معاناة شعبنا: علامة تجارية
تحت هذا العنوان انطلقت حناجر لتصرخ داعية المعنيين بالوقوف دقيقة حداد على ما يُعانيه الآلاف العوائل من أبناء شعبنا. ولأجل هذا الموضوع راحت أقلام كُتّابنا تشرح وتُفصل لنا مضامين وأوجه وأبعاد هذه المُعاناة. ولم يمر الحدث من دون أن يستغله الوُعاظ ليُبكوا مُستمعيهم علّ الأيادي تتحرك في الجيوب ويخرج الورق الأخضر ليُخفف من المُعاناة قليلاً. والحال الكل يتحدث عن معاناة شعبنا لأن الموضوع جذاب ولربما يقصد كاتب (بشكل غير واعٍ) هذه الأسطر أن يجذب لمقاله استطرءً واستحسانا ومديحا. ولكن يبقى الحال كما هو: شعبنا يُعاني وهذا ما اتفقَ عليه الجميع.
اتفقَ عليه الجميع ولكني أسأل: دُلني على مَن (شخص أو جماعة) استطاع أن يحتوي ويحتضن هذه الأزمة، لا بالتحليل والتمحيص والشرح والتأويل بل بمواقف عملية يُشار إليها؟
فرؤساء أحزابنا المسيحية لم يألوا جهداً في إيضاح واستبيان أبعاد الأزمة التي تلمُ بأبناء الأمة، هذا الشعب الواحد التي يُهان يومياً على أبواب الوزارات والمؤسسات الحكومية، هذا إن تمَكنَ من الوصول إليها. رؤساء أحزابنا المسيحية استكشفوا أبعاد المُعضلات التي تُحيط بهذا الشعب المسكين ومُستقبله، ونظراً لتحالفاتهم التي نفهم مضامينها حددوا سُبل حل الأزمة لتتوافق ومُستقبل هذه التحالفات، ويبقى الشعب يتألم. رؤساء أحزابنا المسيحية، ورُغمَ كل ما شاهدوا، ولربما ما يُعانوه هم أنفسهم لم يتمكنوا حتى الآن من تقديم التنازلات السياسية لأجل الاتفاق على خطوات عملية للتخفيف عن مُعاناة هذا الشعب المغلوب على أمره. فبقوا يتحاورون ويتصارعون حول قضايا تبقى مُهمة ولكن ثانوية أمام جروحات هذا الشعب المسكين الذي يبقى يُعاني، ويُختطَف الأمل بحياة آمنة كل يوم ليبدأ عشرات العوائل المسير نحو المجهول في متاهات الهجرة.
أما رؤساء كنائسنا فلم يكن الحال أفضل مما هو عليه مع رؤساء احزابنا المسيحية. فالشعب جميعاً كان يتصور أن حال كنائسنا سيكون أفضل ما بعد نيسان 2003 كنسياً، وسيشهد واقعنا الرعوي تقرباً وتفهماً أعمق لقضايانا من أجل توحد الرؤى والتوجهات، إلا أن الواقع أضاف على المُعاناة ألماً وتحسراً وغصة في نفوس المؤمنين لأن الكنائس ابتعدت عن بعضها أكثر فأكثر. رؤساء كنائسنا واصلوا الوعظ عن معاناة شعبنا لتحريك المشاعر وذرف المزيد من الدموع والحسرات، ولكن لم نتلمس منهم خطوات عملية للتخفيف عن هذه المعاناة. وأكرر ما قاله لي أحد المؤمنين يوماً: ابونا لو كُنتم (كهنة ومطارنة وبطاركة) مُتفقين في اجتماعاتكم لما وصل الحال إلى ما هو عليه الآن.
لا أتصور أن مُتحدثي كان يُريد أن يُحمّل الكنيسة أخطاء المرحلة برٌمتها لأني أعرف صدق مشاعره ووسع ثقافته، إلا أنه كان يُعبّر عن وجهة نظر صحيحة من أن المُجتمع كان يتطلع إلى كنائس العراق لتكون نموذجاً في العمل والمسيرة المُشتركة وهذا ما لم يحصل إلى الآن، وهو واقعٌ مُؤلم بحد ذاته. بل تأثرت الكنائس بالواقع الذي يعشه البلاد، وإنعكست سلبيات إدارة الأزمة على واقع الكنائس أيضاً.
فلا نُريد من أهلنا وأصدقاءنا في المهجر إطلاق حملة تبرعات وجمع دولارات للتخفيف عن مُعاناة شعبنا، لأني أقولها وبصراحة إن مُعظمها لن يصل إلى غاياته بل لغايات أخرى غير مُعلنة. ولا نريد مقالات أو ندوات تصول وتجول في جراحات هذا الشعب فهذه مهانة لكرامتنا ولأبسط قيم الاحترام للمجروح والمُتألم. نُريد خطوات عملية تجعل من هذا الشعب وهذه الأمة مكونا إجتماعيا يُشار إليه في المُعادلة السياسية والاقتصادية للعراق، ويُحسَب له ألفُ حساب. تأشيرات السفر حل لمَن قرر الهجرة وبُوركت كل الجهود، ولكن ماذا عن مئات الآلاف الموجودة في أرض الوطن؟ هل حجزنا لهم تأشيرات سفر؟ ربما! ولكن إلى أين؟
[/b] [/font] [/size]