، واغتيالات شرسة خاصة بعد حركة الشواف في الموصل. واستغل العنصريون، والبعثيون، والمتعصبون تلك الاحداث ليشنوا حملة شعواء ضدهم مما اضطرهم للهرب والنزوح من مدينتهم الجميلة الموصل الى مدن اكثر تسامحا مثل البصرة، وبغداد. وبدات دوائر خارجية تغريهم للهرب من ارض اجدادهم للاستفادة منهم ككوادر متعلمة ومتدربة، ولدق اسفين في الوحدة الوطنية، وحرمان الثورة من كوادر للعمل والبناء الجديد. بعد انقلاب شباط الفاشي 1963 واثناء حكم الاخوين عارف تعرضوا الى تمييز قذر. منعت عليهم الكلية العسكرية، والطيران وكثير من الوظائف، والدراسات، وصاروا موضع شك في ولائهم للوطن، ولقوا معاملة سيئة اضطرت الكثير منهم للهجرة خارج الوطن. لكنهم لم يتنكروا، ولم ينسوا عراقيتهم في ابعد المهاجر. ورغم ما لاقوه من اضطهاد، وقمع، وتمييز، وحرمان، وتهميش  كانوا، وظلوا سفراء رائعين لبلدهم وحضارتهم، ونظموا الحملات المساندة للعراق، وشعبه، والتضامن معهم كلما تعرض العراق الى محنة ما. بعد الاحتلال الامريكي للعراق تعرضوا للقتل، والاختطاف، وهوجمت كنائسهم ودور عبادتهم وهربت الاف العوائل الى الاردن وسوريا في طريقهم الى اوربا، وامريكا، واستراليا حفاظا على حياتهم. ولم تفعل السلطات لحد الان ما يكفي لحمايتهم وطمئنتهم للبقاء في وطن الاجداد. كما زيفت ارادتهم، وافتعلت منظمات كارتونية تتحدث باسمهم ولم تصل صناديق الاقتراع الى مناطق تواجدهم الكثيف، وفرضت عليهم قوائم لاعلاقة لهم بها، لا دينيا، ولا اثنيا. واخيرا صار المسيحيون كردستانيون ولم يعودوا كلدان، او اثوريين، او سريان. رغم انهم يعيشون على ارضهم التاريخية، واغلب المدن القديمة، والحديثة تحمل اسماء من تاريخهم الطويل، وبلغاتهم محورة عربيا او كرديا. وسبق للقوى التقدمية العراقية المطالبة بالحقوق الثقافية لابناء حضارة وادي الرافدين. وابسط الحقوق السياسية المتمثلة في حكم ذاتي، او ادارة ذاتية فى القرى، والمدن، والقصبات التي يشكلون الاغلبية فيها، او يسكنوها لوحدهم. لكن كل الوسائل، والاساليب تتخذ من اجل افراغ هذه المناطق وبقية مناطق العراق من المسيحيين، وكأنهم جسم غريب. في حين ان الغرباء هم من يدفعوهم للهجرة، وترك البلد حفاظا على اعراضهم، وسلامة حياتهم، وتاريخهم، وتراثهم. فمتى يتحرك ضمير العالم للحفاظ على الاقلية الباقية منهم، ويضمن لهم، ولو، حق التسمي بالاسماء التي حملوها على مر التاريخ.

 

رزاق عبود

‏11‏‏/‏11‏‏/‏06‏[/b]