تراتيل في صومعة الريح
آدم دانيال هومه
- 1 –
عندما أغمض عينيّ
أحسّ باللهب الصاعد من قلب الله
أتحوّل لوناً جديداً في أيقونة قوس قزح
أطفو فوق شفاه حسناء
لم يقبّلها إنسان في التاريخ
وحينما أفتح عينيّ
يساورني إحساسٌ بأنني ذبابة تصلي
كي تدخل ملكوت السموات.
- 2 –
سُئل طفلٌ يتسول أمام أبواب كنائسَ هاجرها الفقراء
أيهما تُفضل... الرغيف أم القنبلة؟
أجاب ... القنبلة
لأنها تحرّرني من استجداء الرغيف.
- 3 –
نحن نعلّم أطفالنا مزامير الحبّ وألحان الأمطار
نطعمهم خبز الشعوب الناضج في تنّور الإنسانية
ونلقنهم أناشيد الثورة
كي يقطعوا بلحمهم سكين الجلاد
ويتدفقوا بالغضب من أجل نهوض الإنسان
ونوصيهم أن يحذروا المشعوذين والأنبياء الكذبة
وأن استجداء الشفقة لن تفتح أمامهم أبواب الخلاص
وأن أحضان الشعب دافئة كحضن الأم.
****
- 4 -
ياشعبي الطالع من مدخنة الويلات
كنتَ ملح الحضارات
وصرتَ الآن محاطا بالهزء وبول النساء...
ونتن المؤتمرات.
كل شعوب العالم دخلت ملكوت الحرية
وتمضي قدماً نحو شواطي الشمس
وأنتَ... وحدك تصلي في الظلمة
تبتهلُ لإلهك المصاب بالشذوذ الجنسي
تصنعُ من أوراق كتبك المقدسة
أكاليل صفراء لشهدائك المنتحرين.
-5 –
أيتها العجوز الجميلة التي تغور في ضباب اليأس
لقد فسخ المجد خطوبته عنك مُرغما
وانسلّ الضوء من عينيك كثعبان صحراوي
وبقيتِ وحدكِ ترقبين الفاجعة
وتموتين كما يموت الملوك الحمقى
أنت حيّةٌ...
لكنك نائمة في حضن الموت
رغم صياح الديك لم يبزغ فجرك
رحمك... ملوّث
تزداد ملوحته يوماً بعد يوم
وتنزلق من بين فخذيك كلابٌ بلاسيقان
تنقبُ قي الروث... وفمها مملوء بالزبد
آه...
ماأصعب أن يكون الإنسان إبناً لأم لاتلد إلا المسوخ.
-6 –
سيّد الرمل والنفط والوهم يطحن شمس الآلهة
يلج تنيناً في رحم السمكة المدللة في بركة القلب
يتقدّس خارج جسده بين أفخاذ مومسات العصر
ويحلم بحياة أبدية
وقبل انقضاء الحلم يكسوه الريش
ويصبح ذكياً
واسع الفهم... كالحمار.
-7-
أيها الوطن المتوهّج في ذاكرة التاريخ
نقيٌ أنتَ كماسّة الندى مرصّعة في تويجة الصباح
أنتَ... سنبلةُ عشق تتجذّر في شفة السماء
وتتنفس في صلصال دمي
أنتَ.... فرحُ الشعاع المتوثب في ألق المطر
عصفورٌ شاردٌ من مدخنة الليل يحطّ على نصل النار
ويمتشق جلال الزهر
عيناك... مكتنزتان بالحلم وصهيل الفجر
تسافران شطر الغابات المأهولة بالفقراء
وجرحك مضمّخ بالملح ينزّ عبر بوّابة الشمس
يغمر كل الأرض
ويلهث كالفرس الجامح في أزمنة القحط وفي أروقة الثلج.
أوّاهٍ ياوطن الورد... وياقنديل الشعراء
خلقك الله قبّرة ليزيّن بك شجرة عيد ميلاده
لكن ذبابَ الجوع القادم من برّ الشام...
ومن قلب الصحراء
أحال وجهك مزبلةً للغرباء.
مكتوبٌ ياوطني أن تتعمّد بالنار
وتدخل تجربة الموت
كي تعيش طاهراً كزنبقة عذراء.
-8-
في هذا الزمن المأفون
زمن العهر العربي... والغثيان السياسي
زمن الانتصارات النكراء... والهزائم المجيدة
زمن هبوط الآلهة على الأرض
يعود ابو سفيان وأبوجهل والحجاج...
سلاطين العصر
يعاقرون الخمرة... ويدخنون السيكار
يطاردون الأنبياء
ويضطهدون (بإسم الله) كلّ المؤمنين بمملكة الحبّ والضياء
يتوضأون بدماء الشعب
ويصلّون في حظيرة خنزير
ويمتطون ناقة أمريكية مجنّحة
بحثاً عن بغيّ يرسمون على فخذيها خارطة فلسطين
ويصبّون في خليجها الغضب العربيّ الساطع.
وطني مسكونٌ بالنار
والشعراء قد ولوا الأدبار
هرباً من غابات الشرق الأوسط ومن مملكة الأقدار
وكلّ العصافير تهاجر صوب الغرب
تبكي الفردوس المفقود
تنتحر ببطء على أرصفة الغربة...
وفي أقبية الصمت
والضفدع....
يتنقّل مابين المستنقع وسروال السلطان
يتبارك بجهازه التناسليّ المقدّس
وأنا مبهورٌ بالشعب
مبهورٌ بالعشق القائم بين الضفدع والسلطان.
-9 -
ياوطني!...
مامن قوة ترغمني على عبادة الشيطان
أو التمسّح بأهداب عباءة السلطان
وُلدتُ حيث الله والثورة والحب
وعلمتني الحياة أن المنافق... ابن كلب.
ياوطني!...
أنام في كلّ مساء على صوت عواء كلاب القفر
وأستيقظ كلّ صباح على شدو عصافير الجنّة
ومابين النوم واليقظة
(أسمع صياح الديك على أسوار بابل).
****
بيروت – لبنان كانون الثاني 1977