من أين تبدأ وحدتنا في ضوء خطاب قداسة البطريرك الجديد .. ؟
المهندس : خوشابا سولاقا إن عنوان الموضوع يثير في النفس الشيء الكثير من الألم والأسى والحسرة والشجون الى درجة البكاء على ما وصل إليه حال شعبنا من تفكك وتمزق وتشتت وضياع في المهاجر البعيدة في الوقت الذي هو الوريث الشرعي لأقدم وأعظم حضارة إنسانية شهدها التاريخ القديم وأعطت للبشرية الشيء الكثير مما لم تستطع غيرها من الحضارات إعطائه من دون مقابل وبعد أن كان موحداً ومتماسكاً ومنسجماً مع نفسه وقاوم كل عوادي الزمن خلال مسيرته التاريخية الطويلة والمليئة بالتضحيات الجسام منذ ما يقارب السبعة آلاف سنة من عهد سومر وأور وأكد وبابل وآشور ونينوى مروراً بعصر المسيحية وأمجاد كنيسة المشرق الرسولية الجاثوليقية المقدسة التي امتدت امبراطوريتها المترامية بالتبشير برسالة ربنا يسوع المسيح له المجد من بحر الصين شرقاً الى البحر المتوسط غرباً ومن جبال آشور شمالاً الى الخليج العربي جنوباً ، حيث تفوقت هذه الامبراطورية بعطائها الثر في نشر المسيحية سلمياً على عطاء شقيقتها قبل المسيحية وباستعمال اللغة السريانية بأبجديتها المكونة من إثنان وعشرون حرفاً ذهبياً ، اللغة التي نطق بها ربنا يسوع المسيح له المجد وهو مصلوباً على صليبه ، صليبه الذي أتخذ من قبل أتباعه فيما بعد رمزاً للتضحية بالنفس والفداء في سبيل خلاص الآخر ، وتاريخنا فيه الشيء الكثير مما يشهد على ذلك ، ويكفي أن نذكر من هذه التضحيات تضحيات شهيد كنيسة المشرق مار شمعون برصبعاي ومار شمعون بنيامين وغيرهما الكثير ، وظل هذا الشعب قوياً موحداً وفارضاً لوجوده القومي بحضارته في عصر الوثنية والمسيحية على هذه الأرض الطيبة المعطاء دون أن تتمكن أعداءه من النيل منه وغرس روح اليأس والقنوط في نفوس أبناءه وأن تنشر بذور الفرقة والتمزق بينهم بالرغم من كل ما بذلت من جهود في تدبير المؤامرات والدسائس من قبل الأعداء للقضاء عليه وعلى رسالته الحضارية الأنسانية ، وبقى شامخاً يتحدى أعداءه والزمن الى يومنا هذا ، لأنه كان شعباً أصيلاً مؤمناً بقضيته القومية والدينية منذ الوثنية من عهد سومر وما قبلها الى بداية عصر الفرقة والتمزق والتشظي عندما بدأوا الغرباء من ذوي النوايا غير النبيلة والقادمين من وراء البحار من البلدان البعيدة التدخل السافر في شؤونه لزرع بذور الفتنه والفرقة بين أبناء شعبنا وكنيستنا معاً فظهرت المذهبية اللاهوتية إن صح التعبير التي تكللت مساعيها الحثيثة غير المباركة في تقسيم كنيستنا الى عدة كنائس أحداها تحتقر وتنبذ الأخرى وتتهم بعضها البعض بالهرطقة والخيانة والخروج على مبادئ العقيدة المسيحية السمحاء والداعية للمحبة والسلام ونبذ العنف بكل أشكاله ولأي سبب من الأسباب ، وفي ضوء هذا الواقع المنقسم على نفسه والمتشظي تحول أخوة الأمس من أبناء أمتنا الى أعداء ألداء اليوم بسبب المذهبية اللاهوتية المقيتة ، وعلى أثر هذه الخلافات المذهبية تعددت كنائسنا وأسمائها ، وتعددت معها تسمياتنا القومية بعشوائية انتقاها بخبث لنا وفرضها قسراً علينا الغرباء لغرض في نفس يعقوب ونحصد نحن اليوم نتائجها المأساوية والكارثية ، وعاش الجميع من أتباع كنائسنا المتخالفة والمتقاتلة منذ القرن السادس عشر على وجهه التقريب وليس الحصر والى عهد قريب في حالة من التمزق والخصام والتفكك والتململ وتحقير ونبذ بعضهم للبعض الآخر بشكل سافر على خلفية تعدد المذاهب اللاهوتية والتسميات القومية بالرغم من كونهم جميعاً من أصل قومي واحد ومن كنيسة واحدة ، ومن حسن حظ هذه الأمة المسكينة بقى الجميع يتكلمون بنفس لغة الأم السريانية ( سورث ) واستعملوا في الكتابة نفس الأبجدية التي استعملها الأجداد ( ألب بيث ... الخ ) منذ القرن السادس قبل الميلاد على وجه التقريب لا الحصر والى اليوم في كل الكنائس والمجتمع .
إن المذهبية اللاهوتية التي خرجت من باب الكنيسة بفعل وإرادة وبدعم وتشجيع الغرباء مزقتنا وجعلتنا فرقاً وشيعاً نحارب بعضنا البعض دون أن نفهم وأن نعي لماذا .. ؟ وعليه فإن الطريق الى الوحدة بكل أشكالها من المفروض أن ياتي ويمر من خلال باب الكنيسة ولكن وفق آليات حديثة وهي آلية المحبة الروحية والسلام النابعة من محبة ربنا يسوع المسيح له المجد في ظل التعددية المذهبية وبقائها كخصوصيات شخصية في إطار كنيسة المشرق بكل فروعها من دون ربطها بالتسمية القومية في حواراتنا وطروحاتنا ونقاشاتنا لأنها تقودنا الى المزيد من الأختلاف والأفتراق .. ليكن كل فرد منا من أي مذهب كان حراً في خياراته وقناعاته يعتقد بما يشاء من المذاهب دون أن يتنكر للآخر الشيء ذاته ودون أن يتنكر لأصله وتاريخه وتراثه الوثني والمسيحي اليوم لأن المحافظة على ذلك أمانة الأجداد في رقابنا علينا إحترامها وحمايتها كما وصلتنا وأن ننقلها ونضع عليها بصماتنا الى أولادنا وأحفادنا من بعدنا لكي يرحمنا التاريخ ..
وبعد كل هذا الأستعراض المختصر والمتسلسل لمسيرة أمتنا المجيدة من عهد سومر الى ما نقرأه اليوم في كتابات بعض الأخوة من أبناء أمتنا التي تدعو في مضامينها عن قصد أو من دونه الى استمرار الحالة المفككة التي عليها أمتنا اليوم ، وتبث الحقد والكراهية والخصام والفرقة بين أبناء أمتنا بسبب التعصب المذهبي اللاهوتي والقومي الذي يظهره هؤلاء القلة من الأخوة الأعزاء الكتاب من مكونات أمتنا ، ليس أمامنا نحن المحبين والداعين للوحدة القومية بأية تسمية كانت والوحدة الكنسية المشرقية وبتعددية المذهبية اللاهوتية ضمن إطار كنيسة المشرق أن نبحث بصدق وإيمان عن خط الشروع ونقطة البداية لمسيرتنا الجديدة ، أقول لقد وفر لنا قداسة البطريرك الجديد مار لويس روفائيل الأول ساكو في كلمته القيمة التي وجهها الى أبناء كنائسنا وأمتنا قبل أيام والتي نشرها هذا الموقع الكريم عينكاوه كوم الكثير من الجهد والوقت في البحث عن خط الشروع ونقطة البداية لمسيرتنا ، حيث نبه قداسته الى منبع أسباب الفرقة وتعظيمها بشكل مبالغ فيه ومضر بمصلحة الكنيسة والأمة بتشجيع الفرقة والتمزق ونشر الكراهية والحقد والتعصب القومي والمذهبي في كلمته حينما قال برجاء متواضع ، وهنا أقتبس من كلمته
(( لي رجاء واحد وهو أن يكف كتابنا عن كتابة مقالات قومية أو كنسية تفتقر الى العلمية والمنهجية لنحافظ على هويتنا ونفتخر بها من دون الطعن بهوية الآخر أو نبذه سوف يساعدنا البحث العلمي الرصين على الأكتشاف ... علينا ألا نتشتت ونُضَيع كل شيء )) إنتهى الأقتباس .. هنا لا يسعني أمام هذا التواضع الكبير والفهم العميق لأنسان يفهم ويعي جيداً ماذا يقول عن أسباب بث الفرقة والتمزق بين صفوف أبناء أمتنا وكيفية التصدي لها بحزم وبأبسط الوسائل ، ألا وهي الطلب من كتابنا ومفكرينا بالكف عن كتابة ما يصبح مرشداً ونبراساً يهدي الى استمرار الفرقة والضغينة والحقد والكراهية المذهبية والقومية بين أبناء أمتنا ،
إلا ان أقول لقداسته بوركت في قولك وبارك الله فيك وأن يأخذ بيدك الى ما هو خير لكنائسنا وأمتنا يا قداسة البطريرك المبجل على هذا التشخيص العلمي الدقيق من جهة وأقول في ذات الوقت من جهة ثانية الى الأخوة الأعزاء من كتاب المقالات أن يأخذوا بنظر الأعتبار عند الكتابة لوسائل الأعلام المختلفة هذا الرجاء المتواضع إن صح القول لقداسته إحتراماً لدرجته الدينية ولشخصه الكريم وإحتراماً لقدسية القلم وللرأي الحر ولخصوصيات ومعتقدات الآخرين مهما أختلفتم معهم ، لأن الرصانة العلمية والدقة في الطرح هي المعايير التي من المفروض أن يعتمدها الكاتب الرزين الذي يحترم ذاته وقلمه وكيف يصونها ويحميها من الزلل والسوء .. وبهذه المناسبة ليس بوسعنا إلا أن نقدم جزيل شكرنا وفائق تقديرنا الى غبطة الكاردينال المستقيل مار عمانوئيل الثالث دلي على مبادرته الشجاعة والفريدة في تاريخ الكنيسة الكلدانية في تقديم إستقالته فاسحاً المجال أمام أكليروس الكنيسة الكلدانية لأنتخاب بطريرك جديد أكثر شباباً منه ليتولى قيادة مسيرة الكنيسة بعد أن تيقن بأن العمر قد نال من قدراته الذهنية والبدنية وجعله ليس بالمستوى القادر على الأستمرار في أداء مهامه في قيادة مسيرة الكنيسة بنجاح ، حقيقة كانت هذه المبادرة فريدة بأبعادها ومضمونها تستحق التثمين والثناء عليها لما تدره من فوائد جمه وكبيرة للكنيسة الكلدانية ، عسى أن تصبح هذه المبادرة تقليداً وسياقاً يعتمد من قبل الآخرين في كل كنائس شعبنا ، وكانت قد سبقت هذه المبادرة مبادرة قداسة البطريرك الشهيد المرحوم مار إيشاي شمعون بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في السبعينيات من القرن الماضي عندما أنهي تقليد عصر التوارث لهذا الكرسي في كنيسة المشرق الآشورية وإعتماد مبدأ الأنتخاب لمن هو أفضل من الأكليروس ، وكما نثمن ونهيب بمبادرة قداسة الحبر الأعظم مار بنيدكتوس السادس عشر بابا الكنيسة الكاثوليكية في العالم عندما أصر على الاستقالة من منصبه المقدس لأسباب متعلقة بالعمر أيضاً ، إنها في الحقيقة تجارب رائدة ونوعية لا بد للقيمين على الكنيسة التوقف عندها بجدية وتحويلها الى سياق عمل وقانون في إدارتها .. ولا أريد هنا الأطالة على القارئ الكريم إلا أن أقول له من باب الأقتراح وليس إلا أن ندعو أبائنا الأجلاء في كل كنائس شعبنا من دون إستثناء وكل القياديين العلمانيين في الأحزاب والحركات السياسية ممن نال منهم العمر مبتغاه وممن مضى عليهم سنوات طويلة في مناصبهم الأقتداء بهذه التجارب الفذه إن كانوا فعلاً يريدون خدمة مصلحة كنائسنا وأحزابنا السياسية وشعبنا ..